قرار الرئيس سعد الحريري ترشيح النائب ميشال عون لرئاسة الجمهورية صار محسوماً. أبلغ كتلته وحلفاءه والنائب سليمان فرنجية بهذا القرار، فلم يبقَ سوى الإعلان. وبذلك، بدأت القوى السياسية تتعامل مع تبعات القرار كما لو انه أُعلن. واولى هذه التبعات، التشقق الذي أصاب التحالفات

 

فعلها الرئيس سعد الحريري. عملياً، أعلن ترشيحه العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية. فهو أقدم على أهم الخطوات التمهيدية لإعلان الترشيح: أبلغ كتلته النيابية قراره دعم عون. اعتذر عن عدم الاستمرار في تأييد النائب سليمان فرنجية، وبعث بالرسائل اللازمة إلى الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط بأن خياره استقر على انتخاب عون رئيساً.

وكان من المنتظر أن يعلن موقفه اليوم، من منزله في وادي أبو جميل، في خطاب متلفز، بحضور عشرات الشخصيات السياسية. إلا أن تزامن اليوم مع الذكرى الرابعة لاغتيال اللواء وسام الحسن حال دون ذلك، فأرجأ الحريري خطوته أياماً معدودة. لكن المفاعيل السياسية لما سيقوم به باتت حاضرة، وبقوة. في الواقع، تشققت التحالفات السياسية.

 

أبلغ دليل على ذلك هو رفض الرئيس بري أمس استقبال الحريري. فقد علمت «الأخبار» أن الأخير طلب موعداً للقاء بري، فقبل الأخير. لكن بعد وقت قصير، وصلت إلى رئيس تيار المستقبل رسالة من رئيس المجلس النيابي تقول: «إذا كنت تريد أن تبلغني أنك سترشّح عون، فلا داعي للقائنا. استقبِل علي (حسن خليل) لتناقشه بما تشاء». وبالفعل، زار خليل الحريري، وسمع منه تأكيداً لنيته ترشيح عون، لأنه «مزروك ولا خيارات عندي». أما خليل، فقال للحريري: أنت تقوم بخطوة في المجهول؛ فلا السعودية موافقة، ولا الفرنسيون ولا الأميركيون. وأضاف أن كتلة التحرير والتنمية لن تصوّت لعون، وغير ملتزمة أيضاً بتسمية الحريري أو أي مرشح آخر لرئاسة الحكومة. كذلك فإن بري لن يكون معنياً بتسهيل تأليف حكومة عهد عون.
النقاشات بدأت إذاً تتمحور حول ما بعد انتخاب الرئيس. الأكثر عرضة للإحراج هو حزب الله. صحيح أنه حصّل ما أراد، لناحية تنازل الحريري، ومن خلفه السعودية، عن ترشيح سمير جعجع وعن خيار الرئيس التوافقي، ثم تسمية النائب سليمان فرنجية، قبل الرضوخ في النهاية لمطلبه بدعم وصول عون إلى بعبدا، لكنّ حليفَيه الرئيسيين، حركة أمل والتيار الوطني الحر لا يسهّلان عليه مهماته، وأولاها تلك المتصلة بمحاولة رأب الصدع بينهما، رغم الأعباء الكبرى التي يتحمّلها، أمنياً وسياسياً. والسجال غير المباشر بين الحليفين يصعّب مهمة الحزب. بري يحذّر ممّا يراه عودة الحريري وعون إلى ميثاق عام 1943. وكلام معاونه الوزير علي حسن خليل من مجلس النواب أمس، عن رفض الثنائيات وعن توجّه بري إلى معارضة عون وعهده، كان واضحاً في هذا المجال. فردّ تكتل التغيير والإصلاح بعد اجتماعه الأسبوعي بقسوة، رافضاً اتهامه بإقامة ثنائية مارونية ــ سنية. واستوجب بيان التكتل توضيحاً من خليل ومن المكتب الإعلامي لبري، نفيا فيه أن يكون وزير المالية قد أتى على ذكر «الثنائية السنية ــ المارونية».
في هذا الوقت، بدأت أمس مساعٍ خلف الكواليس، لمحاولة تأجيل جلسة الانتخاب المحددة يوم 31 تشرين الاول إلى السابع عشر من الشهر المقبل، إفساحاً في المجال أمام توسيع مروحة التوافق على عون، وسعياً إلى التخفيف من حدة معارضة الرئيس بري للتسوية الرئاسية. مصادر بري ترد بحيادية: الجلسة قائمة، وإذا تأمن النصاب فستُعقَد. وإذا لم يتأمّن، فستُرجأ إلى موعد لاحق. لكن رفض التأجيل يصدر عن الحريري وعون.


