دخلَ لبنان أسبوع «الحسم الأخير»، قبلَ الاستحقاق الرئاسي المحدّد في 31 الجاري، بحيث ستكون خطوات ومواقف كلّ المكوّنات السياسية مدروسة ومحسوبة. وهذا ما كانت عليه أمس كلمة الأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله التي بدت وكأنّها مباركة لرئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون لاجتياز الأمتار الأخيرة إلى قصر بعبدا. إلّا أنّ الأنظار ستبقى شاخصةً إلى رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط الذي مِن المتوقع أن يُعلن موقفَه الأخير خلال هذا الأسبوع. ومهما يكن الأمر، لا شيء سيؤخّر انعقاد جلسة 31 الجاري إلّا حدثٌ استثنائيّ، فيما كلّ الأجواء توحي بأنّ عون بات يَحظى بأكثرية الأصوات في البرلمان، مع استمرار رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية في ترشيحه، والذي سيطلّ اليوم في مقابلة تلفزيونية يعلن فيها موقفَه من الاستحقاق الرئاسي.
مع انطلاق أسبوع حبس الأنفاس، ترَكت كلمة نصرالله آثاراً ملحوظة لدى الأفرقاء السياسيين في لحظة دقيقة بلغَ فيها السباق الرئاسي الشوط الأخير. ولا شكّ في أنّ المعنيين وصَلت إليهم أربعة إشارات من هذه الكلمة:

أوّلاً، لا تأجيلَ لجلسة انتخاب الرئيس حاملة الرقم 46 التي ستحصل في 31 الجاري، وتأكيد انتخاب عون، على رغم معارضة حليفِه رئيس
مجلس النواب نبيه بري «الذي يتفهّم موقفَنا ونتفهّم موقفه».

ثانياً، «حزب الله» لن يعرقلَ تسوية تأتي برئيس تيار «المستقبل» النائب سعد الحريري رئيساً للحكومة، مؤكّداً «أنّ القبول بالحريري رئيساً للحكومة تضحية كبيرة».

ثالثاً، عدم المراهنة على خلافات بين حزب الله وحركة «أمل»، لأنّ «العلاقة أقوى من المحاولات التي يلجأ إليها البعض لزرع الفتن، وأصلب مِن أن تنال منها كلّ الفبركات».

رابعاً، نصائح لقاعدة «التيار الوطني الحر» بعدم السماح لأحد الاصطياد في المياه العكرة و»أن لا تسمحوا لأحد أن يسيء العلاقة بيننا وبينكم ويشوّهها».

أبي رميا

أولى الانطباعات كانت من «التيار الوطني الحر» الذي تلقّفَ كلمة نصرالله بإيجابية، معتبراً أنّها تدحَض كلّ ما سيقَ خلال الأسبوعين المنصرمين من ادّعاءات حول موقف «حزب الله» من انتخاب عون أو رغبة «الحزب» بإرجاء الجلسة، إضافةً إلى الحديث عن تبادل أدوار بين «الحزب» وبري.

وقال عضو تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب سيمون أبي رميا لـ«الجمهورية»: إنّنا في حكمِ العلاقة مع «حزب الله» منذ 11 عاماً أصبَحنا نعرفهم ونعرف أنّهم صادقون. عندما يَعِدون لا بدّ أن يحقّقوا وعودهم.

كلام السيّد أبطلَ كلَّ التشويش الإعلامي». ولفتَ أبي رميا إلى «أنّ «التيار» سيعمل خلال أسبوع لتذليل كلّ العقبات من خلال التشاور مع الكتل الرافضة لانتخاب عون، وهي كتلة «التنمية والتحرير» و«تيار «المردة» و«اللقاء الديموقراطي» و«الكتائب». ولعلّ اللقاء الذي صار مؤكّداً على أجندة التيار سيكون مع رئيس «اللقاء الديموقراطي» وليد جنبلاط».

كرم

أمّا عضو كتلة «القوات اللبنانية» النائب فادي كرم فأوضَح لـ«الجمهورية»: «ثمّة أمور عدة تحتمل التعليق في كلمة نصرالله، لكن لنكُن إيجابيين، لا نريد أن نشوّش على الاستحقاق الرئاسي».

