إنتفضَت والدة ريما عندما أدركت أنّ ابنتها ستتزوّج شابّاً أبواه مطلَّقان. فبحسب بعض الصور النمطية التي تَوارثتها الأمّ، فإنّ ابنتها لن تكون سعيدة إلى جانب هذا الرجل، بل إنّه سرعان ما سيتمثّل بأهله وينفصل عنها. وتُردّد سعاد على مسامع ابنتها: "هو اعتاد فسخَ العلاقات وتَجرّع منذ صغرِه صورةَ الارتباط المؤقّت الذي لا يدوم، وهو سيعاود هذا النموذج في حياته". فهل صحيح أنّ المرء الذي يتربّى في محيط عائلي متشنّج ومتوتّر وغير مستقر، قد لا يتمكّن من المحافظة على زواجه في المستقبل؟ تؤكّد دراسة أجراها باحثون في جامعة هارفرد الطبّية أنّ "تأثير خبرات الأولاد العائلية يستمرّ عندما يكبرون. فوضعُ طفولة الشخص يحدّد سقفَ سعادته فيما بعد، وديمومة زواجه حتّى لدى بلوغه سنّ الثمانين".
ويشير الباحث روبرت والدينغر، المشرف على الدراسة، إلى "أنّ طفولة سعيدة تساعد أيّ شخص على إدارة علاقاته الشخصية وعواطفه بشكل أفضل في سنّ الأربعين، وتحدّد تماسكَ وأمان زواجه حتّى نهاية حياته".
الدراسة
تابعَ الباحثون 81 رجلاً شارَكوا في الدراسة التي امتدّت 78 عاماً، وعاينَت تطوّرَهم وردودَ أفعالهم خلال حياتهم. حدّد الباحثون بيئة هؤلاء الرجال الأسرية منذ طفولتهم، بإجراء مقابلات معهم في فترة المراهقة وفي سنّ الرشد وعند بلوغهم سنّ 70 و 80 عاماً، كما سألهم الباحثون وهم بين 45 و60 عاماً عن المطبّات التي واجهتهم في العمل، والحب، وعلى الصعيد الصحّي.
هدفُ الاستجواب تركّز على تعلّقِهم بحبيبهم الحالي، إذ طُلب منهم الحديث عن زواجهم وحالة ارتباطهم بالشريك. وقيَّم الباحثون قدرةَ المشاركين على إدارة عواطفهم في مواجهة عقبات الحياة.
تلاقت نتائج الدراسة مع مقولة: "فاقد الشيء لا يعطيه"، إذ أظهرَت أنّ الذين كبروا في حرَم عائلة داعمة وفي محيط مفعَم بالحب والطمأنينة كانوا أكثرَ تمتّعاً بعلاقات عاطفية مستقرّة في المستقبل. فقد زادت فرصُهم في المحافظة على شريكهم مدى العمر، لا سيّما أنّهم صُنّفوا أذكى في معالجة أمورهم العاطفية عند بلوغ حقبة الأربعين. فالحب والهدوء اللذان تشرّباهما في صغرهما دعماهما في إرساء علاقة زاهرة ومستقرّة في كبرهما.
تأثير المشاكل على الأولاد والكبار
إلى ذلك، يؤكّد علماء النفس أنّ الولد الذي عاش في بيئة متوتّرة تشوبها مشكلات الأهل وشجاراتهم، قد يتأثر بشكل كبير. ردود أفعاله تتجلّى على شكل خوف، وتعصيب، وقلق، وحزن كما قد يواجه مشكلات صحّية، واضطرابات في النوم وصعوبة في التركيز والنجاح في المدرسة.
وربّما يفرّغ هذا الولد محنتَه ومآسيَه المنزلية على شكل اعتداءات، فيصبح عنيفاً، عدائياً، غيرَ اجتماعي، صاحبَ سلوك منحرف، ومخرّب. ومن أوجُهِ تأثير صراعات الأهل على الولد، تخزينُه لتعصيبه ومحنته التي ستنفجر فيه على شكل حالة اكتئاب وقلق وانزواء وانزعاج دائم.
لا تتوقف تداعيات مشكلات الأهل على الأولاد عند تبَنّيهم سلوكاً عدائياً أو انطوائياً، بل سيكونون أكثرَ عرضةً لضعف المهارات وانخفاض القدرة على حلّ المشكلات وتدنّي الكفاءة الاجتماعية.
ولا يتضرّر الولد ابنُ العلاقة الإشكالية جرّاء حضوره لشجارات أهلِه وحسب، بل بسببِ معاملتهم السيّئة له. غالباً ما يتحوّل الآباء والأمّهات في العلاقات الإشكالية إلى أهلٍ سيّئين فيَميلون إلى العدائية وإطلاق التهديدات، وتوجيه الانتقادات، والصراخ، والضرب إلى الأبناء. أضِف إلى أنّ العلاقات الزوجية المتوتّرة يمكن أن تُنتجَ أيضاً أبوّةً وأمومة متراخيتين غير مباليتين، حيث لا يعير الأهلُ اهتماماً كافياً لأولادهم.
ويفشل الأهل المتصارعون عموماً في خلقِ روابط الأمان بينهم وبين أبنائهم، وقد يذهب هؤلاء بسبب صراعات أهلهم إلى لوم أنفسِهم أو حتّى إلى إيجاد أساليب تضرّهم للتعامل مع الموقف أو للفتِ النظر.
كلّ هذه المضاعفات تؤثّر سلبياً على حياة الولد الحاليّة والمستقبلية، وتضرب استقرارَ علاقاته الرومانسية في فترة المراهقة وبعدها في مرحلة البلوغ. المشاكل العائلية تؤدّي بالأبناء إلى النظر لأنفسهم ولمحيطهم الاجتماعي بسلبية كبيرة. هم يُكوّنون صورةً سلبية عن تصوّرِهم للعلاقات الأسرية، وهكذا تُنتِج علاقة الزوجين المبنية على الصراع علاقاتٍ سلبية أخرى في جيل المستقبل، وتزيد فرَص فشَلِ الأبناء في حياتهم العاطفية".
( الجمهورية)