أسئلة كثيرة لا تزال تُطرح حول عاشوراء كمناسبة سنوية يُجمع الشيعة على إحيائها تخليدا لثورة الحسين عليه السلام، حتى أصبح الإحياء في أحيان كثيرة مجرّد طقوس، أو مجرّد واجبات يقوم بها البعض تجاه الثورة الحسينية، فأصبحت مع الأيام والتكرار مجرّد حادثة تكاد تفقد أهدافها ومعانيها الدينية والإنسانية بالنظر إلى ما يشوب هذه المناسبة من طقوس بعيدة كلّ البعد عن الإسلام وجوهر الإسلام كما هي بعيدة أيضا عن أهداف الثورة نفسها.
جملة أسئلة حول عاشوراء حملناها في موقع لبنان الجديد إلى المفكّر العلامة السيد محمد حسن الأمين ليجيب بما وَسعه من العلم والمعرفة، ويصحّح ما أدخل على هذه المناسبة من التشويه والتجريح، وليقول أيضا كلمة العارف والعالم بحقيقة الثورة وأهدافها ومنطلقاتها.
ما الذي يجب أن تغيّره هذه المجالس في الأوساط الشعبية والاجتماعية؟
من حيث المبدأ فإننا نقرّ قيام هذه المجالس ونعتبرها مصدراً حيوياً مع المبادئ التي تتضمّنها ذكرى استشهاد الإمام الحسين (ع) ولأنّ هذه الذكرى تشكّل حدثًا تاريخياً نوعيًّا في تاريخ الإسلام فإننا نتمسّك باستذكارها واستعادتها ما دامت الحاجة إلى مبادئها وغاياتها ما تزال قائمة، ما دام الصراع قائما بين الحق والباطل، ولكننا في الوقت نفسه نرى أن هذه المجالس والطقوس التي تمارَس بها، لا تتناسب مع المستوى الذي يتضمنه الاحتفاء بهذه المناسبة، الأمر الذي يستدعي، بنظرنا، عمليّة تجديد مستمر وعملية التجديد هذه لا بدّ من استلهامها واستيحائها من مصدرين أساسيين أوّلهما الوعي المتجذّر في الأعماق لهذا الحدث التاريخي في مسيرة الإسلام، وثانيهما الاستفادة من قيم العصر وثقافته ووسائله المستجدة وعلى سبيل المثال لم نجد أنّ هذه المجالس والطقوس قد ارتفعت إلى مستوى التعامل معها بواسطة الأشكال التي استجدّت على مستوى فنّ المسرح والسنيما وغيرها من أشكال لم تكن قائمة في العصور السابقة، وأبرزها إدخال عنصر قوّة التواصل لإيصال مبادئ وقيم هذه الثورة إلى جميع شعوب العالم باللغة والأسلوب والصّيَغ التي تتناسب مع قيَم عصرنا ومفاهيمه التي لا شك تتضمّن شوقا لانتصار قضايا الشعوب ومطالبها في الحرية والعدل الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.
هل تحوّلت عاشوراء إلى احتفالية استعراضية وطقوس تكرّر نفسها كل عام؟
المؤسف حقاً أنّ هذا السؤال هو سؤال محق من حيث كونه يشير إلى ظاهرة الاستعراض والطقوس المكرّرة والتي مرّ عليها زمن طويل، لا نحسب أنّ حادثة عاشوراء عاجزة عن إنتاج حوافز لتطوير هذه الأشكال من الاحتفالات، ونرجّح أنّ الذهاب نحو استحضار الصورة التاريخية الواقعية وإزالة المبالغات التي تَرِد على ألسِنة قرّاء العزاء هو أمر صعب المنال إلا إذا توفّرت لهذه المجالس قيادة فكرية ودينية حكيمة تمتلك سلطة التصحيح والتوجيه والبرمجة والرقابة على قرّاء مجالس العزاء التي نلاحظ غيابها، أعني غياب هذه السلطة وترك الأمور لكثير من المتصدّين بكفاءة وبغير كفاءة لقراءة هذه السيرة وهذه المجالس، واعتمادها لدى بعض هؤلاء القراء وسيلة للإرتزاق من جهة، ولاعتماد الأساليب التي يعتقدون أنها تثير العواطف بعيدا عن الاستيعاب الواعي والمتقدم لمضامين الثورة الحسينية من جهة ثانية، ومع ضرورة التوقف عن تحويلها الى مجرّد طقس ديني، فثورة الإمام الحسين (ع) في جوهرها هي حدث تاريخي مفصلي، الهدف منه تجديد الروح الإسلامية التي تضمنتها دعوة الرسول (ص) والتي أريد لها أن تشكل نقلة تاريخية في حياة البشرية عامة والمسلمين بصورة خاصة، ومثل هذا الوعي التاريخي لا تكفي فيه مثل هذه الطقوس التي يُعتبر بعضها إساءة لهذه الذكرى ومنها على سبيل المثال، من هذه الطقوس، الإصرار على ضرب الرؤوس والصدور بالآلات الحادة على النحو الذي يوحي للمشاهد بذكريات الطقوس الدينية والوثنية القديمة، وفي هذا الصدد فإنه لا بدّ من التنويه بالموقف الذي اتخذته الجمهورية الإسلامية الإيرانية بمنع ظاهرة ما يسمى بالتطبير.