وتوقّعَ «أن لا يكون هناك عائق للوصول إلى جلسة انتخاب الرئيس ما دام السيّد نصرالله صادقاً في التزامه مع الجنرال عون، ويريد تهدئة الوضع اللبناني كما يقول». ولم يستبعد كرم «أن تنضمّ الكتل المعارضة لعون إلى التوافق الكبير على شخصه، خصوصاً أنّ المعترضين هم حلفاء عون أصلاً».

من جهته تيار «المستقبل»، رأت مصادرُه «أنّ كلمة السيّد نصرالله موجّهة إلى قواعد «التيار الوطني الحر» التي بدأت في الأشهر الماضية تطرَح سلسلة تساؤلات حول مدى التزام «الحزب» بانتخاب عون. أمّا ما بقيَ غامضاً في الكلمة فهو كيفية معالجة «الحزب» لعقدة بري».

وقالت مصادر سياسية ونيابية لـ«الجمهورية» إنّ المساعي التي بُذلت لتأجيل جلسة انتخاب الرئيس قد طويَت نهائياً قبل أن يسافر بري إلى جنيف، وليس هناك ما يَستدعي التأجيل ما لم يطرأ ما لا يتحمّله البلد الذي يستعدّ لجلسة تنعقد في أجواء من الاستقرار والهدوء لإنهاء حالِ الشغور الرئاسي اليوم قبل الغد.

وأضافت هذه المصادر أنّ بري رفضَ البحث في اقتراح تلقّاه من أحد الأطراف، فردَّ عليه بفشل المسعى، بعدما أكّد علناً وبكلّ الوسائل مشاركةَ نوّاب كتلة «التنمية والتحرير» في الجلسة، على رغم رفضهم التصويتَ لعون، والملاحظات الكبيرة على أداء الحريري والتي ولّدت نوعاً من القطيعة معه، وتعزّزت بعدما أوفَد إليه الوزير علي حسن خليل قبل يومين من ترشيح عون لثنيِه عن الخطوة قبل التفاهم على بعض المسائل الضرورية والملحّة، ولمّا فعلها الحريري لم يعُد هناك أيّ مبرّر لتأجيل الجلسة.

على أنّ مصادر بري تتوقع أن تشهد الجلسة معركةً حقيقية من خلال التنافس بين عون وفرنجية. وقالت إنّ جنبلاط أقدمَ على الخطوة عينها، وتولّى الوزير وائل أبو فاعور الإبلاغ إلى «حزب الله» مشاركة نوّاب «اللقاء الديموقراطي» في الجلسة ولو أنّهم لم يحسموا أمرَهم بعد في انتخاب عون أو فرنجية أو الاستمرار في ترشيح النائب هنري حلو تعبيراً عن رفضِهم الترشيحين الآخرين معاً، وهو ما يُعدّ مخرجاً لا يمتلكه سوى «اللقاء الديموقراطي» إذا لم ترمَّم العلاقة بين حليفَيه بري والحريري.

تريّث جنبلاط

وتأكيداً لِما نشرته «الجمهورية» السبت الماضي، لم يرَ جنبلاط سبباً للاستعجال في إعلان موقف كتلة «اللقاء الديمقراطي» من الانتخابات الرئاسية لأسباب عدة.

وقالت مصادر «الحزب التقدمي الاشتراكي» لـ«الجمهورية» إنّ جنبلاط «يتردّد في حسمِ موقف الكتلة «حفاظاً على وحدتها قبل أيّ سبب آخر، وبالتالي في انتظار مزيد من التنسيق مع الرئيس بري أوّلاً، والرئيس الحريري تالياً، وهو يراقب أداءَهما قبل الكشف عن الموقف النهائي».

وأكّدت «أنّ جنبلاط ينتظر أن يزورَه عون أو وفدٌ مِن «التيار الوطني الحر» هذا الأسبوع ليبنيَ على الشيء مقتضاه».

وإلى ذلك، يراقب جنبلاط حجمَ التفكّك في بعض الكتل النيابية، ولا سيّما منها كتلة «المستقبل»، فضلاً عن مواقف السيّد نصرالله التي جاءت أمس الأحد كما تَوقّعها جنبلاط قبل 24 ساعة.

وهو ما كشَفه قياديّ في الحزب التقدمي لـ«الجمهورية»، متوقّفاً أمام هدوء نصرالله وإصراره على المعالجة في جو هادئ بلا أيّ ضجيج بين مجموعة من الحلفاء في مروحة واسعة تمتدّ مِن الضاحية إلى عين التينة وصولاً إلى الرابية وبنشعي، من دون إعطاء أيّ دور أو أهمّية لمواقف معراب و»بيت الوسط» وتداعياتها.

