مع ان الفصول المتعاقبة التي واكبت اعلان الرئيس سعد الحريري أمس تبنّيه المتوقع لترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية لم تنطو على أي مفاجآت لهذه الجهة، فإن ذلك لم يحجب الطابع المفاجئ المقابل لمسارعة عدد من أعضاء كتلة "المستقبل" وعلى رأسهم الرئيس فؤاد السنيورة رفضهم انتخاب عون في ما يمثل تطوراً غير مسبوق من حيث أثمان "المخاطرة" التي اعترف الرئيس الحريري نفسه بأنه يُقدم عليها. ولا تقف مخاطرة الحريري عند حدود افتراقه وبعض أعضاء رفاق دربه في هذا الخيار بل تمددت في اتجاه تنامي كتلة ناخبة جديدة هي "كتلة الاوراق البيضاء" التي يبدو انها راحت تستقطب مواقف نواب من اتجاهات مختلفة ستكون الأيام الفاصلة عن موعد جلسة 31 تشرين الاول كفيلة بتحديد حجمها وتأثيرها في مجريات الريح الانتخابية إذا لم تحصل تطورات دراماتيكية اضافية غير محسوبة وهو أمر لا يمكن استبعاده اطلاقاً. والحال أنه لا يكفي ان يخرج العماد عون من خلوته والرئيس الحريري في "بيت الوسط" بخطاب "رئاسي" ناجز كأن الرئاسة صارت معقودة اللواء تماماً للجنرال، بل ان أجواء التحفظ الثقيل طبعت لقاءه السريع ورئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة على رغم حرصهما على اضفاء مسحة دافئة على لقاء كسر القطيعة والتمهيد للقاء آخر لا يعرف متى تسنح فرصته وظروف تعمقهما في ملف "عهد عون" ما دام بري مسافراً غداً الى جنيف ولن يعود إلا عشية موعد 31 تشرين الاول.
بذلك بدا واضحاً ان الحريري بلغ ذروة خياره ومخاطرته باعلان تبنيه ترشيح عون، مفنداً في الكلمة المسهبة التي ألقاها في "بيت الوسط" عصراً ظروف البلاد والدوافع التي أملت عليه اتخاذ هذا الخيار ورمى الكرة بأثقالها النارية المتبقية في مرمى الآخرين ولا سيما منهم حلفاء الجنرال وأبرزهم "حزب الله". واتسمت كلمة الحريري بعرض شامل وتفصيلي لمساره ومسار "تيار المستقبل" منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري بلوغاً الى أزمة الفراغ الرئاسي واتخاذه الخيارات المتعاقبة في تبني المرشحين الأربعة، معلناً للمرة الاولى "اننا وصلنا والعماد عون في حوارنا أخيراً الى مكان مشترك اسمه الدولة والنظام واتفقنا بصراحة على ان أحداً لن يطرح أي تعديل على النظام قبل اجماع وطني من جميع اللبنانيين". واذ أعلن أيضاً "الاتفاق على تحييد دولتنا بالكامل عن الأزمة في سوريا"، أوضح ان القواعد التي "التقينا عليها ان العماد عون مرشح لجميع اللبنانيين وما نحن في صدده هو تسوية سياسية بكل معنى الكلمة". واعترف الحريري "بأنها مخاطرة سياسية كبرى لكنني مستعد ان أخاطر بنفسي وبشعبيتي وبمستقبلي السياسي ألف مرة لأحميكم جميعاً... ولو أردت ثروة لما دخلت الحياة السياسية أصلاً وأنفقت فيها كل ما ورثت دفاعاً عن حلم من أورثني". أما العماد عون فتحدث عقب لقائه الحريري عن أمنياته أن "يكون عهداً ناجحاً"، مشدداً على انه "بالحوار لا أحد يخسر". وقال: "ليست هناك اتفاقات ثنائية وثلاثية ورباعية بل اتفاق على ادارة شؤون البلد".
ولم تنسحب الأجواء الاحتفالية على لقاء عون وبري إذ لم يستمر سوى نصف ساعة اكتفى بعده عون بالقول إن "الجو جيد ونحترم رأيه، "فيما اكتفى بري بالقول: "سمعت من دولة الرئيس وسمع مني ولا يفسد الاختلاف في الود قضية". وعلم ان بري كرر لعون التزامه حضور جلسة 31 تشرين الأول لكن موقفه من رفض انتخابه لم يتبدل.
