يحمل الرئيس نبيه بري راية الاعتراض على وصول الجنرال ميشال عون إلى بعبدا. ورغم أنه قرر التخفيف من حدة مواقفه ضد ثنائية التيار الوطني الحر ــ تيار المستقبل، فإن مصادره تكشف أن مشكلته الحقيقية هي مع الرئيس سعد الحريري لا مع عون
عند الخامسة من بعد ظهر اليوم، سيجمع الرئيس سعد الحريري نواب كتلته، وعدداً من الشخصيات السياسية والإعلامية، في منزله في وادي أبو جميل، ليعلن ترشيح الجنرال ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية. القرار اتُّخذ، ولا عودة عنه.
هذا على الأقل ما يجزم به المقربون من الحريري الذي حرص على الاتصال بنوابه لضمان حضور العدد الأكبر منهم، على قاعدة «منع ظهور انقسام، ولأن حضور إعلان الترشيح منفصل عن وجهة التصويت». وبناءً على ذلك، يتوقع أن يحضر الرئيس فؤاد السنيورة والنواب المعترضون على ترشيح عون، «احتفالية» الحريري باختيار أحد خصومه مرشحاً لرئاسة البلاد.
على المقلب الآخر، يقف الرئيس نبيه بري في مقدّمة رافضي وصول عون إلى قصر بعبدا. أعلنها بلا أي مواربة. لكن، بحسب ما يُنقل عن رئيس المجلس وفريق معاونيه، فإن مشكلته لم تعد محصورة بجلوس عون على كرسي الرئاسة الأولى. هو صار مستعداً لتجرّع «كأس السم» هذه. في العمق، مشكلة بري الأولى باتت مع الحريري. مصادره تقول إن «استياء الرئيس برّي نابع من شعوره بأن الحريري خذله، خصوصاً أنه كان دائماً إلى جانبه، وكان أول الحريصين على مستقبله السياسي، وليس الرئيس بري من يُرَد الجميل إليه بهذه الطريقة». وذكّرت المصادر بأن رئيس المجلس قال قبل أسابيع إنه «مع الحريري ظالماً ومظلوماً، فهل تُقابَل إيجابية الرئيس بعقد اتفاقات وتسويات يرفضها، ثم الاكتفاء بإبلاغه بالنتيجة؟». وأكّدت أن «ما يحكى عن أن الحريري لا يريد إغضاب الرئيس برّي لا يعنينا، وعليه أن يبحث هو عن حلّ، واذا كان حريصاً على علاقته برئيس المجلس، فلا يذهب إلى ترشيح عون من أصله، وليُعد حساباته، ويفتح باب التفاهم على مصراعيه مع جميع الأطراف، لا أن يعقد اتفاقات جانبية ويأتي كي يفرضها علينا». ولفتت مصادر عين التينة إلى أن «كلام الحريري عن كونه مضطراً ولا خيار أمامه سوى القبول بعون رئيساً غير صحيح، خصوصاً أنه لمس من جميع من التقاهم رفضاً لوصول الجنرال إلى بعبدا. حتى سمير جعجع الذي أعلن دعم عون، قال للحريري: أنا مضطر إلى تأييد عون لأحمي ظهري مسيحياً، لكن أنت ما الذي يجبرك على ذلك؟»، مشيرة الى أن هذا هو السرّ الذي أشار بري أخيراً إلى وجوده بينه وبين رئيس «القوات».
حليف الرئيس بري، النائب وليد جنبلاط، يعبّر ــ عبر مصادره ــ عن تفهمه لموقف رئيس المجلس. وترى المصادر أن «الحريري تصرف بشكل غير سليم مع بري، وخذله». وأشارت إلى أن «المشكلة ليست في انتخاب عون، بل في ما بعد عملية الانتخاب»، متسائلة: «هل يدرك الرئيس الحريري حجم سلبيات قراره، إن انتخب عون وقرر الرئيس برّي مقاطعة الحكومة؟»، وهل سيؤلف الحريري حكومة يشارك فيها «فقط وزراء من حزب الله الذي يصنفه حلفاء الحريري في الخليج بأنه إرهابي؟ هل سيؤلف حكومة فيها إرهابيون؟»، معتبرة أن «رئيس تيار المستقبل ينتحر، لأن أحداً لن يتعرض للمشاكل مثله».
حزب الله يتهيّب الموقف. هو ماضٍ في دعمه لعون بلا تردد، لكنه «مهجوس بقوة تأثير ما يحصل على علاقته ببري. وهو أبلغ من يهمه الأمر بأنه كما لم يقبل بكسر عون أو عزله، فإنه لن يقبل بكسر بري أو عزله».
هل سيقدر رئيس المجلس على منع انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية؟ بعض المصادر في فريق 8 آذار تقول إن ثمة جهات تسعى إلى تأجيل جلسة الانتخابات الرئاسية يوم 31 الجاري، فَسحاً في المجال أمام إمكان عقد «تسوية ما» بين بري وعون. لكن مصادر أخرى تتحدّث عن أن بري، رغم قناعته بأن انتخاب عون صار مضموناً، سيسعى إلى عدم انعقاد جلسة 31 تشرين الأول، لكن بدوافع شخصية لا بطلب من أحد (وهو ما تنفيه مصادر عين التينة). وتلفت المصادر إلى أن معركة بري ستكون عند تأليف الحكومة الأولى في العهد الجديد، وتشديده على الحصول على وزارات أساسية، ولا سيما وزارتا المالية والطاقة، لعدم ثقته بالحريري وجبران باسيل في ملفي المال والنفط. وفي هذا الإطار، يبدو الحريري منفتحاً على أي صيغة تمكّنه من ترميم العلاقة مع بري، فيما يؤكد عون أن لديه ما يناقشه مع رئيس المجلس. لكن الأخير لا يبدو مرحّباً تماماً بأي مبادرة عونية تجاهه، إذ تجزم مصادره بأن أي «زيارة بروتوكولية له لم تعد تنفع». ويلمّح مقرّبون من رئيس المجلس إلى أنه يمكن أن يقرّب موعد سفره خارج البلاد من السبت المقبل إلى اليوم في رحلة لن يعود منها قبل 8 أيام.
في هذا الوقت، لا يزال جنبلاط متردّداً، فهو يريد البقاء إلى جانب برّي، وفي الوقت نفسه يشعر بالقلق من اللعبة الانتخابية في قضاء الشوف. ففي حال وقوفه ضدّ خيار عون والحريري، يهدّد العونيون بالتحالف مع المستقبل في القضاء، ما يعني خسارة حتمية له. ومن هذا المنطلق، يحاول جنبلاط أن يبقى حتى اللحظات الأخيرة في المنطقة الرمادية. ومن المنتظر أن يعقد اجتماعاً لكتلة اللّقاء الديموقراطي السبت المقبل. وبحسب مصادره، إذا لم يتغيّر شيء في المعادلة الحالية، وتبيّن أن عون سيفوز في كلّ الأحوال من دون حساب كتلة اللقاء الديموقراطي، فإن الأكيد أن النواب مروان حمادة وأنطوان سعد وفؤاد السعد، وربّما غازي العريضي، لن يصوّتوا لعون، في مقابل منح باقي أعضاء الكتلة أصواتهم له.