مثلما يفترض أنّ تمثّل معركة مدينة الموصل الدائرة حاليا على أشدّها في العراق نهاية تنظيم داعش كقوّة كبيرة مسيطرة على مناطق عراقية، فإنّه يفترض أنّ تمثّل بالمقابل نهاية لدور الحشد الشعبي الذي تأسّس أصلا لمواجهة التنظيم، ووقف زحفه الكاسح صيف سنة 2014، وعَكْس الهجوم عليه لاحقا لإنهاء سيطرته على المناطق التي احتلّها.

غير أنّ الافتراض الأخير يظل إلى حدّ كبير حبيس المستوى النظري، في ظلّ وجود رغبة لدى قادة الحشد والبعض من السياسيين المتحالفين معهم، بعدم التفريط في هذه القوّة الكبيرة التي يمكن استخدامها في “معارك” أخرى غير عسكرية بالضرورة، على رأسها المعركة السياسية للإمساك بزمام السلطة، خصوصا وأنّ نهاية معركة الموصل ستصادف بدء المسار نحو المعركة الانتخابية التي تبدأ الربيع القادم بانتخابات مجالس المحافظات، كمحطة أولى باتجاه المحطة الأهم؛ الانتخابات النيابية في الربيع الذي يليه.

غير أن الدور السياسي المحتمل للحشد سيجعله، هذه المرّة، في مواجهة مع أطراف داخل محيطه “الطبيعي” الذي انبثق من رحمه، حيث تخشى البعض من قوى الإسلام السياسي الشيعي في العراق صعودا انتخابيا لفصائل الحشد الشعبي التي تتسع قواعدها باستمرار مع مواصلة حضورها في المشهد الأمني.

وباستثناء زعيم ائتلاف دولة القانون، رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الواثق من قدرته على تجيير الحشد لمصلحته السياسية، يتجنب الكثير من الساسة العراقيين الشيعة الحديث عن أي دور سياسي لفصائل الحشد الشعبي خوفا من الإسهام في زيادة شعبيتها.

ومنذ فتوى المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني، في يونيو 2014 والتي دعت كل من يستطيع حمل السلاح إلى المشاركة في حماية بغداد التي هددها تنظيم داعش في أعقاب سيطرته على الموصل وتكريت، تشكلت مجموعات قتالية تحت عناوين مختلفة، وضمت الآلاف من الشباب، وبعضها افتتح مكاتب في بغداد والمحافظات.

ومع أن تلك المجاميع لم تفرز شخصيات سياسية كاريزمية، تحوز أخبار فصائل الحشد اهتماما كبيرا من قبل وسائل الإعلام العراقية.

وتصنف فصائل الحشد الشعبي، بحسب تقليدها العقائدي، إلى مجموعتين؛ تسمى الأولى “حشد المرجعية” لارتباطها العقائدي بمرجعية السيستاني بالنجف، وتسمى الثانية “الحشد الولائي” لموالاة فصائلها للمرشد الأعلى في إيران علي خامنئي.

فرعان داخل الحشد؛ حشد المرجعية المرتبط عقائديا بمرجعية بالنجف، والحشد الولائي الموالي للمرشد الأعلى في إيران
وفي محاولة من رئيس الوزراء حيدر العبادي تطويق انفلات هذه الفصائل بالكامل من رقابة الدولة، شكل هيئة حكومية بعنوان “الحشد الشعبي” وطالب جميع المقاتلين الذين ينشطون خارج المؤسستين العسكرية والأمنية بتسجيل أسمائهم فيها، حتى بلغ تعدادهم نحو 120 ألفا.

ويتمتع رئيس الوزراء السابق نوري المالكي بنفوذ كبير بين فصائل الحشد الولائي، وأبرزها منظمة بدر وعصائب أهل الحق وكتائب حزب الله ولواء أبوفضل العباس.

ويعول قادة هذه الفصائل على نتائج الانخراط في الحرب ضد تنظيم داعش، من أجل توسيع قواعدهم الشعبية. ويشكل هذا التوسع الشعبي تهديدا مباشرا لمعظم قوى الإسلام السياسي الشيعي في العراق.

ويوجه رجل الدين، مقتدى الصدر، انتقادات منتظمة لفصائل الحشد الولائي، ولا سيما عصائب أهل الحق، التي اعتاد على وصفها بالميليشيات الوقحة، فيما يحرص زعيم المجلس الأعلى الإسلامي، عمار الحكيم، على ذكر اسم السيستاني، في كل إشارة منه إلى الحشد الشعبي، لتمييزه عن الحشد الولائي المرتبط بإيران.

لكن قيادات الحشد الشعبي تواجه مشكلة في الوضع القانوني داخل مفوضية الانتخابات، فوفقا لقوانين المفوضية، أصبحت كل الفصائل المرتبطة بهيئة الحشد التي أسسها العبادي، تشكيلات عسكرية رسمية، وبذلك لم تعد لقادتها إمكانية الترشح في الانتخابات، ولم تعد لمقاتليها إمكانية المشاركة في الاقتراع العام، بل يسمح لهم بالمشاركة في الاقتراع الخاص بالعسكريين والأمنيين، وهو عادة ما يسبق الاقتراع العام بيوم أو اثنين.

وتقول مصادر صحيفة “العرب” في مفوضية الانتخابات، إن قيادات الحشد الشعبي لن يمكنها الترشح لأي انتخابات قادمة، ما لم تحسم وضعها القانوني، وهو ما يتطلب إعلانها التخلي عن مواقعها القيادية في فصائل الحشد الشعبي.

كما تخشى المفوضية من تصويت العناصر المنضوية في فصائل الحشد مرتين خلال أي انتخابات، مرة في الاقتراع الخاص وثانية في العام، بسبب الافتقار لقاعدة بيانات شاملة، وتعثر عمليات تحديث سجلات الناخبين، فضلا عن إمكانية الانتشار غير المسيطر عليه لتشكيلات الحشد الشعبي، في جبهات موزعة بين عدد من المحافظات.

ومن هذه الزاوية يكون الحشد الشعبي قابلا بشكل عملي لأن يكون أداة فاعلة في تزوير الانتخابات، وهي الظاهرة التي يشتكي منها الكثير من الساسة العراقيين ويطالبون بسببها بمراجعة القوانين والإجراءات الانتخابية لغلق منافذ التزوير فيها.

وأكّدت مصادر سياسية في بغداد لـ”العرب” أن أحزابا شيعية نافذة تغذي مخاوف مفوضية الانتخابات بشأن التكييف القانوني لوضع الحشد الشعبي. ومن شأن أي إجراء تتخذه المفوضية بهذا الصدد أن يقصي منافسين محتملين من دائرة الصراع الانتخابي، ما يخدم مصالح القوى الشيعية التقليدية.

وتتوقع مصادر “العرب” أن تحسم مفوضية الانتخابات الجدل في هذا الملف بعد الانتهاء من عملية استعادة الموصل، وذلك استعدادا للاقتراع المحلي المقرر العام القادم.

صحيفة العرب