ربما نجحت تفاهمات التيار الوطني الحر أخيراً بإحراز أغلبية قادرة على إيصاله لرئاسة الجمهورية، وهو الذي كان غير قادر على إحراز مثل هذه النسبة منذ ما قبل ثلاثة أشهر، عندما كان الوزير السابق سليمان فرنجية مرشحاً وحيداً عند الحريري، فما الذي تغيّر وكيف جيّرت أكثرية فرنجية أكثرية لعون بمجرد مشاورات الحريري حول اسم العماد عون لوصوله لرئاسة الجمهورية؟
حظي الوزير فرنجية بالمرحلة السابقة بتأييد رئيس مجلس النواب نبيه بري رئيس حركة أمل بأعضائها وأصواتها والرئيس سعد الحريري زعيم كتلة المستقبل وبتأييد مفترض من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط دون ان يتمكّن من الحصول على تأييد حزب الله له في معركة رئاسية أرادها الحزب علنية وثابتة وواضحة بدون مواربة، فمرشحه كان وبقي رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون.
لم يتحدّ الرئيس بري حينها حزب الله ولم يرفع السقف فيتوجه نحو مجلس النواب لحسم ملف الرئاسة الذي تعطل لأكثر من سنتين لعدم وجود توافق على رئيس قادر على الحكم بشكل يجلب للبنان الاستقرار والقرار في لحظة اشتعال المنطقة، بل أخذ بري الحيطة والحذر بهذا الملف، معتبراً أنّ تخطي الحليف الشيعي في مسألة حساسة من هذا النوع غير واردة.
يتكرّر مشهد الإحراج الذي وقعت فيه الثنائية الشيعية في فترة ترشيح الحريري لفرنجية حتى قبل إعلان الحريري ترشيحه الرسمي لعون الذي أكدت مصادره أنه بصدد الإعلان عنه قبل يوم الجمعة المقبل، فيوضح بري موقفه الحاسم مجدّداً «نريد ضمانات سياسية حول المرحلة المقبلة».
مصادر متابعة لأجواء الحريري تؤكد ارتباك الحريري لحظة إعلان المعاون السياسي للرئيس بري علي حسن خليل موقف بري علناً الذي يبدو منسقاً قبل إعلان المستقبل ترشيح عون رسمياً، والذي أعلن فيه بري عبر خليل أنّ كتلته ستصوّت لفرنجية وتنتقل للمعارضة، معتبراً انّ هذا الإعلان وحده وضع الحريري أمام مسؤولية من نوع آخر، فالأخير ليس مرتاحاً لمعارضة بري ولا لوضعه في هذا المكان. ويضيف المصدر: «إنّ أحداً غير قادر على فسخ علاقة بري بالحريري او تعريضها لاهتزاز تتمناه بعض القوى. فتاريخ الرجلين حافل بالمحطات الوطنية الثنائية على الساحة المحلية. وعلى هذا الأساس لا يجب النظر فقط للخلاف اليوم من جانب واحد. فالرئيس الحريري ايضاً في موقف لا يُحسد عليه بمجرد مجاهرة بري بمكنوناته بعدما كان المستقبل قد تأمّل أن يتغيّر هذا الموقف بالساعات الماضية.
من جهته يؤكد مصدر بارز في 8 آذار انّ فكرة نزول حزب الله الى مجلس النواب للتصويت بدون حركة أمل والتوافق مع الرئيس بري غير واردة والتعويل اليوم هو على ما ستنتجه مساعي حزب الله نحو العماد عون من أجل التوصل لحلّ يرضي الرئيس بري وعون في الوقت ذاته، والا فإنّ فشل المساعي «لا سمح الله» لن يسبّب حرجاً عند حزب الله بوجه عون، خصوصاً عندما تتعرّض المصلحة المحلية داخل الطائفة الشيعية لخطر الانقسام، ولا أعتقد انّ الامور ستصل الى هنا، أو أنّ العماد عون يرغب في ايّ مواقف تضع تحالف حزب الله وحركة امل للانشقاق، وهو أخطر ما قد يتعرّض له داخل الصف الواحد، ويختم المصدر «انّ العماد عون رجل تفاهمات…».
وسط هذه الاجواء هرع المتضامنون مع الرئيس بري وموقفه في ما يشبه الموقف السياسي المتفهّم لمطالبه للتعبير عن موقف واضح أيضاً من مسألة تخطي بري، أبرزهم وفد بارز للحزب التقدمي الاشتراكي في عين التينة يرأسه تيمور وليد جنبلاط الذي مثل والده ونواب ووزراء من الحزب فيما بدا إشارة الى انّ جنبلاط لن يترك بري، وأنّ الإبقاء على التواصل بين عين التينة والمختارة هو أساس المرحلة. وهنا قد يكون العماد عون ومعه الرئيس الحريري قد وقعا في مأزق آخر يتمثل بموقف جنبلاط غير المستعدّ لتخطي بري. وهو على ما يبدو قراراً سيأخذ الأمور كلها نحو منافذ جديدة.
لا يبدو العماد ميشال عون مستعداً لفتح أيّ باب من ابواب الصدامات مع الأفرقاء، وهو ليس بصدد نسف إنجازاته الوطنية والتفاهمات التي نسجها للاصطفاف وراء الموقف المسيحي الذي يحجمه متجاهلاً الموقف الشيعي والدرزي الذي أوحته الزيارة مساء بشكلها ورسائلها معاً. وعلى هذا الاساس تبدو الأمور في تحسّن مستمرّ اذا ما تمّ الاتفاق على مبدأ عدم أخذ الامور نحو حافة الهاوية ومبدأ عدم إحراج حزب الله أكثر، وإلا فانّ العملية ستبدو مشروعاً بكلّ ما للكلمة من معنى يبتغي شق حزب الله عن تحالفاته الشيعية والمسيحية معاً. وهذا ما لا يبدو حتى اللحظة.
رسالة جنبلاط الليلية أرخت بدورها شيئاً من الراحة على حارة حريك التي لم تعُد محرجة بمسألة دعم الحليف الشيعي، بل باتت قادرة أكثر على التفاوض مع عون بشكل يحوّل المسألة الى ضرورة تعاون وطني لإنجاز الاستحقاق قبل أن تفقد البلاد فرصة ذهبية كهذه لوصول عون للرئاسة والبتّ في الاستحقاق بشكل نهائي بعيداً عن الاصطفافات والتشنّجات.
روزانا رمّال