التأكد من أن «حزب الله» قد دخل في نفق الموت في سوريا مع عدم وجود أي نيّة لديه، بالعودة منه، يُمكن أن يُلمس من خلال خطابات قادة الحزب أنفسهم الذين يعتبرون أن الحرب في سوريا، هي معركة بين «الخير» و»الشر»، وطبعاً فإن الخير هنا هو «حزب الله» وحلفاؤه بينما الشر هم الجماعات «التكفيرية« والدول الداعمة لها. هذا هو منطق الحزب في حرب دخلها على قاعدة الدفاع عن مجموعة عناوين وشعارات رفعها في حينه، قبل أن يعود ويحوّل قادته وعناصره، إلى هدف سهل الاصطياد على طول النفق المُمتد من لبنان إلى «حلب».

يحاول «حزب الله» اليوم، استعادة أمجاد خسرها منذ أن حوّل أولوياته من الرصد عند جبهة الجنوب بعد انسحاب الإسرائيلي منها، إلى حرب فتحها على شعب جار كان القتل والتنكيل والسجن من نصيبه، لذنب أنه رفع الصوت عالياً في وجه جلّاده. أحد أوجه المجد الذي يسعى الحزب إلى استعادته اليوم، يتمثل باستبدال جملة تقديم واجب العزاء بـ»التبريك» وهذا ما فعله أمس، نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم خلال زيارته عائلة القيادي في الحزب الحاج «علاء» الذي سقط في سوريا منذ أيّام، ليُقدم لها «التبريك».

في تخيلاته و»تجلّياته»، يذهب «حزب الله» بعيداً في تفسيره للحرب التي يخوضها في سوريا، فمرّة يعتبرها دفاعاً عن لبنان بمسيحييه قبل مُسلميه، ومرة لإسقاط المشروع الأميركي ــــ الإسرائيلي في المنطقة أو بوصفها حرباً كونيّة على نظام «الممانعة» السوري وخط المقاومة. لكن آخر تحليلات الشيخ قاسم بالأمس، جاءت بتوصيفه للحرب أنها «من أجل تحقيق انتصار الأمة وتحقيق الأهداف«، وهو لم يعتبر سقوط القيادي «علاء» خسارة، بل «ربح لأنه ثبات على الخط والوصول إلى النتيجة المطلوبة«.

عن أي نتيجة يتحدث قاسم، وأين هو الإنجاز الذي تحقّق منذ دخول حزبه إلى مستنقع الموت مُرغماً؟ يحاول «حزب الله» اللعب على الوتر العاطفي خلال لقاءات قياديين فيه من الصف الأوّل، بعائلات عناصره الذين يسقطون في سوريا، وذلك كخطوة أولى لاكتساب عطف الجمهور والتهرّب من انتقاداته التي لم تعد توفر أياً من هؤلاء القادة. أمّا الخطوة الثانية، فعادة ما تبدأ ببث الحقد المذهبي الموروث منذ العام 1982 يوم خرج فيه «حزب الله» من رحم «الثورة» الإيرانية، والحقد هنا يتحوّل إلى ثأر شخصي يتجاوز عمره الألف وأربعمائة سنة، ومن المنطلق نفسه، يُصبح الثأر واجباً «شرعيّاً» على كل من يسير على هذا النهج ترهيباً أو ترغيباً.

يقول قاسم إن «فقدان القادة هو جزء لا يتجزأ من الثمن الذي لا بدَّ من دفعه، ونحن لا نحتسب الشهداء بالعدد، إنما نحتسبهم بالإنجازات التي قدموها«. بهذا النوع من الكلام، يحاول قاسم وغيره، التهرّب قدر المستطاع من لُبّ المُشكلة التي يُعاني منها «حزب الله» وهي انزلاقه في الحرب السوريّة وتحوّله إلى جزء أساسي من الأزمة في المنطقة الممتدة من اليمن إلى العراق فسوريا، وصولاً إلى لبنان. والمشكلة هذه، تكشف عمق العلاقة العضوية التي تربطه بإيران وحرسها الثوري، والتبعية العمياء لقرارات «المُرشد« و»ولايته» وتحوّله إلى جُندي فيها. كما أن الموت الدائم الذي يُلاحق القادة الميدانيين في الحزب والعناصر في الداخل السوري، هو بنظر قاسم قدر سيظل يُلاحقهم إلى ما لا نهاية، وهذا يتبيّن من خلال قوله «إذا كان البعض يراهن على عِظَم التضحيات فنحن أهلٌ لها، لأنها كلما عظُمت اشتدت المقاومة أكثر واستقدمت مضحين إضافيين أكثر فأكثر«. 

حتّى اليوم، لا عنوان ثابتاً يخوض «حزب الله» من خلاله الحرب في سوريا، فهناك تعابير ومصطلحات كثيرة، يستثمرها في حربه هذه وغالباً ما يوردها تحت خط «نصرة المظلوم». وكشف أو ملاحقة عناوين ومصطلحات الحزب، لا يبدو أنها تتطلب جهداً كبيراً خصوصاً إذا ما قورنت بأفعاله الميدانية وممارساته السياسية. الحزب يُجيز توحيد الجهود بين أميركا وإيران وروسيا وتركيا، لمحاربة تنظيم «داعش» في العراق وأيضاً ينزع عن أميركا لقب «الشيطان الأكبر«، لكن هذا المنطق لا يُقرّ به الحزب في الحرب السوريّة كونها تتعارض مع مصالحه ومصالح الإيراني بالدرجة الأولى.

مصلحة «حزب الله، تطلّبت منه يوم تدخلت روسيا في الحرب السورية بشكل علني وعلى مسافة قريبة من الاتفاق النووي الأميركي ـــــــ الإيراني، التغاضي عن التقاء الخيارات الإيرانية - الإسرائيلية عند نقطة التواصل الروسية والتي قامت على أسس مصلحة الجميع والتي حولته سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، إلى حليف ميداني مع هؤلاء جميعهم، ضد تنظيمي «داعش» وجبهة «فتح الشام» (النصرة سابقاً). ومن باب المصالح نفسها، قد يجد «حزب الله» نفسه ذات يوم، مضطراً الى أن يخلع بزته العسكرية وارتداء بزة رجال الأعمال.


علي الحسيني