أعربت مصادر سياسية لبنانية رفيعة المستوى عن اعتقادها بأنّ إزالة العراقيل أمام انتخاب النائب ميشال عون رئيسا للجمهورية اللبنانية في آخر الشهر الجاري لا تعني أن زعيم “تيار المستقبل” سعد الحريري سيتمكن من تشكيل حكومة جديدة بسهولة.
وتوقّعت أن يبدأ “حزب الله” الذي يعتبر أنّه فرض مرشحه ميشال عون رئيسا للجمهورية بتحديد سلسلة من الشروط تستهدف الحدّ من هامش التحرّك لدى الحريري من جهة وجعل حكومته أسيرة مواقف محددة للحزب من جهة أخرى.
وتساءلت هذه المصادر كيف سيتمكن ميشال عون من التوفيق بين تعهداته لـ”حزب الله” وتلك التي قطعها لكلّ من زعيم “تيّار المستقبل” ورئيس “حزب القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع الذي سبق الحريري إلى تبني ترشيحه لرئاسة الجمهورية.
ولاحظت أن التزام ميشال عون ببنود الاتفاق الذي توصل إليه مع “حزب الله” قبل عشر سنوات وبضعة أشهر يعني في طبيعة الحال عدم القدرة على تنفيذ حرف واحد من تعهداته الواضحة لـ”المستقبل” و”القوّات”.
وأوضحت أن التوفيق بين الأمرين أشبه بالتوفيق بين الماء والنار، خصوصا أنّ ميشال عون أبدى في الاتفاق الذي توصل إليه مع “حزب الله” استعداده لحماية سلاح الحزب بصفة كونه “مقاومة”، في حين التزم مع الحريري وجعجع بكلّ ما من شأنه إعادة بناء مؤسسات الدولة اللبنانية، بما في ذلك حصر السلاح في أيدي القوى الشرعية اللبنانية، فضلا عن نأي لبنان بنفسه حيال ما يدور في الداخل السوري.
وكشفت المصادر ذاتها أن الإدارة الأميركية، التي ليس لديها أي اهتمام يذكر بلبنان في الوقت الحاضر، باستثناء رفض سيطرة “حزب الله” على مؤسسات الدولة اللبنانية، وجهت تحذيرا إلى عدد من المسؤولين اللبنانيين.
وذكرت أن هذا التحذير يركز على أن أي تنازل يُقدّم لـ”حزب الله” في البيان الوزاري للحكومة الجديدة سيعني قطع المساعدات الأميركية والأوروبية المخصصة للبنان.
ويزيد حجم هذه المساعدات على مليار دولار في السنة يذهب معظمها لمساعدة لبنان في تحمّل عبء اللاجئين السوريين.
وقالت شخصية لبنانية من بين التي تلقت التحذير الأميركي إن واشنطن لا يمكن أن تقبل بحكومة لبنانية تضفي “شرعية” على سلاح “حزب الله” حتّى لو مارس الحزب ضغوط شديدة على رئيس مجلس الوزراء الذي سيكلّفه رئيس الجمهورية الجديد تشكيل الحكومة.
وأشارت إلى أن الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله باشر منذ الآن ممارسة ضغوط على سعد الحريري المتوقع تكليفه تشكيل الحكومة الجديدة. ومن بين هذه الضغوط اعتبار القبول به رئيسا لمجلس الوزراء “تضحية”.
وبدت تلك الكلمة رسالة في حد ذاتها إلى الحريري بأنّ عليه استيعاب أن هذه “التضحية” التي قام بها “حزب الله” تفرض عليه الردّ على التحية بما هو أجمل منها، أي بقبول تضمين البيان الوزاري لحكومته صيغة “الشعب والجيش والمقاومة” التي تعني أول ما تعني اعترافا بشرعية سلاح الحزب الذي يستخدم حاليا في القتال الدائر داخل سوريا.
وبدا أن رئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري قد وقع ضحية غياب بدائله حين راهن على أن “حزب الله” سيدعم ترؤسه للحكومة بمجرد دعم الجنرال ميشال عون رئيس التيار الوطني الحر لرئاسة الجمهورية.
وقالت أوساط مقربة من الحريري إنه بدأ يشعر أن “حزب الله” تنكر له وإن إصرار نبيه بري رئيس مجلس النواب على معارضة “صفقته” مع عون ربما تكون جزءا من لعبة أكبر تتيح لـ”حزب الله” تمرير خيار عون للرئاسة وتعطيل ترؤس زعيم تيار المستقبل للحكومة.
ونُقل عن بري الاثنين قوله إنه يعتقد أنه حتى إذا انتخب عون رئيسا للبلاد الأسبوع المقبل فإن تشكيل حكومة قد يستغرق ما بين خمسة وستة أشهر.
ويتعامل “حزب الله” مع ترشيح الحريري للجنرال عون على أنه أمر واقع، وليس جزءا من صفقة تقود زعيم “المستقبل” إلى الحكومة.
وعلى العكس يقول الحزب إنه نجح في فرض خياره على الجميع، وإن ما أقدم عليه الحريري ليس اختيارا ولا شجاعة بل مناورة لحفظ ماء الوجه قبل أن يصبح أمرا واقعا.
وتقول أوساط من تيار المستقبل إن الحريري لم ينجح في تحقيق ما أراده بتثبيت وضعه لبنانيا وتفادي خسارته داخل التيار الذي بدأت أعداد الغاضبين فيه في ارتفاع.
صحيفة العرب