ميشال عون على قاب قوسين من قصر بعبدا. يدخله هذه المرة ملكا متوجّا على كل لبنان، بعد 26 عاما من دخوله الى القصر الرئاسي، لعامين لا غير، رئيسا لحكومة عسكرية، رئيسا على نصف لبنان، بفعل الانقسام الحاد الذي كان يعصف في أواخر الحرب الاهلية.
 
يحلو لبعض المراقبين أن يسقطوا عليه تجربة نيلسون مانديلا مع فارق النفي العشريني بدل السجن الثلاثيني. «الإثنان، يقول المراقبون، سارا في مسار سياسي - نضالي طويل، من الشقاء الى الرئاسة».
 
مَن يعرف ميشال عون يدرك جيدا ان الرجل على المستوى الشخصي - الانساني لم يتغيّر قيد أنملة. طباعه طباع الأرض التي يعشق والتي يحاكي ترابها كل يوم في حديقته الصغيرة التي ملأها خُضراً لحاجات مطبخ السيدة ناديا.
 
أما مسيرته السياسية فحبلى بالتطورات والمغامرات، منذ أن كان، باسمه المستعار «رعد»، مستشارا لبشير الجميل جنبا الى جنب مع سمير جعجع.
 
عن هذه الحقبة، ينقل الزميل ايلي الحاج عن انطوان نجم، مستشار الجميل سابقا، ان «بشير أنشأ هيئة للتخطيط المستقبلي برئاسة نجم وعضوية أحد أنصاره الضابط في الجيش اللبناني ميشال عون، وقائد «جبهة الشمال» في تنظيمه العسكري ذلك الوقت سمير جعجع. 
 
اجتمع الثلاثة ثلاث مرات ولم يخرجوا بأي نتيجة لأن عون وجعجع كانا يختلفان على كل نقطة وكان بينهما نفور. في النهاية قرر بشير توسيع الهيئة فباتت تضم 12 مشاركاً من أبرز مستشاريه ومساعديه وأحياناً أكثر حسب مواضيع البحث».
 
في ذلك الحين، وضع «رعد» مع نجم في أيلول 1982، وفق ما يرد في كتاب ألان مينارغ «أسرار حرب لبنان»، دراسة حملت خريطة طريق لوصول بشير إلى السلطة.
 
عامان بعد اغتيال بشير، انتقل عون الى قيادة الجيش في أوائل عهد أمين الجميل خلفا للعماد ابراهيم طنوس، فالقصر الجمهوري في نهاية العهد رئيسا للحكومة، ثم منفيا في فرنسا حتى أيار 2005، حين عاد ليرأس أكبر كتلة نيابية مسيحية في لبنان وفي المشرق جعلت البطريرك الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير يعلن عبارته الشهيرة «بات للمسيحيين زعيمهم». 
 
أتاح له ذلك العام ما سمّاه وليد جنبلاط التسونامي النيابي، دخول كل حكومات عهد ميشال سليمان، للمرة الأولى منذ 1990 وللمرة الأولى في الجمهورية الثانية – جمهورية الطائف.
 
بعد إثني عشر عاما أمضى معظمها معارضا ومشاكسا، وبعد ستة وعشرين عاما على خروجه من القصر الرئاسي في بعبدا، يعود العماد عون اليه من بوابة بيت الوسط، على وقع خطاب الواقعية السياسية بامتياز، اعتمده سعد الحريري، شريكه الجديد في التفاهم والحكم.
 
مشى عون والحريري بعد ظهر الخميس ابرز وربما أهم خطواتهما السياسية، الأول نحو القصر ليتوّج هناك حياته السياسية، والثاني نحو العودة المباشرة الى الحكم، وهو الذي أمضى أقل من عامين رئيسا للحكومة في مسيرته السياسية التي ناهزت الثلاثة عشر عاما، إثر اغتيال والده الرئيس رفيق الحريري.
 
يُثار الكثير عمّا ستكون عليه طبيعة العلاقة بين الشريكين الجديدين. فهما من جيلين مختلفين كل الإختلاف. وقفا طوال الإثني عشر عاما الفائتة على ضفاف متباعدة، رغم أكثر من 5 حوارات مباشرة بينهما، تعثّرت كلها بفعل عوامل يدرك العارفون انها خارج إرادة كل منهما، وهما اللذان خاضا حواراتهما على قاعدة أن لا بد من الإلتقاء والتفاهم. لكنهما لم يردا يوما إستعادة ثنائية مذهبية، أو مارونية سياسية، بل حاولا التأسيس على ثنائية الإستقلال التي أسست لنحو 30 عاما من الدولة المزدهرة، ثنائية بشارة الخوري ورياض الصلح، ليساهما معا في التأكيد مجددا على فلسفة الميثاق الوطني وفتح آفاق جديدة في اتجاه تدعيمه، ولينطلقا معا في إعادة ترميم الهيكل المتصدّع، المهمّة الأكثر إلحاحاً.. وشقاءً!
 
يقول ميشال شيحا، أب الميثاقية وفيلسوفها، أنّ فلسفة الطائفية في لبنان هي «ضمان تمثيل سياسي وإجتماعي عادل لأقليات طائفية مشاركة. والتوازن اللبناني القائم على قاعدة طائفية ليس توازناً اعتباطياً فهو مبدأ وجود لبنان».
 
تصلح هذه العبارة لأن تكون جوهر خطاب القسم الرئاسي وبيان ثقة أولى حكومات العهد العتيد!