اذا كانت "الالتفاتة" النادرة لوزير الخارجية الاميركي جون كيري الى الواقع اللبناني عموما والتطور المتصل بالاستحقاق الرئاسي فيه خصوصاً شكلت علامة فارقة في توقيتها ومضمونها أمس، فان هذا التطور الديبلوماسي دلل بوضوح على ان العد التنازلي ليوم 31 تشرين الاول اتخذ منحى بالغ الجدية ليس داخليا فحسب بل في بعض الخارج الدولي الذي ربما كان "فوجئ " بسرعة التطورات اللبنانية. وليس خافيا ان مسار التطور الرئاسي دخل الحقبة المقررة لوجهة لبنان السياسي برمته في المرحلة المقبلة وباتت القوى السياسية على اختلافها سواء أكانت تماشي خيار انتخاب العماد ميشال عون أم تناهضه تتعامل مع الايام العشرة التي تفصل عن جلسة 31 تشرين الاول على انها ستكون "صانعة الحدث" قبيل الجلسة الحاسمة.
والحال ان التصريح الذي ادلى به الوزير كيري حول الاستحقاق الرئاسي بدا "حمّال أوجه" مع أرجحية لافتة للتشكيك في نتائج مبادرة الرئيس سعد الحريري الى دعم ترشيح العماد ميشال عون الامر الذي فسره بعض المطلعين بانه رسم لظلال التحفظات الاميركية عن انتخاب عون المرتبط بحلف وثيق مع "حزب الله" والتنبيه المبكر الى محاذير سبق للاميركيين ان أبدوها في فترات سابقة حيال هذا الخيار. ولم يخف هؤلاء ان موقف كيري وان كان لا يرقى الى مستوى موقف تصعيدي فانه قد يترك انعكاسات داخلية لجهة تحفيز الجهات الرافضة لخيار عون على تزخيم التحرك الكثيف الجاري من أجل مواجهة انتخابه، خصوصا ان اتخاذ كيري هذا الموقف يرسم شكوكاً موازية حول وجود ضغوط اقليمية وخلفيات قسرية لعبت دورا في دفع الحريري الى هذا الخيار.
وكان الموقف الحذر لكيري كما اوردته "وكالة الصحافة الفرنسية" جاء في معرض اجابته عن سؤال في وزارة الخارجية الاميركية لدى استقباله نظيره الكويتي الشيخ صباح الخالد الصباح اذ قال: "نحن نأمل بالتأكيد ان (يحصل) تطور في لبنان لكنني لست واثقا من نتيجة دعم سعد الحريري (...) لا أدري". وأضاف االوزير الذي نادراً ما يعلق على الشأن اللبناني، بحذر: "نحن نأمل ان يتم تجاوز هذا المأزق الذي يؤثر على لبنان والمنطقة".
اما على الصعيد الداخلي، فان التطور الذي تمثل باندفاع رئيس حزب "القوات اللبنانية " سمير جعجع نحو الجزم بان العماد عون سيكون رئيسا للجمهورية في 31 تشرين الاول كما سيكون الرئيس الحريري رئيس حكومة العهد لم يحجب التعقيدات المتنامية على مقلب المعارضة لخيار عون والتي تتوزع على الاعتراض السني الواسع من جهة والعقدة الشيعية من جهة مقابلة. وتتبدى هذه التعقيدات في سفر رئيس مجلس النواب نبيه بري اليوم الى جنيف والازمة بينه وبين كل من العماد عون والرئيس الحريري "على زغل " بما يعزز الاحتمال الذي كثر الحديث عنه في الساعات الاخيرة حول امكان ان يسقط بري ونواب كتلته الاصوات السلبية ضد عون سواء لمصلحة النائب سليمان فرنجية أو أوراقاً بيضاء ومن ثم تنشأ العقبة الكبرى في تسمية رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة لاحقاً. وتفيد معلومات انه على رغم المودٰة التي حاول رئيس المجلس إظهارها للعماد عون في لقائهما أول من أمس أمام عدسات المصوٰرين، الا انه أكد له ما ان بدأت خلوتهما:"أنا ضدك وسأذهب للتصويت ضدك. وانت تعرف ان مسألة النصاب هي في جيبي، ولكنني لا ألعب هذه اللعبة وسأنزل الى المجلس وسأصوٰت ضدك".
فأجاب العماد عون: "ما هو الحلّ؟ ما العمل الان"؟
قال الرئيس بري:" كنا في طاولة الحوار وكان بندها الاول رئيس الجمهورية، وعندما طرأ عامل إيجابي بتأييد الرئيس الحريري لك، كان بالإمكان أن تأتي بإجماع وطني من هيئة الحوار التي تتمثّل فيها كل الكتل النيابية. الا أن صهرك الوزير جبران باسيل الذي يريد تطيير الحكومة احتجاجاً على موضوع التعيينات الامنية جاء الى عين التينة وطيّر الحوار، وعاد بعد ذلك الى الحكومة".
وقالت مصادر مطلعة إن اللقاء انتهى بنحو نصف ساعة، وكانت خلاصته بأن بري لن يطير النصاب لا بل سيؤمٌنه في جلسة الانتخاب في ٣١ تشرين الأول، "اما في الباقي فللبحث صلة".
أما "حزب الله " فتؤكد المعلومات انه حسم أمره الى جانب العماد عون بالانتخاب، حتى من دون الرئيس بري، الا انه لن يكون في السلطة من دون بري وهذه الشركة محسومة لاعتبارات كثيرة، لا تقتصر على وحدة الطائفة بقدر ما تقوم على اقتناع راسخ بأن لا مصلحة للبلد الا بذلك. ويقول المطلعون على خلفية موقف "حزب الله" إنه يرى من الواجب والضروري العمل على ان تكون هناك تفاهمات شاملة لا تقصي أحداً. لذلك سيتعامل مع التصعيد الذي أظهره الرئيس بري على انه رفع للسقف وليس قطعاً للطريق على انتخاب عون.
جعجع
في المقابل، استرعى الانتباه جعجع في زيارتيه للرابية و"بيت الوسط" أمس على التأكيد انه " سيكون لنا رئيس صنع في لبنان فعلاً". واذ وصف انتخاب عون بانه سيكون "الخطوة الاولى على طريق تطبيق فعلي لاتفاق الطائف"، أمل "ان نصل الى الاجماع حول الجنرال عون قبل 31 تشرين الاول"، كما اعتبر "ان 14 آذار باقية ولا أدري ان كان هناك 8 آذار بعد".
ووصف لقاءا جعجع مع عون والحريري بانهما كانا ايجابيين لجهة تقويم المرحلة المتبقية لجلسة الانتخاب. وفي لقاء الرابية شدد عون وجعجع على ضرورة تكليف الرئيس الحريري وتشكيل الحكومة "في فترة قصيرة لانطلاقة قوية للعهد "، مع التشديد على "ضرورة استكمال المسار التوافقي الجامع من دون استثناء ".كما كان "تقدير لخطوة الرئيس الحريري وأكد عون دور "حزب الله" الإيجابي والداعم للمسار".