ليست خطوةً سهلة عليه، أن يقوم الرئيس سعد الحريري بإعلان ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، وسط امتعاض وغضب من مؤيّديه على الخطوة، واعتراض نوّابٍ من كتلته لا يقلّ عددهم عن عشرة، بينهم الرئيس فؤاد السنيورة ونائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري
بعد سنتين ونصف سنة من العناد والعرقلة والرفض والخضوع للقرار السعودي برفض وصول الجنرال ميشال عون إلى قصر بعبدا، عاد الرئيس سعد الحريري إلى ترشيح رئيس تكتّل التغيير والاصلاح لرئاسة الجمهورية، وهو المرشّح الأوّل والأخير لحزب الله، هادراً بذلك سنوات من وقت اللبنانيين واستقرار السلطة. تخلى الحريري عن مرشحه الاول سمير جعجع، وعن المرشح التوافقي، وعن النائب سليمان فرنجية، بعد أن سقطت كل رهاناته.
ولم يصل رئيس «المستقبل» إلى هذا الاقتناع إلّا بعد أن أيقن حجم المأزق الذي وصل إليه، على صعيد أعماله التجارية وتنظيمه السياسي والإداري، وانحسار التأثير السعودي عن الساحة اللبنانية شيئاً فشيئاً. وبكثير من الوضوح، لم يخفِ الحريري أمس في خطابه الذي أعلن فيه ترشيح عون رسمياً، من منزله في وسط بيروت، ظروفه الشخصية والسياسية، علّه يبرّر أمام جمهوره «حكمته» الأخيرة، بالانصياع لإصرار حزب الله، وترشيح عون.
وبعد الإعلان، جاء الزمان الذي لم يعد فيه كسر قرارات الحريري حكراً على الوزير أشرف ريفي أو النائب خالد ضاهر في عزّ تمرّده على وريث رفيق الحريري. فمن بيت الحريري نفسه تعمّد الرئيس فؤاد السنيورة، رئيس كتلة المستقبل النيابية (لصاحبها سعد الحريري)، أن يعلن جهاراً اعتراضه على الترشيح ورفضه التصويت لعون. وإذا كان السنيورة رئيساً سابقاً للحكومة ورئيساً للكتلة ورأيه «معتبراً»، مثله مثل نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري الذي أعلن بدوره رفض الترشيح، فإن نوّاباً لم يصلوا إلى المجلس النيابي لو أن الحريري لم يُصعدهم في «البوسطة» التي قادها بعد اغتيال والده، تجرّأوا على رفض الترشيح. ويسجّل حتى الآن اعتراض النواب سمير الجسر، أمين وهبة، نضال طعمة، عمار حوري، رياض رحال، محمد قباني، معين المرعبي، وأحمد فتفت، فضلاً عن رئيس الحكومة تمّام سلام، الذي وإن لم يكن عضواً في كتلة المستقبل، فإنه من أبرز وجوه تكتّل لبنان أوّلاً. غير أن اعتراض السنيورة وآخرين في المستقبل وغيره، لا يستند حصراً إلى رفض الخضوع لمطلب حزب الله، بل إلى معطيات يتحدّثون عنها عن رفضٍ دولي، وبالتحديد أميركي وفرنسي وعدم رضى سعودي على خطوة الحريري، علماً بأن مؤيّدي الترشيح في كتلة المستقبل والمقرّبين من الحريري، يستندون إلى معطيات معاكسة، عن رضىً دولي على خطوات الحريري، وشبه حياد السعودي.
وبدا لافتاً غياب أيّ ممثّل لحزب القوات اللبنانية في احتفالية إعلان الترشيح، ولم يُسجّل لرئيس الحزب سمير جعجع أي موقف أمس.
خضع الحريري إذاً لإرادة حزب الله، حرصاً على البلد أو طمعاً في السلطة لا فرق. وإذا ما سارت الأمور بشكلها الطبيعي، فإن جلسة 31 الحالي في مجلس النواب ستكون موعداً أكيداً لانتخاب عون رئيساً للجمهورية، وموعداً لما يليه من استشارات نيابية ملزمة، من المفترض أن تعيد الحريري إلى السلطان الذي فقده، من دون ثروة هذه المرة، ومن دون «أعداء» اعتاد الحريري تحريض جمهوره عليهم، بل من دون حلفاء موثوقين كالرئيس نبيه بري الغاضب على رئيس المستقبل. ولم يحسم النائب وليد جنبلاط موقفه بعد. ومن المنتظر أن يعلنه غداً، في ظل وجود 3 احتمالات: أن يُصوّت لمرشحه هنري حلو في الدورة الاولى، فيما تنقسم كتلته بين عون وحلو في الدورة الثانية، هذا في حال لم يحصل عون على أصوات ثلثي النواب فيفوز من الدورة الأولى؛ أن يصوّت لحلو مع كامل أعضاء كتلته في الدورتين الأولى والثانية؛ أن يصوّت مع النواب الحزبيين في كتلته لعون من الدورة الاولى، ويترك الحرية للنواب غير الحزبيين.
بري لعون: ملتزم بترشيح فرنجية
حزب الله لا يزال ملتزماً الصمت. ولم يتّضح بعد ما إذا كان أمينه العام السيد حسن نصرالله سيكشف عن خيارات الحزب في الخطاب الذي سيلقيه الأحد المقبل في ذكرى مرور أسبوع على استشهاد القيادي في المقاومة حاتم حمادي. لكن المؤكد أن الحزب سيبدأ مساعي لمحاولة تقريب وجهات النظري بين حلفائه عون وبري والوزير سليمان فرنجية. وقبل أن يباشر الحزب مساعيه، زار عون برّي في عين التينة، عقب زيارته الحريري في وادي أبو جميل. وبحسب المعلومات، فإنّ بري أكّد لعون أنه لن يقاطع جلسة 31 الشهر، وأن مواقف كل الأطراف باتت مفهومة وواضحة ولا ضرورة للتأجيل. غير أن رئيس المجلس أكّد لزائره أنه ملتزم بترشيح الوزير سليمان فرنجية، ما دام الأخير مرشحاً. من جهته، أكّد عون لبرّي أنه يعلم بقراره ويحترمه، و«أنا هنا لأن من واجبي أن أزورك». وبعد أن سأل برّي عمّا يحكى عن ورقة موقّعة بين الوزير جبران باسيل ونادر الحريري وجعجع، أكد عون أن «كل الكلام عن تفاهمات وصفقات واتفاقات وأوراق موقعة غير صحيح ولا أساس له».
وتزامنت زيارة عون لعين التينة مع موعد جلسة الحوار التي يرعاها برّي بين حزب الله وتيار المستقبل بحضور ممثل بري الوزير علي حسن خليل. وبحسب مصادر شاركت في الجلسة، فإن حزب الله كان واضحاً في موقفه أمام المستقبل وأمام حركة أمل، أن تأييده لعون معروف وسيشارك في الجلسة، وأن الانتخاب سيجري في 31. وسمع موفدو المستقبل تأكيداً من كل من الحزب وأمل أنهم سيشاركون في الجلسة. من جهته، تحدث خليل في جلسة الحوار عن ورقة موقّعة بين باسيل ونادر الحريري، فنفى الأخير سائلاً: «من وين بتجيبو هالأخبار؟». كذلك فإن ممثّلي حزب الله أكدوا أنهم استفسروا عن هذا الأمر، ولديهم تأكيدات أن هذا الأمر غير صحيح.