الرئيس سعد الحريري يُعلن، لن يعلن، سيعلن...يفكّر أن يعلن، أنجَز بيانه ليُعلن... على وقع هذه الفرضيات وهذا التخبّط تحرّكَ البلد في الساعات الأخيرة الماضية. لا شكّ في أنّ الحريري قد اتّخذ قراره، ويبدو أنّ البلد قد دخل في مرحلة العدّ التنازلي. إلّا أنّ السؤال: ماذا بعد أن يُعلن الحريري ترشيحَ رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» لرئاسة الجمهورية؟ كيف سيكون مشهد البلد؟ وهل سينتقل الإعلان مباشرةً إلى التنفيذ العملي إلى مجلس النواب، أم أنّ البلد سيدخل في مرحلة جديدة من الأخذ والردّ، خاصة مع ارتفاع المتاريس السياسية بين ضفّتَي المؤيّدين والمعارضين لترشيح عون،؟ ولعلّ السؤال الأبرز يبقى حول دور «حزب الله» ما بعد الإعلان. هل سيبقى على صمتِه أم أنه سيُشغّل محرّكاته السياسية والتوفيقيّة بين الرابية وعين التينة؟ والأهمّ، هل سينجح في التقريب بين حليفَيه؟ وماذا لو فشلَ في ذلك؟
لن تحجب الجلسة التشريعية اليوم وهج انتظار المكوّنات السياسية لإعلان الحريري ترشيح عون لرئاسة الجمهورية الذي لم يتخلّ و»القوات اللبنانية» عن تفاؤلهما بموعد قريب لهذا الترشيح.
لكنّ «الجمهورية» علمت انّ الحريري لن يعلن اليوم تبنّي ترشيح عون وأرجأه إلى مساء غد الخميس، حيث يرجّح ان يزور عون «بيت الوسط» ومن ثمّ يعلن الحريري امام كتلة «المستقبل» الترشيحَ مباشرةً في حضور عون. ولم تستبعد المعلومات ان يكون تكتّل «التغيير والإصلاح» حاضراً خلال إعلان ترشيح رئيسه.
الأجواء المحيطة بحركة الحريري وكلّ مَن شَملتهم المشاورات خرَجوا بقناعة أنّه حسَم موقفه وينتظر ساعة الصفر. وهذه الحركة الحريرية جاءت متناغمة مع الأجواء التفاؤلية العالية المستوى في الرابية.
فيما لوحِظ انّ حركة مشاورات تجري على الخطوط الأخرى ومحورُها عين التينة. وتقول المصادر في هذا المجال إنّ الرئيس بري قد بدأ فعلاً بتجميع الأوراق الاعتراضية لِما تسمّيها أوساطه «معركة المواجهة» ضد هذا الترشيح.
وإذا كانت حركة رئيس «اللقاء الديموقراطي» قد جاءت بما يشبه محاولة لإطفاء مسبَق لفتيل التوتير السياسي المتصاعد على الخط الرئاسي فإنّ تغريداته، وخصوصاً الأخيرة التي قال فيها « يبدو أنّ الفرج قريب» بدت وكأنّها حاسمة للإعلان، مع انّ اللقاء الذي جمع نواب كتلته وابنه تيمور مع رئيس مجلس النواب نبيه بري سادته قراءة مشتركة لحساسية الوضع ودقّته التي تتطلّب عناية كبرى من كلّ العاملين على الخط الرئاسي، على حدّ قول مصادر مطلعة.
وعلمت «الجمهورية» انّ اللقاء الذي جمع الحريري بنواب كتلة اللقاء الديموقراطي تخلله عرض من الحريري لكلّ التفاصيل والأسباب التي أوجبَت عليه الذهاب إلى قرار ترشيح عون، فيما سمع من النواب تمنيات بأن تكون الخطوات مدروسة وخاصة مع بري، مع الأخذ في الاعتبار أن تكون التسوية الرئاسية المرتقبة تسوية شاملة لا تستثني أحداً.
من جهة أخرى، علمت «الجمهورية» انّ اللقاء بين الحريري وتيار «المردة»، وخلافاً لِما أشيعَ، كان هادئاً جداً وقدّم خلاله الحريري مبرّراته التي استنَد إليها لأخذ قراره وأبلغَ النواب أنّه وصَل إلى القرار الصعب، والدافعُ إلى ذلك «الخوف على البلد» من الاستمرار في الحالة التي يتخبّط فيها، وإنّ الضرورة الوطنية تحتّم إنقاذ البلد وإنهاء حالة الشغور.
