أكّد قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء محمد علي جعفري قبل يومين أنّ “إيران هي من تقرر مصير سوريا، وأنّ الدول الكبرى لا بد أن تتفاوض مع إيران”، مؤكدا على استمرار التدخل العسكري الإيراني وتوسيعه، وموضحا أنّ الذين يقتلون يسقطون دفاعا عن الثورة الإسلامية. هذا ما خلصت إليه القيادة الإيرانية بعد أكثر من خمس سنوات من التدخل في سوريا دعما لنظام بشار الأسد، النظام البعثي الذي قتل من الشعب السوري المئات من الآلاف ولا سيما أولئك الذين طالبوا بدولة إسلامية، إذ أنّ قيادة الثورة الإسلامية في إيران تدرك أنّ نظام الأسد كان قتل وسجن كل من يدعو إلى اعتماد نموذج إسلامي للحكم، أي النموذج الذي يدافع عنه جعفري، كما يقول.
لسنا في سياق الدفاع أو الهجوم على دعاة الحكم الإسلامي لدى إيران، أو لدى الإخوان المسلمين، بل قصارى ما نحاول الإشارة إليه أنّ القيادة الإيرانية، وهي تقاتل دفاعا عن نظام كافر بمعاييرها الشرعية، أي لا يؤمن بالحكم الإسلامي، قتلت وشرّعت قتل مئات الآلاف من المواطنين السوريين وساهمت في تهجير الملايين إلى خارج سوريا، وغطت تدمير المئات من المساجد على امتداد الأراضي السورية كرمى للأسد وربما لحماية بضعة مقامات ليست أقل قداسة من تلك المساجد، بل لا تساوي روح طفل انتزعت ببرميل ولا جسد امرأة تشظّى بصاروخ أطلق من طائرة روسية حظيت بمباركة ولي الفقيه ودعائه لها بالنصر ضد المدنيين أو المعترضين على نظام مستبد لا علاقة له بالقيم الإنسانية والدينية. ودائما استنادا إلى “ثقافة” الثورة الإسلامية التي يتبجح بها قائد الحرس الثوري أو قائد فيلق القدس قاسم سليماني، وهما يسحقان باسم الإسلام مدنا وشعوبا، ودائما كُرمى لنظام الأسد ومن أجل الثورة الإسلامية.
الاكتساح الإيراني للمنطقة العربية بات في مراحله الأخيرة، وهو يحاول تثبيت معادلات سياسية في الدول التي اكتسحها برضى أميركي وتحالف مع روسيا وبطمأنة إسرائيل، باعتبار أنّ الخطر على العالم اليوم هو الإرهاب السني، أي تنظيم داعش الذي ينسق الحرس الثوري الإيراني للقضاء عليه في مدينة الموصل مع كل ما تسميه ثقافة “الثورة الإسلامية في إيران” دول الاستكبار العالمي من دون استثناء، ما يجعل إيران، بميليشياتها المذهبية، السلاح المطلوب لإبقاء المنطقة العربية رهينة صراع تريده إيران مذهبيا وتدفع باتجاهه بكلّ ما أوتيت من قوة في سوريا والعراق واليمن، فيما لم ينجح خصومها من الدول العربية في مواجهة هذا المشروع التفتيتي بمشروع واضح المعالم. فسقط العديد منهم في الفخّ الطائفي. وهذا ما تتفوق به الأيديولوجيا الإيرانية التي تستطيع أن تغامر في مجتمعات ودول خارج إيران وليست على الأرض الإيرانية.
هكذا نجحت إيران في استقطاب التعاطف الغربي والأميركي تحديدا، والإسرائيلي على وجه الخصوص، إذ أنّ الانتصار الإيراني هو متلازم مع انتصار مشروع التجزئة على مشروع الوحدة، وانتصار مشروع ضمان وترسيخ الوجود العسكري الغربي في المنطقة على حساب مشروع التحرر الوطني والعربي والاستقلالي. الانتصار الإيراني هو في تضعضع النظام الإقليمي العربي لحساب المشروع المذهبي وفي مقدمّته الهلال الشيعي الممتد من إيران إلى لبنان. تنتصر الأيديولوجيا الإيرانية وتحتفي بانتصارها في الموصل اليوم، وغدا في حلب، ودائما على أسس ضرب النسيج الوطني والقومي.
الحقيقة الظاهرة اليوم أنّ هناك ما يشبه حال الانهيار على المستوى العربي. وإذا كان الخطاب الإيراني يعتبر في الظاهر أنّ أعداءه هم الذين يتحالفون مع الغرب ضد شعوبهم وهم مع التجزئة ضد الوحدة، وهم مستبدون في مواجهة شعوبهم، وهم يعملون على الفتنة المذهبية لتحقيق حلم إسرائيل في المنطقة العربية، وهم مع “الشيطان الأكبر” ضد الإسلام والمسلمين، وهم يريدون طمأنة إسرائيل وعقد الصفقات الأمنية والسياسية والإقتصادية معها. هذه الاتهامات وغيرها هي عدّة البروباغندا الإيرانية، لكن سؤالا واحدا كاف لكشف هذا الزيف الإيراني. إذا كان ذلك كله هدف وغاية خصوم إيران، فلماذا هي تقف مع ترسيخ الطائفية وتثبيت التجزئة وانقسام المسلمين إلى مذاهب، ومع انفجار الفتن في المنطقة العربية وبين المسلمين، ومع زيادة استقرار الكيان الإسرائيلي، ومع زيادة الاستبداد في المنطقة العربية، ومع ازدياد نهب الثروات العربية، ومع تناغم الأهداف الإيرانية على الأرض سواء مع أهداف روسيا أو أهداف أميركا في المنطقة العربية، ومع إرسال إيران للميليشيات الشيعية إلى سوريا من أفغانستان والعراق وإيران ومن باكستان؟ ومع كلّ ذلك تخرج القيادات الإيرانية وأتباعها في المنطقة لتتحدث عن انتصارها.
الانتصار الذي تحققه إيران هو الهزيمة عينها للمجتمعات العربية، والهزيمة عينها لوحدة المسلمين، وهزيمة الحريات والديمقراطية لصالح الاستبداد. التلازم بين الانتصار الإيراني وتدمير المنطقة العربية يكشف طبيعة الأهداف الإيرانية التي باتت في مصالحها الفعلية متناغمة مع كل ما يستهدف أيّ عملية نهوض عربي محتمل. هي منذ بداية الربيع العربي تهيبت الحراك الشعبي وواجهته بشعار أطلقه المرشد الإيراني علي خامنئي وعقدت في سبيل ترويجه العديد من المؤتمرات، أي “الصحوة الإسلامية”. هذا شعار كانت غايته تطويق الربيع العربي ومصادرته. وعندما عجزت عن ذلك ساهمت القوة الإيرانية بتفخيخ الربيع العربي مع غيرها من القوى الإقليمية والدولية بالفتن المذهبية وبتفجير التناقضات داخل المجتمعات التي خرجت للإصلاح في دولها.
تحتفي إيران بانتصارها كلما ضعف العرب وازدادت إسرائيل قوة وتعاظم دور روسيا في بلاد المسلمين، وكلما كان الشيطان الأكبر داعما لمصالح إيران من العراق إلى سوريا واليمن ولبنان.
صحيفة العرب