لا يصدق الشارع اللبناني صدمة كبيرة تلقاها عندما أعلن زعيم تيار المستقبل سعد الحريري دعمه لترشيح الجنرال ميشال عون رئيسا للجمهورية، وحصوله من ثم على عدد الأصوات اللازمة لدخول قصر بعبدا، ضمن سيناريو كان حتى الخميس الأبعد عن التحقق.

واعتاد اللبنانيون على انقلابات سياسية متجددة غيرت من اصطفافات طبقتهم السياسية، لكن مراقبين يقولون إنه من غير المنطقي السماح بانتخاب رئيس للبنان في وقت يحتد فيه الصراع السوري الذي دخل عامه السادس، وراح ضحيته قرابة نصف مليون قتيل.

ومن غير الواضح ما إذا كانت صفقة الحريري-عون نتيجة لتسويات دولية مع قرب الانتخابات الرئاسية الأميركية.

ويقول محللون لبنانيون إن إعلان الحريري قبوله بترشيح عون لم ينه الأزمة، لكنه أجل حلها.

وأكدوا أن الفراغ الرئاسي كان يخفي أزمة عضوية في النظام السياسي اللبناني، وأن حله بهذا الأسلوب وفي هذا التوقيت قد يكشف أمراض النظام السياسي التي قد تعيق الحكم في لبنان.

وظهرت بوادر الأزمة مبكرا عبر إعلان نبيه بري، رئيس مجلس النواب وزعيم حركة أمل، الانتقال إلى صفوف المعارضة والنأي بنفسه وتياره عن المشاركة في حكومة ما بعد انتخاب عون رئيسا في موقف مفاجئ حتى لحلفائه في حزب الله.

وقالت مصادر إن بري أبلغ عون الجمعة، أنه سيحضر جلسة انتخابه رئيسا وسيصوّت ضده.

وأضافت أن تيار بري لن يرشح الحريري لتولي منصب رئاسة الوزراء، وهو ما سيحول بري إلى خصم جدي لـ"الحريرية السياسية".

ويقول مراقبون إن تحول بري إلى خصم للحريرية سابقة لم تحصل منذ بداية ظهور رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري على المسرح السياسي اللبناني في بداية تسعينات القرن الماضي.

ويتفهم تيار بري السعي المشترك بين التيار الوطني الحر بزعامة عون وحزب الله للوصول إلى قصر بعبدا، لكنه مازال معترضا على عقد الحريري لاتفاق منفرد مع عون من دون أي تنسيق مسبق مع حركة أمل.

ويتساءل مراقبون لبنانيون كيف سيكون شكل عهد رئاسة عون من دون بري، الذي يعتبر نفسه أحد الأعمدة الأساسية لاتفاق «الطائف».

ويتوقع الكثيرون ألا يتخلى حزب الله عن الاتفاق بين ميشال عون وسعد الحريري في حالة رفض بري المشاركة أو دعم حكومة الحريري المنتظرة.

وقالت مصادر قريبة من حزب الله إن الحزب التزم منذ اللحظات الأولى بأن يحافظ على وفائه لعون الذي منح الحزب، في أصعب الأزمات، غطاء مسيحيا رغم الضغوط المحلية والدولية.

وأضافت أن مهمّة حزب الله «تقف عند باب قصر بعبدا»، لكنه لا ينوي المخاطرة بتحالفه الوجودي مع بري.

ويشكل التحالف بين حزب الله وحركة أمل الداعم الرئيسي لـ»الشيعية السياسية» التي يراها الطرفان ضرورية أكثر من أي وقت مضى في ظل الظروف الإقليمية الصعبة المحيطة بلبنان.

ويشعر حزب الله بأن «الفيتو» الذي تبناه إلى اليوم، إلى جانب الأزمة المالية التي تمر بها شركة «سعودي أوجيه» التي تملكها عائلة الحريري، كانا السبب الذي أجبر الحريري على القبول بخيار عون.

ولن تخرج صفقة الحريري-عون من أزمتها إلا إذا تدخل حزب الله جديا لإيجاد تسوية بين زعيمي حركة أمل والتيار الوطني الحرّ.

ويقول مراقبون إن تسوية الخلافات بين الجانبين تتطلب تدخل الحريري أيضا.

وإذا ما حدث ذلك فإنه سيعني بالضرورة إعادة العمل بما اعتبره تحالف 14 آذار مؤتمرا تأسيسيا مقنّعا يتجاوز قواعد «الطائف» ويقوّض ديمومته، ويدعم مقاربة حسن نصرالله لإعادة رسم الساحة السياسية اللبنانية خارج توافقات «الطائف».

صحيفة العرب