لوحظ انّ خطاب ترشيح الرئيس سعد الحريري للنائب ميشال عون تضمّن في ما تضمّنه مجموعة رسائل، الأولى في اتجاه جمهور "المستقبل" بتعابير احتوائية للشارع بما يؤشّر الى وجود تباينات حول قرار الترشيح. والثانية تبريرية تستند الى عناوين عامة قد لا تجد قبولاً لدى شريحة المعترضين على قراره.
والرسالة الثالثة باتجاه "حزب الله" او من خلالها انه ما زال خلف المتراس معه. امّا الرابعة فقد تُحدث تأويلاً حينما اكّد "الإتفاق" مع عون. فما هو هذا الاتفاق وما هي تفاصيله؟ ولماذا لا يعلن؟
ويبدو انّ عون اوّل المتلقفين لكلام الحريري، وهو المتلقف الطبيعي اولاً، فأطلق من "بيت الوسط" ما يشبه مدّ اليد الى الآخرين بقوله: في الحوار لا احد يخسر"، وطمأن الى ان "لا اتفاقات ثنائية او ثلاثية او رباعية، انما هناك اتفاق واحد على ادارة شؤون البلد». كذلك طمأن الى ان لا يخاف احد "فلا يمكننا ان نكون ثُنائيّين".
واذا كان تلقّف عون مريحاً للحريري، وهذا امر طبيعي ـ الّا ان تلقّف بعض اهل بيت "المستقبل" لقرار ترشيحه جاء رافضاً له، فماذا عن الآخرين؟ هناك كم كبير من الاسئلة لا بد من الاجابة عنها، وهي:
1 ـ ما هي الخطوة التالية؟
2 ـ اللافت انّ "حزب الله" خرج عن صمته الرئاسي بكلمات مقتضبة يؤكد فيها "أنّ التفاهم والانفتاح الايجابي المتبادلين بين ممثلي المكوّنات السياسية في البلاد هما أمران مطلوبان أكثر من أي وقت مضى ومن شأنهما تعزيز مناخ التعاون وتسهيل المهام المترتبة قبل إنجاز الاستحقاق وبعده". فماذا يعني هذا القول؟ ومن يخاطب "حزب الله"؟
3ـ ماذا عن جلسة 31 تشرين وهل انعقادها بات مضموناً؟ وكيف؟
4 ـ كيف سيتم تجاوز العقبات الماثلة في الطريق، سواء المتمثلة تحديداً بمعارضة بري؟ كيف ستتم مقاربة هذه المعارضة؟ بل ماذا يطلب بري في هذا السياق؟
5 ـ ماذا عن البيت الداخلي للحريري بعد الاعلان، خصوصاً بعد بروز اعتراضات علنيّة على قرار ترشيح عون وصدور نوع من الجرأة لدى بعض أعضاء كتلة «المستقبل» في إعلانهم عن رفضهم لعون؟
6 ـ هل من يضمن ان لا تحصل مفاجآت غير محسوبة على خط الترشيح مع انّ هذا الترشيح يبدو محصناً وقوياً؟
7 ـ ما هي خطوات الحريري التالية بعد الترشيح؟ هل سيجري مشاورات لترميم البيت الداخلي، وهذه مسألة حسّاسة وصعبة لديه؟ وماذا لو توسّعت رقعة المعترضين داخل كتلته على هذا الترشيح؟
8 ـ الى اين سيتوجّه الحريري من القوى السياسية؟ هل في اتجاه بري، والواضح انّ "سوء تفاهم سياسي عنيف يسود بينهما وهناك من نقل شعوراً بالمرارة في عين التينة؟ هل سيتوجه باتجاه "حزب الله" مع انّ وفدَي "المستقبل" والحزب قد التقيا بالأمس في حوارهما التقليدي؟ وهل سيلتقي الحريري "حزب الله" خصوصاً انه ضَمّن خطابه كلاماً عن انفتاحه على كل الاطراف؟
9 ـ ما هي النسبة التي سينالها عون لكي يفوز؟ ان كانت ضئيلة، الّا تشكّل هذه ضربة مسبقة للعهد؟
10 ـ لنفترض انّ كل ما تقدّم تمّ تجاوزه وتمّ الانتخاب في 31 تشرين الأول، ما هو شكل البلد بعد الانتخاب؟ عون رئيساً وسيدعو مباشرة الى استشارات ملزمة لتكليف شخصية لرئاسة الحكومة، والحكومة الحالية ستصبح حكومة تصريف اعمال.
