كل المعلومات في بيروت تشير إلى أنّ الرئيس سعد الحريري سائر في خيار تبني ترشيح العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، وهو سيعلن موقفه هذا في وقت قريب، وقد باشر اتصالاته بحلفائه لوضعهم في جو قراره هذا ومن بينهم النائب سامي الجميل الذي أبلغ الحريري أنّه لا يجاريه في خياره من دون أن يكون له مرشح سيصوّت له في أي جلسة رئاسية مكتملة النصاب.

تشير أوساط سياسية مطلعة إلى أنّ للحريري قراءته الخاصة لخطوته المستجدتة باتجاه عون، وهي قراءة من صلب التطورات الإقليمية في اليمن وسوريا والعراق. يقول الحريري لقريبين منه إنّه "في ظل الخسارات المتتالية للسنّة في العراق وسوريا واليمن (حيث المعركة لم تحسم لمصلحة التحالف العربي بعد مرور شهور عدّة على انطلاق عاصفة الحزم) يمكن إيجاد معادلة حكم في لبنان تحد من مسلسل الخسارات الإقليمية للسنّة حيث ستشكّل عودته إلى السرايا الحكومية في بيروت انتصاراً ولو جزئياً للمحور المناوئ لإيران وحلفائها في المنطقة أو تحد من خسارة هذا المحور تجاه خصومه، عوض أن تترك الأمور على حالها حيث الانطباع العربي والدولي أن لبنان بات بين يدي حزب الله".

هذه قراءة الحريري التي لم يعلنها بطبيعة الحال، لكن ما صدر من تصريحات ومواقف في الشارع السني اللبناني لا يشي بحماسته لتأييد الحريري عون، بل على العكس ظهر كثير من المواقف في الأيام الماضية يعارض خيار الحريري، ولعلّ الموقف الأبرز في هذا السياق عبّر عنه الرئيس نجيب ميقاتي الذي أبلغ وفد التيار الذي زاره الإثنين بأن "هناك هوّة كبيرة جداً بين فئة من اللبنانيين وبخاصة من أمثّل (الجمهور السنّي) ومرشح التيار الوطني الحر"، مشيراً إلى أن "إطلالة تلفزيونية من هنا أو من هناك لا تكفي لإزالة التراكمات السلبية التي أنتجتها مواقفه على مدى السنوات الماضية تجاه الشارع السني". ناهيك بموقف الوزير أشرف ريفي المعارض لترئيس عون والنائب سليمان فرنجية، من دون إغفال موقف عدد من نواب كتلة المستقبل الرافض تأييد عون، إنما لا يتوقع في النهاية أن يسير هؤلاء ضدّ خيار الحريري. لكن موقف ميقاتي، وهو شديد التحفظ في السياسة ولاسيما في أمور لها ابعاد طائفية، يستحق التوقف عنده، إذ إنّ ميقاتي، الذي قال لقريبين منه إنّ "الحريري ينتحر"، يدرك جيداً مزاج الشارع السني تجاه عون، وهو عملياً يقدّم بموقفه هذا أوراق اعتماده لدى هذا الشارع. ومثله سيفعل الوزير ريفي بالتأكيد.

هذا بالنسبة إلى الموقف السني من العماد عون. أمّا الموقف الشيعي (أو بعضه على الأقل)، فهو لا يقّل سلبية، وليس أدّل من موقف الوزير علي حسن خليل الثلاثاء على ذلك. خليل قال كلاماً لا يؤخذ براهنيته فحسب، إذ تحرّكه لا شك حساسيات تاريخية للشيعة في لبنان من ظروف نشأة الكيان اللبناني في العام 1920 ونيله استقلاله في العام 1943 وقد اعتبر الشيعة أنفسهم في كلا المحطتين خارج الحدث ومستتبعين بالجماعة السياسية السنية. فخليل قال صراحة: "جبران باسيل يتحدث دائما عن الميثاقية وليس عن الوفاق الوطني يعني العودة إلى ميثاق 1943 والثنائية المارونية السنية، وهذه لن نرضى به وسنوجهها"، مشيراً في الوقت نفسه إلى أننا "سنشارك في جلسة انتخاب الرئيس وسنصوت ضد العماد عون وسنذهب إلى المعارضة وسيكون الرئيس نبيه بري أول من يهنئه بالفوز".

ثمة من يقول إنّ موقف الرئيس بري والقريبين منه عالي السقف ضدّ العماد عون لا يعني أن رئيس "أمل" لا يمكن أن يبدّل رأيه من انتخاب عون لاحقاً، لكنّه يرفع سقفه استباقاً لأي تفاوض مع الأخير بغية الاستحصال منه على أكبر قدر من التنازلات. إنّما في الحالة الشيعية هناك معطى أساسي لا يمكن لأحد تجاوزه في قراءة علاقة عون مع الشارع الشيعي. إذ إنّ تحالف حزب الله- عون راكم كثيراً من الإيجابية في العلاقة بين الجمهور العوني وهذا الشارع لأسباب محلية وإقليمية بعد الحرب السورية وتداعياتها على لبنان وفي مقدمها النزوح السوري الذي يولد قلقاً ديموغرافياً مشتركاً بين الشيعية والمسيحيين في لبنان. وبالتالي، مسعى عون لطمأنة الشارع الشيعي سيكون أسهل عليه، وبما لا يقاس، من طمأنة الشارع السني، أولاً بسبب التراكم الايجابي بين الجانبين للأسباب المذكورة أعلاه، وثانياً بسبب الدور الذي يمكن لحزب الله أن يلعبه ساعة يشاء في التقريب بين حليفيه بري وعون. لكن حتى الساعة لا يبدو أن عون يستطيع تجاوز "عقبة بري" حتى لو كان ضامناً موقف الحزب منه، خصوصاً أنّ هناك "نقزة" شيعية من الثنائية المسيحية- السنية وقد عبّر عنها خليل. ما قد يولّد انطباعاً سلبياً تجاه عون  في الشارع الشيعي المتحسس تاريخياً من هذه الثنائية، ولاسيما أنّ موقف الحزب المؤيد لعون لا ينسحب بالضرورة تأييداً لهذه الثنائية، خصوصاً أنّ الدكتور سمير جعجع شريك أساسي في هذه الثنائية.