فهما يريان أن الظروف مؤاتية حالياً لانتخاب عون، ولا داعي للتأجيل الذي قد يسمح للبعض بإفشال المسعى الرئاسي. ونفت مصادر بارزة في التيار الوطني الحر وجود أي طرح بإرجاء انتخاب الرئيس الى ما بعد جلسة 31 الشهر الجاري، «وما دامت ظروف النجاح متوافرة فلماذا نتراجع؟». وقالت المصادر لـ»الأخبار» إن «الحريري فعلها» بإبلاغ أعضاء كتلته النيابية وبقية الأطراف السياسية نيته دعم ترشيح عون، «وكل الكلام والتهويل بالثنائيات وبالحرب الأهلية لن ينفع في تغيير ذلك». وذكّرت بـ»أننا اتُّهِمنا عندما وقّعنا التفاهم مع حزب الله بأننا في صدد إقامة ثنائية مسيحية ــــ شيعية، ودفعنا ثمن ذلك تعميقاً لشعور خاطئ لدى الجمهور السنّي تجاهنا. واليوم، لن تنجح كلمات عن ثنائية مسيحية ــــ سنية في خلق عداء بيننا وبين الجمهور الشيعي، وما تحقق في سنوات لا يمحوه موقف». وفيما علّقت على توضيح وزير المال لتصريحه في المجلس النيابي بأن «الرجوع عن الخطأ فضيلة»، أكّدت «أننا سنعمل كل واجباتنا مع الرئيس بري، ونحن بادرنا تجاهه منذ البداية، ومن واجبنا أن نبادر أكثر لمحاولة إقناعه بدعمنا». وعن إعلان بري أنه سيكون في المعارضة، أجابت: «بعد بكّير».
كذلك ينتظر حزب الله صدور الموقف العلني عن الحريري بتأييد عون، ليبدأ مسعاه لجمع كلمة حلفائه، أو على الأقل تخفيف اعتراضهم. وبحسب مصادر في 8 آذار (من خارج حزب الله)، فإن الحزب ملتزم بوصول عون إلى بعبدا، لكنه غير ملزم بما اتفق عليه عون مع الحريري، وخاصة لناحية تكليف رئيس للحكومة وتأليفها. وجزمت المصادر بأن الحزب لن يشارك في أي حكومة يقاطعها الرئيس بري، «ومن عطّل تأليف الحكومة 8 أشهر و13 شهراً بهدف ضمان حقيبة لجبران باسيل، لن يشارك في حكومة من دون حركة أمل، ولو أدى ذلك إلى تعطيل البلاد لسنوات».
ومن المنتظر أن يشهد المجلس النيابي اليوم أولى خطوات العونيين الإيجابية تجاه بري، من خلال مشاركتهم في الجلسة التشريعية مع حلفائهم الجدد في القوات اللبنانية، رغم أن رئيس المجلس تعمّد وضع قانون الانتخاب الذي يطالبون بإقراره في أسفل جدول الأعمال. ويرى العونيون أن خطوتهم هذه تمثّل اعترافاً بشرعية المجلس النيابي. وكان الملف الرئاسي قد طغى أمس على الأجواء التي سبقت انعقاد جلسة انتخاب اللجان النيابية وهيئة مكتب مجلس النواب، في ظل حضور 93 نائباً. وكما لم تقدم تصريحات النواب أي جديد يُذكر، كذلك كانت أجواء الجلسة، إذ لم يطرأ على هيئة مكتب المجلس ولا اللجان سوى تغييرات طفيفة، في ظل انضمام النائب أمل أبو زيد إلى المجلس، وقبول استقالة النائب روبير فاضل، بعدما فشل برّي في إقناعه بالعدول عن هذا القرار. وكانت جلسة أمس التي لم تستمر سوى أقل من نصف ساعة «بروفا» للجلسة التشريعية اليوم، بعدما تسلّم النواب جدول أعمال مليئاً باقتراحات القوانين المالية (راجع صفحة 8)، وباقتراحات ومشروع قانون الانتخابات النيابية.