أما التطور اللافت الذي سابق اعلان الحريري تبنّيه ترشيح عون، فتمثل في اعلان الرئيس السنيورة انه سيقترع بورقة بيضاء ولن ينتخب عون. وكرّت سبحة الرافضين من كتلة "المستقبل" وشملت النواب أحمد فتفت وعمار حوري وسمير الجسر ورياض رحال، فيما أعلن نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري الذي تقدم الحضور في "بيت الوسط" الى جانب السنيورة انه لن يقترع أيضاً لعون وسيقترع بورقة بيضاء.
الحريري: منذ آب
وفي دردشة بعد يوم النشاط الطويل أبلغ الرئيس الحريري "النهار" انه "مطمئن" الى النتائج التي إنتهت اليها مبادرته بترشيح العماد عون لرئاسة الجمهورية. وقال انه لا يرى تأجيلاً لجلسة الانتخاب في 31 من الجاري "إلا اذا أرداوا ذلك" في إشارة الى ما يتردد عن مسعى لتأجيل الجلسة لتسوية العلاقة المتوترة بين الرئيس بري والعماد عون. وفي شأن العلاقة بينه وبين الرئيس بري قال الحريري ان صداقة قوية تجمعه برئيس المجلس "ولا يمكن الزعل أن يستمر بإعتبار ان لا مكان للزعل في السياسة. وإذا كان للرئيس بري أن يزعل فالأمر متعلّق بحلفائه". وأكد ان "الحليف الوحيد للنائب سليمان فرنجية هو سعد الحريري فيما لم يقدم له حلفاؤه شيئاً". وكشف انه أبلغ من يعنيهم الأمر منذ آب الماضي انه لا يستطيع الاستمرار في واقع الفراغ الرئاسي. وأعرب عن عتبه على من عارض خطوته في ترشيح عون على رغم انه كان واضحاً في إعلان منطلقاتها.
الرئيس السنيورة الذي أعلن بعد المؤتمر الصحافي للحريري عن معارضته لترشيح عون، صرح لـ"النهار" بأنه يجب إنتظار موقف الطرف الآخر في الفترة الفاصلة عن 31 من الجاري. وأفاد انه لا يزال يرى "سنونوة واحدة فقط فيما المطلوب أكثر من سنونوة لكي نتحدث عن الربيع".
كذلك صرّح وزير الداخلية نهاد المشنوق لـ"النهار" بأن فريق "المستقبل" حمل ليل أمس الى لقاء الحوار مع "حزب الله" في عين التينة خطاب الرئيس الحريري. وشدد على ان المساعي ستتواصل حتى موعد جلسة الانتخابات الرئاسية لكي تصل الى نتائجها المرجوّة. وبعد انعقاد الجولة الـ35 للحوار بين "المستقبل" و"حزب الله" ليلاً صدر بيان جاء فيه: "تم البحث في المستجدات السياسية، وأكد المجتمعون حرصهم الكبير على استمرار التواصل بين جميع الأطراف لتحقيق تفاهمات وطنية جامعة".
الأمم المتحدة
ومن نيويورك كتب مراسل "النهار" علي بردى انه عشية صدور تقريره الجديد عن تنفيذ القرار 1559 وفي ضوء تبني الرئيس الحريري ترشيح العماد عون لرئاسة الجمهورية، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي - مون أنه يواصل تشجيع الزعماء السياسيين في لبنان على "اتفاق مساومة بهدف انهاء الأزمة الدستورية والسياسية في لبنان". وقال ديبلوماسي في مجلس الأمن إن أعضاء المجلس "يراقبون عن كثب" التطورات السياسية "المثيرة للإهتمام" في لبنان.
وسألت "النهار" الناطق بإسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك عن تعليقه على التطورات الأخيرة، فأجاب بأن "المنسقة الخاصة للأمين العام في لبنان سيغريد كاغ لا تزال منخرطة عن قرب مع كل أصحاب المصلحة في شأن ايجاد حل للجمود السياسي"، مشيراً الى "أنها تجتمع على أساس متواصل مع الزعماء السياسيين". وأضاف أن "مشاوراتها تركز على الحاجة الى ضمان الصدقية والجدوى من أي مقاربة لحل الأزمة". وأضاف أن "الأمين العام، طبقاً لما يدعو اليه مجلس الأمن في بيانه الرئاسي لهذا الصيف، يواصل التشجيع على اتفاق تسوية بهدف انهاء الأزمة الدستورية والسياسية في لبنان".