بانتظار عودة الحريري

وبانتظار عودة الحريري من الرياض التي توجَّه إليها السبت الماضي ستتّضح أمور كثيرة، سواء بقيَ في الرياض أو توجَّه إلى القاهرة التي قيلَ إنّه توجّه إليها من دون إعلان.

وقالت مصادر بيت الوسط لـ«الجمهورية» إنّ الحريري زار الرياض من دون الإشارة إلى أيّ موعد مقرّر له مع أيّ من أركان القيادة السعودية، رافضةً الحديثَ عن رواية قالت إنّه استدعيَ إلى العاصمة السعودية للتشاور في التطوّرات، وأكّدت «أنّه لو وجِدت مثلُ هذه الخطوة السعودية بهدف التشاور لن يكون منزعجاً أبداً، فلديه ما يكفي من المعطيات للدفاع وتوضيح خطوته الأخيرة بترشيح عون».

وإلى هذه المعطيات، قالت المصادر إنّ الحريري وفورَعودته المتوقعة في أيّ وقت، سيتفرّغ لمناقشة نوابه المعترضين في خيار عون فرداً فرداً، سعياً وراء استعادة وحدتِهم، فهو لم ولن يقبلَ أن تكون التزاماته مع عون أو مع أيّ طرف آخر عرضةً لأيّ انتقاد أو مراجعة، حسب أوساطه.

بري

في غضون ذلك أكّد بري خلال ترؤسِه أمس في جنيف الاجتماع التشاوري لاتّحاد برلمانات دول منظمة التعاون الإسلامي، في دردشة مع الوفد الإعلامي المرافق: «عندما تركتُ بيروت قاصداً جنيف لم يطرأ أيّ جديد على الوضع. هنا أودّ أن أذكّر الجميع ونقارن بين ما طرحته في ما سمّيَ السلة وبين ما نَسمعه ونعرفه عن اتّفاق قد حصل.

وقد دعوتُ إلى الاتّفاق على تشكّل الحكومة وعلى قانون جديد للانتخاب وأن يبدأ التنفيذ بانتخاب رئيس الجمهورية. وها نحن اليوم وفقَ الاتفاق الذي عَقدوه نجد أنّ هناك اتفاقاً على اسمِ رئيس الحكومة، هل أحد ينكر ذلك؟

لا بل إنّ هناك اتفاقاً، كما نَسمع، على تشكيل الحكومة من 24 وزيراً وعلى توزيع بعض الحقائب، بل يقال أيضاً الآن إنّ هناك اتفاقاً غيرَ معلن بالإبقاء على قانون الستين، وبلا قانون جديد. بينما كنت أشدّد في طرحي على الاتفاق على القانون الجديد وعلى تشكيل الحكومة وأن لا نقدمَ على شيء قبل انتخاب رئيس الجمهورية».

وردّاً على سؤال، قال: «ليكُن معلوماً، لقد أكّدتُ وأؤكّد أنّني لن أقاطعَ جلسة انتخاب الرئيس، ولم أقاطعها سابقاً. وقد قلت للعماد عون إنّ تعطيل النصاب في جيبتي الكبيرة لكنّني لستُ أنا من يلجأ إلى تعطيل النصاب. لم أفعلها مرّةً ولن أفعلها».

كاغ

وفي سياق متّصل أكّدت المنسّقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ أن «لا فيتو رئاسياً لإيران أو السعودية على أيّ مرشّح لرئاسة الجمهورية في لبنان»، مشيرةً إلى أنّ موقف مجلس الأمن الدولي وكذلك الدول التي زارتها واحدٌ، وهو «أنّ على اللبنانيين اتّخاذ القرار، ولكنّ التحالفات والتفاهمات بين القادة في لبنان وبعض الدول الخارجية تشجّع ربّما على تسريع الخطوات».

واعتبرَت أنه «في خضمّ الأزمات والتغيّرات السياسية في المنطقة والعالم فإنّ لبنان لم يعُد يشكّل أولوية، وبالتالي على القيادات أن تعمل على وضعِه مرّةً جديدة على الخريطة بما خصَّ حاجاته».