عندما يتحدث كبار كرة القدم فلا تعليق، تعود المنافسة ويستعيد هؤلاء أدوارهم، فيسلك الدوري طريقه المعتاد.
يحاول المغمورون أن يقلبوا الطاولة، لكن سرعان ما تنقلب عليهم، اذ ان هذا الأمر قد يبدو طبيعياً في ظل التنوع الكروي الذي يمكن أن تحفل به ملاعب متعددة بأنديتها المغمورة، عندما تستغل انهماك الكبار بترتيب أوضاعهم لتطلّ برأسها وتحاول أن تشكل مفاجأة مدوّية أو أنه تغيير ديمغرافي لسير المباريات في الوقت الذي يكون فيه هؤلاء يتحضّرون لمواقع أكثر شراسة وحماوة.
لا يعرف البعض كيف يسيطر على نفسه وهو يتطلّع إلى «القمة»، لأن صدارة الدوري تعوزها الخبرة، على اعتبار أن كرة القدم تعجز أحياناً عن كبح جماح الصغار، الذين يحاولون في كل موقعة اللحاق بالصدارة، وكأنهم حسموا الأمور وهي في مهدها لكن «على مَن يقرأون مزاميرهم»، فالصدارة تبقى لأصحابها.
حسناً فَعَل «السلام» زغرتا عندما قاده هذا الجموح ليفجر المفاجأة تلو الأخرى، لكن خانته العزيمة بفعل هذا التباهي والاندفاع المميت حتى جاءت السقطة الأولى خارج قواعده، إذ كان عليه أن يحسب لهذا الأمر الف حساب، ويعمل على تداركه بدلاً من اعتقاده أنه وصل «القمة» و»تعمشق» بها وظنّ أن بإمكانه أن يطير فوقها، لكنه هوى فجأة من غير حساب وأمام «طرابلس» الذي يقبع في القاع.
تفوّق «القاع» على «القمة» عنوان قد يصلح للقاء الفريقين ففاز «طرابلس» صاحب المركز الأخير على «السلام» المتصدر.. وهو ما أفسح المجال امام «العهد» كي يستعيد موقعه المثالي الذي يحبه ويعشقه، بشرط ان يدرك وهو في قمته ان لا شيء في كرة القدم يبقى على حاله باستثناء ذلك القدر من العطاء والإبداع.
اعتلى «العهد» الصدارة بفارق الأهداف بعد فوز مستحق على «الراسينغ»، لكن ذلك لا يُعفيه من أغلاط متعددة يجب أن تعالج، خصوصاً أنه ما زال يستهين بخصومه أحياناً ويعرّض نفسه لكمٍّ من الأخطاء قد يدفع ثمنها إذا استمر بها، ما يعني أنه بحاجة لضبط الإيقاع أحياناً والجدية أحياناً أخرى، وعلى سبيل المثال فإن تقدّمه بهدفين لم يُسعفه بالمحافظة عليه بسبب تلك الأمور «الفاقعة» في الأداء اذ مُني مرماه بهدف، وكاد أن يُلحق «الراسينغ» به لولا التسرع بالتسديد على مرمى حسن بيطار، ما لبث ان استعاد توازنه وجديته اللذين منحاه الفوز (3ـ1)، ومن ثم الصدارة.
وتتشابه الأمور في «اللقاء» الخاص الذي يقال فيه كلام منمق لمباراة أنيقة المظهر، قد تعتبر الأجمل منذ موسمين بين فريقين جارين كانا يلهثان وراء النقاط.
وها هو «الأنصار» يعود من بعيد وهو يلعب بمقومات فريق أوروبي يدرك أنه فريق بطولة، ذلك ان هذا المظهر المتمدن انتشله من مكان ليضعه في مكان آخر، خصوصاً انه يواجه البطل وحامل اللقب «الصفاء».
وإذا تحدثت عن الأداء والإيقاع بين طرفين يجيدان التكتيك والمرواغة، فإنك لن تنسى ذلك المشهد الذي تماديا فيه الى حد الروعة، وكيف يمكن لـ «الأخضر» ان يتحول من فريق مدافع الى مهاجم في آن معاً، ثم يتقدم على خصمه (4ـ1)، ويفقد تركيزه ويذهب بتقدّمه الى حد الانتشاء الى أن وقعت الواقعة التي حاول فيها «الصفاء» أن يلحق بخصمه في غضون دقائق إذ ضيق الفارق (3ـ4)، وكاد أن يفسد فرحة الأنصاريين لو أن الوقت أسعفه في الدقائق القاتلة.
يبقى «النبي شيت» الذي بات رقماً صعباً في المعادلات المحلية، على سجيته المتواضعة التي أحسن من خلالها أن يستمر بين الكبار إذ رفع رصيده الى 9 نقاط، وأكد أنه سيكون منافساً ويطمح الى الكثير بعروضه الراقية التي سيزعج بها كل الأقوياء، وما تغلبه على «الساحل» (1ـ صفر) سوى تكملة لطموحه الذي يؤهله أن يكون من المنافسين.