هكذا وبجملة واحدة، أجهض سعد الحريري "المؤتمر التأسيسي". خسرت "الشيعية السياسية" فرصة استثمار دماء 10 آلاف شاب شيعي، سقط نحو ربعهم في الحرب السورية، وأصيب الباقون بإعاقات متفاوتة. واستطاع الحريري، دون أن يكلّف الطائفة السنية قطرة دم واحدة، هو المفلس مالياً، والذي لم يدفع لأيّ من موظفيه قرشاً منذ أكثر من عام، استطاع، وبجدارة، أن يحافظ على "الطائف" لستّ سنوات آتية، على الأقلّ، إذا انتُخِبَ ميشال عون رئيساً. الطائف بما هو تسوية جعلت "السنّة" في لبنان الطرف الأقوى في النظام، بصلاحيات واسعة، مقابل تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية، وترك رئيس مجلس النواب، تقريباً بلا صلاحيات تُذكر.
إستطاع سعد الحريري أن يقطع الطريق على المؤتمر التأسيسي، وأن يصعّب مشروع "المثالثة" الذي كان، ولا يزال، حزب الله يريده لضمان "حقّ الفيتو الشيعي" في مجلس الوزراء. الفيتو الذي كان عنوانه "السلّة" و"الثلث الضامن".
بترشيح عون أخذ سعد الحريري البلاد من انتصار شيعي يبحث عن "تقريش" له في النظام والسلطة، إلى "صفقة" سنية – مارونية، استشعر الرئيس نبيه برّي خطرها باكراً جداً.
بترشيح عون فرض سعد الحريري على خصومه وحلفائه الاعتراف بمرجعية "السنّة"، الذين أخذوا "انتصارهم" في اتفاق الطائف في أكثر لحظات "النظام العربي" – أي "النظام السنّي" – قوّة، في بداية التسعينات. واستطاع "تمديد" حياة لحظة القوّة تلك ستّ سنوات على الأقلّ، رغم انهيار هذا النظام العربي – السنّي، من مصر إلى الخليج، مرورا بالمغرب وصولا إلى المشرق الذي يشهد انهيار المجتمعات وموت السياسة واندثار المدن والحواضر.
سعد الحريري، فوق ركام "السنية السياسية"، زرع بذور بقاء السنّة في لبنان الطرف الأقوى. وحوّل "النصر الشيعي" المتنقّل بين بيروت وصنعاء وبغداد والشام، إلى لحظة سنية – مارونية قد تطول، وتجعل مغامرات "الشيعية السياسية" مجداً من رماد
محمد جواد