في المقابل، سَمع الحريري من الوفد تأكيداً بأنّ فرنجية مستمر في ترشيحه ولن ينسحب من هذه المعركة، وأوصَل نواب «المردة» رسالة تؤكّد له «هذا قرارك أمّا نحن فمستمرّون في المعركة». واللافت انّ الاتصالات التي يجريها الحريري لا تبدو انّها مشاورات لاستمزاج الآراء بل هي أشبه بلقاءات «تبليغيّة» وتبريرية للقرار الذي سيتّخذه.
مهمّة الحريري ليست سهلة في الساعات الأخيرة التي تسبق إعلانه ترشيح عون، فهو سلك مساراً صعباً لا يخلو من العراقيل والضغوط الداخلية والخارجية، وفق مصدر وزاري، ولا يبدو انّه سيتراجع بل ماضٍ في هذا الاتجاه رغم عدم وضوح أمرين: الأوّل طبيعة الدعم الذي يتلقّاه ومداه، والثاني هل سيكون هذا الدعم كافياً لفوز عون في الرئاسة؟
محاذير
لكنّ بعض المحاذير تشكّلت لدى لحريري من سلسلة معطيات، وهي:
أوّلاً، بات الحريري مقتنعاً بأنّ جبهة معارضة تشكّلت ضد انتخاب عون، وهذا ما عكسَه موقف للرئيس فؤاد السنيورة أمس قال فيه: «لست قائد الجبهة ضد وصول العماد عون إلى الرئاسة»، ما يؤكّد وجود مثل هذه الجبهة، وخصوصاً أنّ تمسّك رئيس تيار المردة سليمان فرنجية بترشيحه يأتي من هذا الباب.
وكان قد سبَقه موقف لوزير المال علي حسن خليل أكثر وضوحاً، قال فيه: «إنّنا سنشارك في جلسة انتخاب الرئيس وسنصوّت ضد العماد ميشال عون وسنذهب الى المعارضة وسيكون الرئيس نبيه بري أولَ من يهنّئه بالفوز، ونحن أمام ثنائية سنّية – مسيحية شبيهة بسنة 1943 وسنواجهها».
وتابع: «نحن لا نُبلغ بنتائج التفاهمات إنّما نكون جزءاً منها». وفي هذا الكلام تحذير من صراع مذهبيّ استدرج ردّاً قاسياً من تكتّل «التغيير والإصلاح» ما قد يحمل «حزب الله» إلى التدخّل لرأب هذا الصدع الخطير. لكن خليل أوضح مساءً لـ«الجمهورية» أنّ ما تحدّث عنه لم يكن الثنائية المسيحية ـ السنّية إنّما تحدّث عن تفاهمات ثنائية سياسية من دون أن يأتي على ذكر الطوائف.
ثانياً، ما أعربَ عنه رئيس «اللقاء الديموقراطي» وليد جنبلاط بتغريدة عبر «تويتر» لمّح فيها إلى انّ أصوات كتلته قد لا تصبّ في مصلحة عون وحده، معتبراً «أنّها كتلة نيابية متنوّعة من حزبيين ومستقلين وأصدقاء، لها رأيها إلى جانب رأي رئيسها».
ثالثاً، لا يعرف الحريري حتى الآن حجم التمرّد الذي قد تشهده كتلته النيابية وخصوصاً أنّ رئيس هذه الحركة هو السنيورة. وهذا التمرّد لم يكن له وجود لو توفّرَ دعم سعودي لخطوة الحريري، بل ثمّة معطيات تشير إلى عدم وجود غطاء سعودي أو مصري لها.
ولم يتّضح ما إذا استحصل الحريري على ضمانات لتولّيه رئاسة الحكومة في العهد الجديد. ولفتَت المصادر إلى انّ اجتماع كتلة المستقبل كان عاصفاً في جانب منه، عندما تجدّد الانقسام من موضوع تزكية عون وتقدّم الرئيس السنيورة بمواقفِه الرافضة لتسمية عون ومعه بعض من نواب الشمال وعكّار، وهم الى جانب العديد من النواب السنّة الرافضين وفي مقدّمهم الرئيس نجيب ميقاتي والنائب احمد كرامي وقاسم عبد العزيز وأحمد كبارة.