السؤال: ماذا لو كُلّف الحريري؟ والواضح بحسب المواقف الحالية انه قد لا يحصل على اكثرية يُعتدّ بها، أليست هذه اشارة هبوط معنوي؟ وماذا لو لم يسمّه بري و«حزب الله» وفرنجية والرئيس نجيب ميقاتي بالإضافة الى معترضين آخرين؟
11 ـ كيف سيشكّل الحريري الحكومة؟ هل يستطيع ان يشكّلها سريعاً؟ وهل يستطيع ان يشكّل حكومة بلا مكونات اساسية، كبرّي مثلاً، الذي أعلن سلفاً انه سيذهب الى المعارضة؟
12 ـ هل سيشارك "حزب الله" في الحكومة، بل هل يستطيع ان يشارك فيها بمعزل عن بري؟
13 ـ لقد أخذ الترشيح البلد الى مرحلة جديدة، فهل سيتحوّل هذا الضجيج السياسي ما قبل الترشيح الى «فوضى سياسية»؟ وهل هذا الترشيح فعلاً صنع في لبنان وماذا لو جاءت كلمة سر ما من مكان ما ترفض هذا الترشيح؟
14 ـ هل صحيح ما يتردد في بعض الاوساط عن كمين ينصب لبعض الاطراف؟
هل صحيح انّ الحريري بترشيحه هذا رمى الكرة في ملعب خصومه وفي مقدمهم «حزب الله» واذا صحّ ذلك، كيف سيتعاطى معها الخصوم؟
تبعاً لهذه التساؤلات، لا تبدو الطريق سهلة في المرحلة التالية خصوصاً بعدما تداخلت العوامل الاعتراضية بعضها ببعض. وبالتالي، فإنّ جلسة 31 تشرين الأول وبرغم القول انها ستنعقد بنصاب مؤمّن عددياً وتنتخب عون، تبقى هذه الجلسة امام احتمال ولو ضئيل بأن لا تُعقد.
فأيّ صورة للبلد بعد الانتخاب، إن تمّ، وفي ظل حكومة تصريف اعمال، وفي ظل رئيس حكومة مكلّف لا قدرة له على اتخاذ قرار؟ وكم هي الفترة التي يمكن ان يقضيها الحريري كرئيس مكلّف خصوصاً انّ الانتخابات النيابية على الابواب وهناك نزاع حول ماهية القانون الانتخابي؟ وهل يحتمل البلد الذي مُلِىء فراغه الرئاسي برئيس منتخب ان يدخل في نوع جديد من الفراغ على مستوى السلطتين التنفيذية والتشريعية؟
كل هذه الاسئلة تحتاج الى إجابات ويبدو انها ضائعة في مغاور سياسية من الصعب انتشالها وتوضيح الرؤية حالياً. طبعاً الأيام المقبلة ستحمل مزيداً من النور وانقشاعاً في رؤية المسار الحقيقي الذي سيسلكه الاستحقاق الرئاسي بعد الترشيح.
وإذا كان عون والحريري قد اجتازا الأمتار الأخيرة من السباق الرئاسي بحيث أمّنا النصاب لجلسة 31 الجاري، فإنّ مصادر نيابية معارضة لخيار الحريري تساءَلت: «من يكفل تشكيل حكومة العهد بسهولة؟ وإذا نجح الحريري بتشكيلها من يضمن له بقاءه بعد انتخابات نيابية تتغيّر فيها موازين القوى؟".
أمّا مصادر مؤيدة ترشيح عون فاعتبرت انّ "أيّ تهويل على الحريري في مسألة تشكيل الحكومة لا يصبّ في مصلحة المُهوّلين لأنّ الناس لن تتحمّل المراوحة في هذا الموضوع ولن ترحم المعرقلين لأنّ الانهيار الإقتصادي يدق أبواب الجميع، وبالتالي سيكون الجميع بحاجة إلى أن تعود الحياة إلى المؤسسات، إضافة إلى انّ المجتمع الدولي لن يتساهل مع أيّ تأخير في تشكيل الحكومة قد يهدّد الاستقرار".
الجمهورية