المشهد الرئاسي يدخل المرحلة الجدية، مع اعلان الرئيس سعد الحريري ترشيحه الرسمي للعماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية عصر اليوم من بيت الوسط في حضور اعضاء كتلته النيابية وفاعليات بيروتية وشمالية. ومعها سيدخل الاستحقاق الرئاسي مرحلة مختلفة، بعد ان انجز الحريري المطلوب منه على قاعدة «يا رب اشهد انني قد بلغت» و«رمي الطابة» في ملعب الاخرين، وتحديداً حزب الله و8 آذار، الا اذا حصل طارئ في بلد العجائب لبنان، ادى الى تأجيل الاعلان مع تبدل الاوضاع والتطورات بين لحظة واخرى.
وتشير المعلومات الى ان الرئيس الحريري حسم أمره وانجز كلمة الاعلان التي ستركز على الاسباب التي دفعته الى السير بخيار العماد عون جراء اوضاع البلد الاقتصادية وما يجري في المنطقة وانعكاساته على لبنان، والتي باتت تتطلب انتخاب رئيس للجمهورية يعطي دفعا ايجابياً للبلد.
لكن لا يمكن الجزم بحصول الاستحقاق الرئاسي مع التسريبات والخشية من حدث امني قد يعطل الاستحقاق عبر تحركات على الارض ينتج منها احداث دموية أو عملية اغتيال لا سمح الله، تؤثر في الاستقرار اللبناني برمته، وان البلاد شهدت خلال الايام الماضية استنفاراً طائفياً ومذهبياً اظهر بأن الاستقرار «مغطى بكومة قش» والامثلة عديدة وهناك من نام رئيساً أو رئيساً للحكومة أو وزيراً واستفاق صباحاً على تطورات مختلفة أسقطت كل الاتفاقات، خصوصا ان متابعين يؤكدون استحالة حصول الاستحقاق الرئاسي في ظل الكباش الكبير في المنطقة ولبنان ليس خارجه مطلقاً.
الصورة الرئاسية ستكون مختلفة غداً، وسيبدأ الحراك الجدي، والعيون ستكون متجهة الى حارة حريك والى الدور الذي سيتولاه حزب الله لاقناع حليفه الرئيس نبيه بري بتليين موقفه، علماً ان الاتصالات لم تتوقف ولا تتوقف بين عين التينة وحارة حريك. والمشكلة أن الوقت بات داهماً جداً مع سفر الرئيس نبيه بري الى جنيف وعودته في 28 تشرين الأول، ولا يمكن خلال يومين او ثلاثة اجراء الاتصالات وحل اشكال في هذا المستوى.
ومن هنا يطرح تأجيل الجلسة الى 17 تشرين الثاني لتنقية الاجواء بين بري وعون، وعندئذ يكون التفاهم الوطني شاملا وليس ثنائياً عبر تفاهم جبران باسيل ونادر الحريري. وقد اوحى وزير الصناعة حسين الحاج حسن بإمكانية تأجيل الجلسة رغم ان العماد ميشال عون يرفض ذلك مدعوماً من حلفائه، وتحديداً من الدكتور سمير جعجع. وحسب مصدر في 14 آذار لـ«الديار» فان الدكتور جعجع نصح العماد عون بالنزول الى المجلس وعدم الدخول في استنزاف الوقت و«الارقام في مصلحتك». وهذا ما يؤكد هواجس 8 اذار، من دور الدكتور جعجع في دفع «الجنرال» الى خطوات قد توسع «الهوة» بينه وبين هذه القوى.
وفي المعلومات، ان حزب الله يعتبر وصول العماد عون الى بعبدا «فرصة» لا يجوز تفويتها في ظل الثقة بشخصه وقيادته، ووقوفه الى جانب المقاومة في اصعب الظروف واقساها، بالاضافة الى ادراك حزب الله ان الحملة على عون ليست الا بسبب وقوفه مع المقاومة، واتهامه بالانحياز الى الشيعة من خلال ورقة التفاهم في كنيسة مار ميخائيل.