ولا تقلّ مهمّة عون صعوبة عن مهمّة الحريري، ومِن العقبات الكبرى إمكان تسوية الوضع مع الرئيس بري الذي رفضَ أمس استقبالَ الوزير باسيل للبحث في شؤون الاستحقاق، وهو ما يدلّ على صعوبة ترميم العلاقة بينهما.
وفي هذا الإطار قالت المصادر لـ«الجمهورية» إنّ البوانتاجات التي نشَطت أمس في بعض الماكينات الانتخابية الرئاسية في ضوء ما هو معلن من مواقف ومعلومات عن توجهات الأطراف كافة، توغّلت في الحديث عن انشقاقات في كتلة «المستقبل» واحتمال أن يصابَ «اللقاء الديمقراطي» بالعدوى عينِها، وهي مفروزة بين نواب «الحزب التقدمي الإشتراكي» الملتزمين وحلفائه أعضاء «اللقاء الديمقراطي» في ضوء بعض المواقف المبدئية لبعض أعضائهما، ومنهم النائب مروان حماده.
«الكتائب»
وكشفَ مصدر كتائبي لـ«الجمهورية» أنّ الحريري أبلغَ «الكتائب» رسمياً قرارَه المضيّ «بتزكية ترشيح عون» في اللقاء الذي سيشهده بيت الوسط عندما سيزور العماد عون الحريري، وأنه من الضروري ان يلتقي رئيس الحزب النائب سامي الجميّل، فكان الرد عليه انّ رئيس الحزب هو خارج لبنان وهو سيَزوره فور عودته الى بيروت في الساعات المقبلة مرحّباً بالدعوة للتشاور في المرحلة المقبلة وما يمكن ان تؤدي اليه.
بيت الوسط
وكان «بيت الوسط» قد تحوّلَ خليّة نحل أمس، إذ زاره فجأةً عصراً الوزير خليل في لقاءٍ لم يدُم سوى عشر دقائق، قبل أن يخرج من دون تصريح، إضافةً إلى لقاءات للحريري مع كلّ مِن الوزير وائل ابو فاعور ثمّ الوزير ريمون عريجي والوزير السابق يوسف سعادة في حضور النائب السابق غطاس خوري، والوزير جبران باسيل.
وعلمت «الجمهورية» أنّ خليل ابلغ الحريري موقفاً رسمياً مفاده أنّ بري وكتلة «التنمية والتحرير» لن تسير معه في خياره الجديد.
وترَأس الحريري اجتماع كتلة «المستقبل» النيابية التي اعتبرت في بيان لها «أنّ المهمة المركزية والأساسية للنواب والقوى السياسية الآن هي العمل لانتخاب رئيس للجمهورية وفقاً لأحكام الدستور.» وأكدت انّ كلّ تأخير في انتخاب رئيس الجمهورية وكلّ عرقلة لعمل المؤسسات الدستورية وتحديداً لعمل مجلس النواب ومجلس الوزراء، يعرّض البلاد إلى مفاقمة الأخطار الراهنة والمحتملة على كلّ المستويات الوطنية والسياسية والامنية والمالية والاقتصادية.
عين التينة
وفي عين التينة، عقِد اجتماع بين بري والوزيرين ابو فاعور وأكرم شهيب والنائب غازي العريضي وتيمور وليد جنبلاط بحضور خليل. وأوضَح العريضي بعده أنّه تمّ استكمال النقاش مع برّي حول ما يجري في البلد، خاصة فيما يتعلق بالملف الرئاسي. ولفتَ العريضي الى انّ اللقاء الديموقراطي يتواصل مع الجميع، ولطالما كان رأيهم في جميع الظروف الحوار.
واعتبَر انّه من الأفضل للجميع ان تكون هناك تسوية وتفاهم، لأنّ البلد لم يعد يحتمل، آمِلاً التوصّل الى تهدئة الأجواء. وتوجّه العريضي الى الأفرقاء السياسيين بالقول: «خذونا في حلمكم فنحن لنا وجود في البلد ولنا دور في الشراكة».
وفي معلومات «الجمهورية» انّ زيارة تيمور ووفد الاشتراكي الى عين التينة مع بري جاء بناءً على موعد كان حُدّد سابقاً قبل التطورات الاخيرة، لكنّ اللقاء كان فرصة لمناقشة الملف الرئاسي حيث ظهرَ من موقف «الاشتراكي» انّ الحزب لا يزال متردداً في اتخاذ موقفه من مبادرة الحريري.
