إذا كان الطريق سالكاً اليوم نحو انتخاب رئيسٍ للجمهورية في الحادي والثلاثين من تشرين الحالي، فإن الطرق الباقية ذاهبةٌ نحو إعادة تكرار مشهد مفجع: عودة أزمة تراكم النفايات وانتشار الروائح والبكتيريا والأمراض في كل أرجاء العاصمة.
اعتبارا من يوم أمس، باشر عمال شركتَي «سوكلين» و «سوكومي» إضرابا عن العمل، بعدما وجدوا أنفسهم أمام خطر صرفٍ تعسّفيٍّ جماعي يهدد لقمة عيشهم. أقفل العمال والموظفون جميع الفروع واعتكفوا عن جمع النفايات، لتتحول الشوارع خلال يوم واحد إلى قمامة كبيرة تستدرج القطط والجرذان والروائح والأوبئة و «الصور الجميلة»...
هذا المشهد السورياليّ الذي ما زال طريا في ذاكرة اللبنانيين عاد من جديد إليهم، علماً أن المتعهدين الجدد سيستلمون إدارة النفايات في نهاية آذار 2017، وبالتالي وفي حال عدم تلبية مطالب عمال «سوكلين»، على البلاد أن تتحضّر لخريفٍ وشتاءٍ على مدى نحو 6 أشهر، قد نشهد خلاله تفجر أكثر من نهر نفايات وتراكم الكثير من الجبال.
وإن كانت مصادر شركة «سوكلين» تؤكّد لـ «السفير» أنها «تقوم بواجبها تجاه العمال وستدفع المتوجّب عليها قانوناً»، فإنّ ذلك لا يرضي العمال وسائقي الشاحنات في الشركتين، الذين بدأوا إضرابهم المفتوح مطالبين لا بالتعويضات فقط، إنما أيضاً باستمرارية العمل.
إذاً مصير 2000 عامل وسائق شاحنة معلّقٌ الآن. وصحة الشعب اللبناني في خطر، بانتظار ما ستؤول إليه الأيام المقبلة. أمام كل ذلك يعرب العمال عن تخوفهم من الصرف التعسفي من دون دفع تعويضات أو ضمان انتقالهم إلى الشركات الجديدة التي ستستلم موضوع النفايات.
ويؤكد رئيس «نقابة سائقي سيارات نقل النفايات في لبنان» طه نصّار لـ «السفير» أنّ «التوقف عن العمل وإقفال الفروع كافة، مستمران ولن نتوانى ولن نتراجع، قبل نيل حقوقنا كاملة، علماً أن الشركة كانت تتملص وتحاول التهرب من دفع التعويضات للموظفين». ويضيف أنّ «الشركة تعمد منذ مدّة إلى صرف العمال بشكلٍ متقطّع، إذ ترسل إلى وزارة العمل أسماء عددٍ معين منهم بين الفينة والأخرى، وهذا أمر غير منصف في الحقيقة لعمال قضوا 20 عاماً في العمل والكدّ في دوامات عمل صعبة، واليوم حين خرجت الشركة من مناقصات النفايات، يرمى عمّالها في الشارع». ويفيد بأن «هناك اجتماعاً سيعقد بين النقابة ومندوبي فروع سوكلين للتشاور حول الخطوات اللاحقة لضمان حقوق الجميع».
وعلم أنّ «سوكلين» قامت بإبلاغ وزارة العمل قبل فترة وجيزة بنية صرف 95 عاملاً، وذلك بعد إغلاق مطمر الناعمة - عين درافيل، طالبةً من الدائرة المعنية في وزارة العمل التشاور، بسبب الظروف الاقتصادية المرتبطة بعمل الشركة. كما لجأت مجموعتان من العمال إلى «الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين» بعد تسلم العمال بلاغ صرفهم. ويوضح رئيس الاتحاد كاسترو عبدالله لـ «السفير» أن «الاتحاد قام برفع شكوى من أجل هؤلاء وهو يتابع قضيتهم وقضية كل عمال سوكلين، من أجل ضمان ديمومة العمل لهم عبر انتقالهم للعمل مع المتعهدين الجدد وعدم رميهم في الشارع، وهذا حقٌ قانونيّ وفق المادة 60 من قانون العمل».
أما شركتا «سوكلين» و «سوكومي» فقد أعلنتا في بيان لهما أن الشركتين «لطالما تميزتا بحسن العلاقة مع الموظفين، وكانت ولا تزال أبواب الإدارة ـ في كل منهما ـ مفتوحة دوما للعاملين لدينا الذين نتفهم هواجسهم وقلقهم، وسنبقى كما كنا دائما أول الحريصين على حقوقهم التي يكفلها قانون العمل اللبناني، وما زلنا نسعى لتأمين استمرارية عملهم مع المقاولين الجدد وذلك عبر مجلس الإنماء والاعمار وجميع الوزارات المعنية بملف إدارة النفايات وذلك تفاديا لوقوع أزمة اجتماعية بحال لم يتم تأمين استمرارية عملهم مع المقاولين الجدد. وقد راسلنا وزارة العمل لهذه الغاية لأنها تبقى المرجع الأول والأخير في ضمان الحقوق وفقا للقوانين المرعية الإجراء».
أضاف البيان: «تم التأكيد لجميع العاملين بأن شركتي سوكلين وسوكومي ما زالتا تسعيان لتأمين استمرارية عملهم مع المقاولين الجدد، محافظة على حقوقهم بحسب قانون العمل اللبناني». والجدير بالذكر ان أيا من شركتي سوكلين وسوكومي «لم تبلغ أيا من العاملين لديهما في خدمة الجمع والكنس والمعالجة نية صرفهم من العمل. وقد طلبنا من جميع العاملين تشكيل لجنة وتعيين مندوبين للشروع في المفاوضات مع الادارة».
وأوضحت الشركتان أنه «في ما يتعلق بإنهاء خدمة بعض العاملين في مطمر الناعمة الصحي تمهيدا لاقفاله بشكل نهائي، قامت شركة «سوكومي» بدفع جميع المستحقات والتعويضات للعاملين الذين تم انهاء خدماتهم، وقد جرى ذلك تحت اشراف وزارة العمل وبالتنسيق التام مع الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين وعملا بأحكام قانون العمل اللبناني».
وأكدت الشركتان أن «قطاع ادارة النفايات هو مرفق عام يسري عليه مبدأ الاستمرارية مهما كانت الظروف، وقد عملنا وفقا لذلك طيلة اكثر من عقدين من الزمن وبأصعب الأزمات، وسنقوم بما يلزم من اجل تأمين استمرارية خدمة هذا القطاع الحيوي واحتراما لعقودنا الموقعة مع الحكومة اللبنانية ممثلة بمجلس الانماء والاعمار».

 

السفير