وفي المعلومات ان سماحة الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله قد يجمع الرئيس بري والعماد عون في حارة حريك، وقد يلتقي الرئيس بري فور عودته باجتماع ثنائي. ومن الممكن ايضاً ان يلتقي بالعماد عون قبل 31/10/2016 ويشجعه على فتح الخطوط مع الرئيس بري والنائب سليمان فرنجية وحتى مع النائب وليد جنبلاط، والوصول معهم الى تفاهم وطني شامل، خصوصاً ان حزب الله ملتزم بترشيح ودعم العماد ميشال عون الى بعبدا، لكن اتفاق باسيل ونادر الحريري لا يعنيه ولا يلزمه بشيء مطلقاً، وحزب الله لن يشارك بحكومة لا يشارك فيها الرئيس بري، ولا يمكن ان يذهب للانتخابات ورئيس المجلس في صف المعارضة، وربما توصل حزب الله الى حلول. لكن ذلك لا ينفي ولا يلغي الدور الذي يجب ان يؤديه عون في طمأنة الرئيس بري والطائفة الشيعية في ظل سيل من التسريبات عن توافق شبه كامل بين جبران باسيل ونادر الحريري على اسماء الوزراء جميعا وقيادة الجيش والمديرين العامين واعطاء حقيبة سيادية للقوات اللبنانية وحصر التمثيل المسيحي بهما، وان مصدراً نيابياً في تيار المستقبل كشف لـ«الديار»، ان الوزير جبران باسيل سيكون مستشاراً للعماد عون، بصلاحيات كاملة، وايلي الفرزلي لوزارة الخارجية وسليم جريصاتي لوزارة العدل. حتى ان مصادر نيابية تؤكد ان جبران باسيل سيكون «رئيس الظل» وبالتالي لا يمكن ان يكون جبران باسيل ونادر الحريري من يصنعان الرؤساء في لبنان والرئيس بري «مغيب» ويعرف بتفاصيل ما جرى بالواسطة، ومن وسائل الاعلام.
ورغم كل هذه الصورة الضبابية، فان الاجواء في الرابية مغايرة بالمطلق، والعماد عون بات رئيساً للجمهورية في نظر قيادات التيار، وبعضهم بدأ بترتيب اوراقه للانتقال الى بعبدا مع الجنرال، وتوزيع المسؤوليات والمستشارين الذين بدأوا يضعون العناوين  الاساسية لخطاب القسم. وفي المقابل فان الرئيس بري انجز ايضاً خطاب «التهنئة» لرئيس الجمهورية الجديد في جلسة 31/10/2016 بغض النظر عن الاسم، مع تجديد موقفه انه لن يصوت للعماد ميشال عون وسيكون في المعارضة.
اما بالنسبة لاحزاب 8 اذار، وتحديداً حزبي البعث والقومي واللذين اعلنا دعمهما للنائب سليمان فرنجية، فان المعلومات تؤكد انهما لن يخرجا عن موقف حزب الله اذا حسم موعد الجلسة الرئاسية في 31/10/2016، ولن يعرقلا وصول العماد ميشال عون، خصوصاً اذا كان وصوله بات محسوماً، حتى ان قوى في 8 اذار تجزم أن الحديث ما زال ممكنا مع النائب سليمان فرنجية، مع تحميل العماد عون مسؤولية تدهور العلاقة مع بنشعي وكل الامور ليست مقفلة. وتشير الى ان العماد عون تجاوب مع تمنيات حزب الله فلم يقاطع الجلسة التشريعية ووافق على تشريع بنود مالية. واستتبع ذلك بتصريحات لنواب عونيين حمل ايجابيات تجاه الرئيس بري والنائب سليمان فرنجية ووقوف العماد عون على خاطرهما بعد اعلان الحريري للترشيح، حيث سيبدأ عون تحركاً شخصياً باتجاه الجميع ولن يستثني احداً.
هذا في المقلب العوني، اما احوال تيار المستقبل فليست افضل حالا في ظل قرار عدد من النواب، قد يصل الى 5، برفض التصويت للعماد عون، والاقتراع بورقة بيضاء. لكن النائب خالد ضاهر اعلن التصويت لعون، فيما الرئيس فؤاد السنيورة، الذي يقود تحركاً في الظل لعرقلة خيار عون عبر اجتماعات مع الوزير بطرس حرب والنائب مروان حمادة، اعطى وعداً للحريري بعدم الخروج عن موقفه ولن يساهم في اضعافه.
وتبقى الانظار متجهة الى اللواء اشرف ريفي، وماذا سيفعل؟ وكيف سيتحرك وسيواجه قرار سعد الحريري؟ مع اشارات الى أن وزير العدل سيدعو الى تحركات شعبية في مناطق الشمال والبقاع رفضا للقرار ومعتمداً على القاعدة الشعبية لتيار المستقبل الرافضة للقرار. واذا تمكن الوزير ريفي من النجاح في اعتراضاته الشعبية عبر المشاركة الكثيفة، فسيشكل ذلك مأزقاً حقيقياً للرئيس الحريري على ابواب الانتخابات النيابية، خصوصاً انه لا يمكن للمستقبل «القفز» او «تجاوز» حالة الوزير ريفي الشعبية في الشمال والبقاع وصيدا.
الايام المقبلة ستوضح الصورة الضبابية، وستنقشع الامور، لكن الاستحقاق الرئاسي دخل للمرة الاولى منذ الفراغ الرئاسي مرحلة جديدة وجدية بغض النظر اذا كان سيحصل الانتخاب في اواخر الشهر او يتأجل لأسابيع، وربما التأجيل يجر التأجيل ويتكرر السيناريو الحالي.