ومساءً نفى المكتب الإعلامي لرئيس مجلس النواب ما نشِر في بعض وسائل الإعلام من كلام منسوب لمصادره حول الميثاقية والثنائية، فهذا كلام مختلق، علماً أنّ برّي يؤكّد أنّه ملتزم بالجلسات وبحضورها ولن يقاطعها، بل إنّه سيهنّئ من يفوز.
بكركي
وأمام التطورات الرئاسية، برز أوّل موقف علني وواضح لبكركي من مبادرة الحريري، ما يعطي غطاءً مسيحياً إضافيّاً لها. وفي السياق، تمنّى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أن «تصل كل المحاولات الجارية اليوم، ومِن ضمنها مبادرة الرئيس سعد الحريري، الى خواتيمها، لِما فيه خير لبنان واللبنانيين».
وقال الراعي: «لم ألتقِ بعد بالرئيس الحريري لكنّنا نُعبّر دائماً عن التمنيات بالنجاح، لأنّه آنَ الأوان بعد أكثر من سنتين ونصف السنة أن يكون هناك رئيس للجمهورية، وأعتقد أنّه بعد هذه الفترة الطويلة يفترض أن يكون اللبنانيون قد توصّلوا الى تفاهم على الرئاسة، وآمل أن تكون الأمور قد وصَلت الى خواتيمها».
وأكد الراعي: «أسعى دائماً إلى جمعِ العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية، وهذا الأمر يعود إليهما وليس إليّ، فأنا أدعوهما وبفرح كبير إنّما هذا يعود إليهما إذا كانا يقبلان بذلك ويأخذان هذا القرار».
خيرالله
وأكّد راعي أبرشية البترون المارونية المطران منير خيرالله لـ»الجمهورية» أنه «متفائل بقرب انتخاب رئيس للجمهورية بعد الحراك الرئاسي الأخير والمبادرات التي نشهدها، وتشجيع البطريرك لهذه المبادرات».
وتمنّى خيرالله أن «نشهد عملية الانتخاب قريباً لأنّ لبنان بأمسّ الحاجة لرئيس»، داعياً إلى أن «ننتظر جلسة 31 تشرين لنرى كيف ستتّجه الأمور، لأنه «لا يمكننا أنّ نقول فول إلّا تيصير بالمكيول».
ميقاتي: لا لعون
وقال الرئيس نجيب ميقاتي لـ«الجمهورية»: لطالما نادينا بالاستقرار الداخلي وضرورة الحفاظ عليه، في ظلّ الأوضاع الخطيرة التي تعيشها المنطقة. ولطالما جهدنا لأن يبقى لبنان بمنأى عن كل ما من شأنه ان يمسّ هذا الاستقرار ويعرّض البلد للخطر.
أضاف: الآن، الضرورات تحتّم علينا، انطلاقاً من مسؤوليتنا وحِرصنا على البلد ان نطلق الصرخة مجدداً بالحفاظ على بلدنا وحمايته من كلّ ما يهدده. ومع الأسف ما يجري اليوم ينذِر بوضع لبنان في أتونِ النار وفي أزمة مفتوحة على كلّ شيء مع الأسف.
ورداً على سؤال، قال: لبنان قبل الجميع، ووضعُه لا يتحمّل أيّ مغامرات أو مجازفات، لأنّه في أمسّ الحاجة الى ما يَجمع بين ابنائه، وليس الى ما يعمّق الانقسامات فيه. فهل يستطيع عون أن يوحّد اللبنانيين؟ أبداً.
وتابَع: إنتخاب العماد عون ليس الخيار السليم الذي يمكن أن يجمع اللبنانيين وأن يكون الحكم في ما بينهم، من يظنّ أنّنا مقبلون على توحّد في ظلّ العماد عون فهو مخطئ أو مضلّل، لأنّ انتخابه سيحوّل البلد إلى متاريس سياسية.
أنا أخشى على الاستقرار لأنّ هذا الانتخاب سيَفتح البلد على مرحلة جديد وفصلٍ جديد من مسلسل الانقسامات والتوتّرات، فهل هذا ينقِذ لبنان ؟
وقال: أقول للبنانيين، الرئيس هو صمام الأمان، أنا أدقّ ناقوس الخطر، وهذه خطوة انتحارية، ونحن لا نريد ان نخسر البلد، وكلّ من يريد أن ينتحر فلينتحر لوحده، لا أن يأخذ البلد معه الى الانتحار.
