كانت خطوة الرئيس سعد الحريري الداعمة لترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية سببًا في توتير الأجواء الطرابلسية خصوصا كون عون لم يوفّر بتصريحاته السابقة المدينة ووصفها بقندهار.
تغيّرت الأولويات بعد خطوة الحريري وأصبح اللواء أشرف ريفي في هذه اللحظة يطمح لقطع الطريق أمام عون إلى قصر بعبدا، وللرجل ألف سبب في ذلك مرتبطة بسلوك الجنرال تجاه فرع المعلومات وانتقاداته اللاذعة لقوى الأمن الداخلي والسنّة في لبنان.
ملامح المعارضة الجديدة:
لذلك فريفي لا يستسغ فكرة وصول عون للرئاسة ولن يتراجع في هذا الموضوع.
رجل آخر يشارك ريفي هواجسه وامتعاضه من الفكرة هو الرئيس نبيه بري الذي خاض في الأسبوعين الماضيين ثورة غضب على مخطّط إنتخاب عون.
الرجل هو الآخر لا تجمعه روابط ودّ ومحبة وتفهّم لعون وممارساته ولكل مشروعه ويدرك خطورة وصوله للرئاسة والتحكم بالمركز الأول في سلطة الجمهورية.
ويدرك بري أيضا أنّ هذه المرحلة بالذات بحاجة لتجاوز الاصطفافات السابقة واللعب على المكشوف والذهاب بعيدا بالتحالفات وكسر الخطوط الحمراء.
فما حصل مع بري في الملف الرئاسي جعله يدرك أنّ الأمور بدأت تتغير لجهة توازنات جديدة في البلد لا يكون فيها العراب والرقم الصعب.
لذلك اختار طريق المعارضة لممارسة السياسة في العهد الجديد وهنا أصبحنا أمام ثنائية سنية وشيعية معارضة للعهد الجديد مقابل ثنائية أخرى موالية وداعمة له متمثلة بتيار المستقبل وحزب الله.
بري وريفي حلف الضرورة:
هذه الثنائية المعارضة لم تظهر بشكل جلي وواضح حتى الآن لكن ضرورات اللعبة السياسية ستحتّم في حال فشل التسوية بين الرئيس بري والعماد عون إلى ظهورها من دون خجل .
فاللواء ريفي يعكس في وعي بعض شيعة لبنان، وبالأخص جمهور حزب الله، صورة الرجل الذي تآمر على المقاومة وموّل جبهات القتال في طرابلس ضد العلويين بحسب زعمهم، واستطاعت الميديا الإعلامية لحزب الله أن تزرع هذه الفكرة في وعي جمهورها وجمهور الشيعة بشكل عام لدرجة "الشيطنة " وتصوير ريفي على أنه العدو الأول.
وهذا الشق من الموضوع مهم لمعرفة صعوبة التقارب مع بري كون هذه الصورة موجودة مسبقا في وعي الشيعة.
لكن هذه الصورة عن ريفي كسرها جمهور حركة أمل لأول مرة بعد رفض اللواء ريفي تسليم هنيبعل القذافي للسلطات السورية ووصفوه ب " الأشرف ريفي".
أضِف أنّ جمهور أمل يرى أنّ حليفه حزب الله يذهب بتحالفاته بعيدا من أجل مصلحته السياسية حتى لو كانت مزعجة لذوق الرئيس بري، وإذا كانت المصلحة السياسية للحركة تقتضي أن تذهب بعيدا في هذا الخيار مع ريفي فستذهب، لمَ لا؟!
والاثنان تتقاطع مصلحتهما ورؤيتهما، فالمصلحة الآنية هي عدم وصول عون للرئاسة والرؤية تتمثل بتمسكهما بالدولة وأدبياتها وسرديات القانون والدستور وغيرها.
ولم تكن حركة ريفي من فراغ بدءا من الإنتخابات البلدية حتى الآن، بل بغطاء من قبل بعض دوائر الحكم في السعودية، لذلك فهو خيار غير مغضوب عليه عربيا ومقبول محليا.
والشارع السني اليوم غاضب على الحريري وما فعله، ومحتقن يبحث عن هوية قائد يعيد له عنفوانه والغضب السني وعصبه من طرابلس إلى أقضية المنية والبقاع مرتبط عضويا بزعامة ريفي كقائد يمثّل التغيير المنشود، ونفس هذا الشارع بارك جهود نبيه بري المعرقلة لوصول عون ورفع صوره في طريق الجديدة.
لذلك، الرئيس بري يستطيع اللعب في هذه المساحة من أجل الانفتاح على الخيار السني الآخر في البلد والتقارب معه لإيصال رسالة للحريري ألا مانع من الإنفتاح على خيارات سنية أخرى مختلفة هذه المرة لجهة القوة والنفوذ والتمثيل الشعبي قد تمثّل مستقبل السنة في البلاد.
فما فعله الحريري بتجاهله بري بهذه الطريقة أحرج بري كثيرا وأزعجه والخيارات مفتوحة، خصوصا أنّ رفض ريفي له امتدادات وصدى داخل التيار الأزرق يتمثل بالرئيس فؤاد السنيورة وهو صديق الرئيس بري.
إقرأ أيضا : هل يقبل الرئيس بري بالتسوية وينتخب عون؟
شروط الحلف متوفرة:
وحلف الضرورة هذا غير مستبعد في ظلّ توافر شروطه من الرضى الشعبي إلى الغطاء الإقليمي والضعف السياسي للحريري ووحدة الهدف بإفشال عهد وحكم عون والرؤية للبنان.
كل الأمور متوقفة على ما سيحصل في جلسة 31 تشرين الأول، لأن المعارضة التي سيتزعمها الرئيس بري بعد هذا التاريخ، في حال تم إنتخاب عون من دون تسوية، ستكون معارضة وطنية وسيكون الصوت السني رافعتها الأساسية.
كيف سيتعامل حزب الله مع حركة بري الجديدة في حال حصلت؟
أعتقد أنهم سيتفهمون على مضض وكره خيار الرئيس بري كما تفهمهم هو عندما اختاروا ميشال عون رئيسا للعهد ولا خيار لديهم غير التفهم على مبدأ المعاملة بالمثل!
لكن الأهم يبقى موقف الحريري من كل ذلك وسيكون بموقف لا يحسد عليه.
هذه هي المعارضة التي هدد بها الرئيس بري.
فهل يفعلها ويعلن تحالفا مع أشرف ريفي؟
بقلم رئيس التحرير