ألا ترون من ضرورة لتهذيب الشعائر الحسينية وعلى عاتق من تقع هذه المسؤولية؟
طبعا فإن ما ذكرناه آنفا يجيب على ضرورة تهذيب الشعائر الحسينية فإنني لا أتحرّج كثيرا في القول أن علماء الدين وخاصة منهم المراجع يتحملون جزءاً كبيراً من هذه المسؤولية، ولا بد هنا من الإشارة إلى أن بعض علماء الدين يمارسون هذا الدور، وقد كان أبرز من اضطلع بهذا الدور في عصرنا هو المرحوم المقدّس المرجع السيد محسن الأمين في فتواه الشهيرة التي حرم فيها ضرب الرؤوس والصدور بالسلاسل وحرّم فيها أشكال التمثيل الغامض لواقعة كربلاء في رسالته المشهورة "رسالة التنزيه" ولكن الأمر لا يقتصر على دور علماء الدين، بل يطال النخبة الواعية والمثقفة والمؤمنة من أبناء الطائفة الشيعية حيث يقع على عاتقها أيضا دور أساسي في ضخّ الوعي الديني والفكري الذي يؤدي إلى إنتاج وعي اجتماعي شامل من شأنه أن يتقبّل الرؤية المتقدمة في تهذيب هذه الشعائر وإصلاحها.
احتكار مناسبة عاشوراء من قبل الشيعية، هل تحوّلت إلى مناسبة طائفية محدودة التأثير؟
إننا نرى أن أحد أهم الوسائل لتعزيز هذه الذكرى هي اتّساع دائرتها بحيث تتجاوز النزعة الطائفية، إلى اعتبارها حدثا إنسانيا يستجيب لشوق الانسان أياً كانت طائفته أو دينه أو عرقه إلى العدل والحرية، لأن مثل هذه القيم ليست حاجة شيعية فحسب ولكنها حاجة إنسانية والحق أنّ الإمام الحسين هو بطل من أبطال الإنسانية وليس من أبطال الإسلام فحسب، والظلم والاستبداد هو مصدر المآسي والآلام التي يتعرّض لها الانسان في كل مكان، ولذلك نرى أنّ كثيرا من غير الشيعة ومن غير المسلمين الذين أتيح لهم أن يقرؤوا وأن يحيطوا علما بهذه الثورة تأثروا بها تأثرا عميقا واعتبروا قضية هذه الثورة قضيتهم، ولدينا الكثير من الأدبيات التي صدرت عن غير المسلمين وعبّرت عن تأثّرها الشديد لهذه الثورة، ومن وجهة نظري فإنه ليس من مصلحة الشيعة ولا من مصلحة أهداف الثورة الحسينية أن يقتصر الاهتمام بها على مذهب من المذاهب أو طائفة من الطوائف، فنحن في عالم تتجدّد فيه الحاجة إلى الجهاد والنضال باتجاه تحقيق حرية الإنسان وكرامته، ولعلّ هناك من الشعوب المقهورة والواقعة تحت وطأة الظلم والاستبداد من هو أحوج إلى استلهام مبادئ عاشوراء بل وأسلوب الإمام الحسين (ع) في التصدي لكل أشكال العبودية والاستبداد وحرمان الاجتماع الإنساني من الشعور بكرامة الكائن الإنساني وحقه في الحرية والعمل والمساواة وقيام السلطة التي تضمن مثل هذه الحقوق.