وردّاً على سؤال، قال: سبقَ أن أكّدت أنّ انتخاب العماد عون يستفزّ شريحةً كبيرة من اللبنانيين، وخصوصاً من أمثّلهم، ثمّ هذه الثنائية التي بدأوا يتحدّثون عنها، الى أين ستأخذنا؟ أنا أخشى أن يقودنا هذا النهج الى السقوط في الهاوية... فهل نذبح أنفسَنا؟
جدول الأعمال
في المجلس النيابي، مرّت عملية التجديد لأعضاء ورؤساء مقرّري اللجان النيابية بسلاسة، وتمّ إدراج قانون الانتخابات النيابية على جدول الأعمال، وبذلك كفلَ رئيس مجلس النواب نبيه بري مشاركة المسيحيين من خلال كتلة «التغيير والإصلاح» و»القوات اللبنانية»، فيما قرّر حزب «الكتائب»، مقاطعة الجلسة تمسّكاً بالدستور لجهة عدم جواز التشريع في ظلّ الفراغ الرئاسي.
ماروني
وفي المواقف من الجلسة التشريعية، قال نائب كتلة الكتائب إيلي ماروني لـ»الجمهورية»: «لن نشارك في الجلسة اليوم، فموقفُنا مبدئي وثابت، وبالتالي لا تشريع في ظلّ غياب رئيس الجمهورية.
وهنا نسأل لماذا الاستعجال مع أنّ الأجواء توحي وكأنّ انتخابات رئيس الجمهورية أصبحت على الأبواب؟ كان ممكناً تفادي هذا الخَلل والانتظار لحين انتخاب الرئيس، عندها تعود الأجواء التشريعية إلى مداها ويمكن عقدُ جلسات يومية وإعلان حالة طوارئ تشريعية، ولا مبرّر عندئذ لأيّ فريق بالغياب».
كنعان في معراب
وزار النائب ابراهيم كنعان رئيس حزب «القوات» سمير جعجع، في حضور رئيس جهاز الإعلام والتواصل في القوات ملحم الرياشي، وعقدوا اجتماعاً لأكثر من ساعتين، تناولَ الملف الرئاسي والجلسة التشريعية. وقد غادر كنعان من دون تصريح.
لكنّ «الجمهورية» علمت انّ الحريري لن يعلن اليوم تبنّي ترشيح عون وأرجأه إلى مساء غد الخميس، حيث يرجّح ان يزور عون «بيت الوسط» ومن ثمّ يعلن الحريري امام كتلة «المستقبل» الترشيحَ مباشرةً في حضور عون. ولم تستبعد المعلومات ان يكون تكتّل «التغيير والإصلاح» حاضراً خلال إعلان ترشيح رئيسه.
الأجواء المحيطة بحركة الحريري وكلّ مَن شَملتهم المشاورات خرَجوا بقناعة أنّه حسَم موقفه وينتظر ساعة الصفر. وهذه الحركة الحريرية جاءت متناغمة مع الأجواء التفاؤلية العالية المستوى في الرابية.
فيما لوحِظ انّ حركة مشاورات تجري على الخطوط الأخرى ومحورُها عين التينة. وتقول المصادر في هذا المجال إنّ الرئيس بري قد بدأ فعلاً بتجميع الأوراق الاعتراضية لِما تسمّيها أوساطه «معركة المواجهة» ضد هذا الترشيح.
وإذا كانت حركة رئيس «اللقاء الديموقراطي» قد جاءت بما يشبه محاولة لإطفاء مسبَق لفتيل التوتير السياسي المتصاعد على الخط الرئاسي فإنّ تغريداته، وخصوصاً الأخيرة التي قال فيها « يبدو أنّ الفرج قريب» بدت وكأنّها حاسمة للإعلان، مع انّ اللقاء الذي جمع نواب كتلته وابنه تيمور مع رئيس مجلس النواب نبيه بري سادته قراءة مشتركة لحساسية الوضع ودقّته التي تتطلّب عناية كبرى من كلّ العاملين على الخط الرئاسي، على حدّ قول مصادر مطلعة.
