ناقش الصحافي الشهير روبرت فيسك في مقالٍ مطوّل نشرته صحيفة "إندبندنت" البريطانيّة أسباب نأي لبنان – البلد الطائفي- بنفسه عن الحروب المستعرة في الشرق الأوسط، والتي آلت إلى نجاته في نهاية المطاف بالرغم من التفجيرات المتقطّعة التي أصابته، وتحدّث عن الشأن الرئاسي، كما أشاد بالمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم.


ولفت فيسك إلى أنّ الجيش بقي القوة "اللا طائفية" الوحيدة في لبنان، بعد إنتهاء الحرب وإعمار لبنان، كما أنّها المؤسسة الوحيدة العاملة والفاعلة بظلّ غياب رئيس. وقال: "ربما لأنني أعيش في لبنان، فقد قدمت مؤخرًا من حلب ودمشق إلى بيروت، حيثُ تبدو الحياة طبيعية، بينما الشرق الأوسط يشتعل حوله: سوريا، الضفة الغربية، العراق، اليمن، ليبيا، مصر وكردستان".

جنّة منعزلة

وأضاف: "يُمكن أن نكون قد نسينا أنّ هذه الجنّة لا تزال موجودة في العالم العربي. صحيح أنّ لبنان بلا رئيس ولا حكومة فاعلة وانقطاع تيار كهربائي مستمر (3 مرات في النهار، أحيانًا 6 ساعات متواصلة)، لكنّ هناك إيجابية، فيمكنني أن أقرأ برومانسية على ضوء الشموع ولو أنّ الأمر يصبح مملاً فيما بعد".

وتابع: "لم تندلع أي حرب جديدة في لبنان، بالرغم من الأثر السلبي للحرب السورية عليه، وما تبعه من تعرّض مساجد للتفجير، إستهداف السفارة الإيرانية في بيروت، دخول "داعش" على عرسال وخطف جنود، تدخّل حزب الله والخسائر البشريّة التي تكبّدها في سوريا".

شعب لبنان موهوب ومتعلّم

وقال فيسك: "لدي بعض النظريات عن نجاة لبنان، فهو يضمّ أكثر شعب متعلّم في العالم العربي، والذي يتمتّع بمواهب عدّة. خلال الأعوام الممتدة بين 1976 و1990 أُرسل عدد كبير من اللبنانيين ليُكملوا دراستهم في الخارج. يعيشون في جنيف، باريس، لندن، نيويورك، يدرسون في أكسفورد، هارفرد والسوربون، حيثُ نموا على مبادئ الحرية وحقوق الإنسان. وما إن عادوا إلى لبنان، وجدوه غارقًا بالطائفية، الفساد، والأحقاد بين الزعامات. لكنّهم حاولوا إدخال أفكار أكثر إنفتاحًا في المجتمع".

ويستطرد فيسك: "بالرغم من بقاء العادات والتقاليد القديمة، أتذكّر صديقًا مسلمًا كان إبنه يرتاد جامعة بريطانية، وكان فرحًا بحياة حرّة يعيشها، يشرب الجعة ويصطحب فتيات، لكن في نهاية المطاف طلب من والدته في بيروت أن تجد له عروسًا مسلمة".

الفساد "سرطان الشرق"

أمّا عن الفساد، فهو السرطان المستشري في الشرق الأوسط ودول غربية عدّة، وقال: "التقيت برجال ونساء لديهم خلفيات مراوغة، إحتالوا على بنوك، تلوثت أيديهم بالحرب الأهلية، حاولوا تشويه سمعة سياسي. أعرف صاحب متجر خضار قتل رجلاً آخر في نزاع عائلي. الأسبوع الماضي أقدم عنصر في الأمن العام على إطلاق النار على جيرانه في عشقوت بسبب كلاب! أمّا الحكومة فتطلق حملة لمكافحة الفساد كلّ مدّة".

في سياقٍ منفصل، سأل فيسك: "ماذا على لبنان أن يفعل مع شقيقته سوريا؟ فهنالك 10 مليارات دولار من الأموال السورية في المصارف اللبنانية، المباني السكنية، الإستثمارات والأموال النقدية"، وذكّر بأنّ "الأميركيين أصدروا بيانًا وضعوا فيه 80 سوريًا على لائحة الإقتصاد السوداء".

عباس إبراهيم مهدّد؟

يقول فيسك: "في غياب الرئيس، الرجل الأقوى في لبنان هو اللواء عباس ابراهيم، الشيعي وصديق قطر. الرجل معروف بشجاعته، فقد أدّت مساعيه إلى تحرير العسكريين الذين كانوا محتجزين لدى جبهة النصرة". وأضاف: "كلما أراه (رأيته مؤخرًا في قطر) أطلب منه أن ينتبه إلى حياته، فهو رجل شجاع ويمكن أن يكون هناك عدد من الناس الذين يرغبون بالتخلّص منه".

وأضاف: "عندما كان رئيس فرع مكافحة الإرهاب والتجسس في مديرية المخابرات في الجنوب، كانت مهمته التواصل مع الجماعات المسلحة في المنطقة. كان يمشي وحده ليلاً في مخيم عين الحلوة للتفاوض مع عناصر تنظيم "القاعدة" التي كان يزعمها أسامة بن لادن. إنّه يستحق البقاء على قيد الحياة".

ماذا عن الرئاسة؟

يرى فيسك أنّ رئيس "تكتل التغيير والإصلاح" النائب ميشال عون يقترب من تحقيق طموحه بأن يصبح الرئيس اللبناني. وقال: "لقد كان قائد الجيش في التسعينيات ودخل حربًا مع الجيش السوري، لكن بعدما استشهد مئات من العسكريين، هرب إلى السفارة الفرنسية في لبنان ومن هناك إلى المنفى في فرنسا. ثمّ عادَ منتصرًا إلى لبنان ليصبح صديقًا للرئيس السوري بشار الأسد وحزب الله".

وتحدّث فيسك عن "الصدمة السنية"، حيث قال: "إنّ الرئيس سعد الحريري وبعد زيارته لفرنسا والمملكة العربية السعودية، أعلن دعمه لعون، والحريري نفسه يحمّل النظام السوري مسؤولية اغتيال والده". وقال فيسك: "الحريري يدعم الرجل المتحالف مع النظام الذي يعتقد الحريري أنّه قتل والده. هل هذا لأنّ الحريري يريد أن يصبح رئيس حكومة مجددًا؟ حتى لو كان رئيس حكومة عون؟!". ولفت إلى الرئاسة الثانية في لبنان للشيعة، وكتلة بري الذي لم يوافق على وصول عون إلى سدّة الرئاسة، مؤلّفة من 13 نائبًا يستهان بموقفها.

وختمَ فيسك بالإشارة إلى أنّ ثبات لبنان يعود إلى الحرية والتعليم والتقاليد فيه، بالرغم من الطائفية المتجددة فيه عند كلّ إستحقاق، وقال: "النظام المؤلف من طوائف مختلفة ولا تريد حربًا أهلية، وهذا ما يسمّى بالميثاق الوطني".

(إندبندنت - لبنان 24)