وعلمت «الجمهورية» انّ اللقاء الذي جمع الحريري بنواب كتلة اللقاء الديموقراطي تخلله عرض من الحريري لكلّ التفاصيل والأسباب التي أوجبَت عليه الذهاب إلى قرار ترشيح عون، فيما سمع من النواب تمنيات بأن تكون الخطوات مدروسة وخاصة مع بري، مع الأخذ في الاعتبار أن تكون التسوية الرئاسية المرتقبة تسوية شاملة لا تستثني أحداً.
من جهة أخرى، علمت «الجمهورية» انّ اللقاء بين الحريري وتيار «المردة»، وخلافاً لِما أشيعَ، كان هادئاً جداً وقدّم خلاله الحريري مبرّراته التي استنَد إليها لأخذ قراره وأبلغَ النواب أنّه وصَل إلى القرار الصعب، والدافعُ إلى ذلك «الخوف على البلد» من الاستمرار في الحالة التي يتخبّط فيها، وإنّ الضرورة الوطنية تحتّم إنقاذ البلد وإنهاء حالة الشغور.
في المقابل، سَمع الحريري من الوفد تأكيداً بأنّ فرنجية مستمر في ترشيحه ولن ينسحب من هذه المعركة، وأوصَل نواب «المردة» رسالة تؤكّد له «هذا قرارك أمّا نحن فمستمرّون في المعركة». واللافت انّ الاتصالات التي يجريها الحريري لا تبدو انّها مشاورات لاستمزاج الآراء بل هي أشبه بلقاءات «تبليغيّة» وتبريرية للقرار الذي سيتّخذه.
مهمّة الحريري ليست سهلة في الساعات الأخيرة التي تسبق إعلانه ترشيح عون، فهو سلك مساراً صعباً لا يخلو من العراقيل والضغوط الداخلية والخارجية، وفق مصدر وزاري، ولا يبدو انّه سيتراجع بل ماضٍ في هذا الاتجاه رغم عدم وضوح أمرين: الأوّل طبيعة الدعم الذي يتلقّاه ومداه، والثاني هل سيكون هذا الدعم كافياً لفوز عون في الرئاسة؟
محاذير
لكنّ بعض المحاذير تشكّلت لدى لحريري من سلسلة معطيات، وهي:
أوّلاً، بات الحريري مقتنعاً بأنّ جبهة معارضة تشكّلت ضد انتخاب عون، وهذا ما عكسَه موقف للرئيس فؤاد السنيورة أمس قال فيه: «لست قائد الجبهة ضد وصول العماد عون إلى الرئاسة»، ما يؤكّد وجود مثل هذه الجبهة، وخصوصاً أنّ تمسّك رئيس تيار المردة سليمان فرنجية بترشيحه يأتي من هذا الباب.
وكان قد سبَقه موقف لوزير المال علي حسن خليل أكثر وضوحاً، قال فيه: «إنّنا سنشارك في جلسة انتخاب الرئيس وسنصوّت ضد العماد ميشال عون وسنذهب الى المعارضة وسيكون الرئيس نبيه بري أولَ من يهنّئه بالفوز، ونحن أمام ثنائية سنّية – مسيحية شبيهة بسنة 1943 وسنواجهها».
وتابع: «نحن لا نُبلغ بنتائج التفاهمات إنّما نكون جزءاً منها». وفي هذا الكلام تحذير من صراع مذهبيّ استدرج ردّاً قاسياً من تكتّل «التغيير والإصلاح» ما قد يحمل «حزب الله» إلى التدخّل لرأب هذا الصدع الخطير. لكن خليل أوضح مساءً لـ«الجمهورية» أنّ ما تحدّث عنه لم يكن الثنائية المسيحية ـ السنّية إنّما تحدّث عن تفاهمات ثنائية سياسية من دون أن يأتي على ذكر الطوائف.
ثانياً، ما أعربَ عنه رئيس «اللقاء الديموقراطي» وليد جنبلاط بتغريدة عبر «تويتر» لمّح فيها إلى انّ أصوات كتلته قد لا تصبّ في مصلحة عون وحده، معتبراً «أنّها كتلة نيابية متنوّعة من حزبيين ومستقلين وأصدقاء، لها رأيها إلى جانب رأي رئيسها».
ثالثاً، لا يعرف الحريري حتى الآن حجم التمرّد الذي قد تشهده كتلته النيابية وخصوصاً أنّ رئيس هذه الحركة هو السنيورة. وهذا التمرّد لم يكن له وجود لو توفّرَ دعم سعودي لخطوة الحريري، بل ثمّة معطيات تشير إلى عدم وجود غطاء سعودي أو مصري لها.
ولم يتّضح ما إذا استحصل الحريري على ضمانات لتولّيه رئاسة الحكومة في العهد الجديد. ولفتَت المصادر إلى انّ اجتماع كتلة المستقبل كان عاصفاً في جانب منه، عندما تجدّد الانقسام من موضوع تزكية عون وتقدّم الرئيس السنيورة بمواقفِه الرافضة لتسمية عون ومعه بعض من نواب الشمال وعكّار، وهم الى جانب العديد من النواب السنّة الرافضين وفي مقدّمهم الرئيس نجيب ميقاتي والنائب احمد كرامي وقاسم عبد العزيز وأحمد كبارة.
ولا تقلّ مهمّة عون صعوبة عن مهمّة الحريري، ومِن العقبات الكبرى إمكان تسوية الوضع مع الرئيس بري الذي رفضَ أمس استقبالَ الوزير باسيل للبحث في شؤون الاستحقاق، وهو ما يدلّ على صعوبة ترميم العلاقة بينهما.
وفي هذا الإطار قالت المصادر لـ«الجمهورية» إنّ البوانتاجات التي نشَطت أمس في بعض الماكينات الانتخابية الرئاسية في ضوء ما هو معلن من مواقف ومعلومات عن توجهات الأطراف كافة، توغّلت في الحديث عن انشقاقات في كتلة «المستقبل» واحتمال أن يصابَ «اللقاء الديمقراطي» بالعدوى عينِها، وهي مفروزة بين نواب «الحزب التقدمي الإشتراكي» الملتزمين وحلفائه أعضاء «اللقاء الديمقراطي» في ضوء بعض المواقف المبدئية لبعض أعضائهما، ومنهم النائب مروان حماده.
«الكتائب»
وكشفَ مصدر كتائبي لـ«الجمهورية» أنّ الحريري أبلغَ «الكتائب» رسمياً قرارَه المضيّ «بتزكية ترشيح عون» في اللقاء الذي سيشهده بيت الوسط عندما سيزور العماد عون الحريري، وأنه من الضروري ان يلتقي رئيس الحزب النائب سامي الجميّل، فكان الرد عليه انّ رئيس الحزب هو خارج لبنان وهو سيَزوره فور عودته الى بيروت في الساعات المقبلة مرحّباً بالدعوة للتشاور في المرحلة المقبلة وما يمكن ان تؤدي اليه.
بيت الوسط
وكان «بيت الوسط» قد تحوّلَ خليّة نحل أمس، إذ زاره فجأةً عصراً الوزير خليل في لقاءٍ لم يدُم سوى عشر دقائق، قبل أن يخرج من دون تصريح، إضافةً إلى لقاءات للحريري مع كلّ مِن الوزير وائل ابو فاعور ثمّ الوزير ريمون عريجي والوزير السابق يوسف سعادة في حضور النائب السابق غطاس خوري، والوزير جبران باسيل.
وعلمت «الجمهورية» أنّ خليل ابلغ الحريري موقفاً رسمياً مفاده أنّ بري وكتلة «التنمية والتحرير» لن تسير معه في خياره الجديد.
وترَأس الحريري اجتماع كتلة «المستقبل» النيابية التي اعتبرت في بيان لها «أنّ المهمة المركزية والأساسية للنواب والقوى السياسية الآن هي العمل لانتخاب رئيس للجمهورية وفقاً لأحكام الدستور.» وأكدت انّ كلّ تأخير في انتخاب رئيس الجمهورية وكلّ عرقلة لعمل المؤسسات الدستورية وتحديداً لعمل مجلس النواب ومجلس الوزراء، يعرّض البلاد إلى مفاقمة الأخطار الراهنة والمحتملة على كلّ المستويات الوطنية والسياسية والامنية والمالية والاقتصادية.
عين التينة
وفي عين التينة، عقِد اجتماع بين بري والوزيرين ابو فاعور وأكرم شهيب والنائب غازي العريضي وتيمور وليد جنبلاط بحضور خليل. وأوضَح العريضي بعده أنّه تمّ استكمال النقاش مع برّي حول ما يجري في البلد، خاصة فيما يتعلق بالملف الرئاسي. ولفتَ العريضي الى انّ اللقاء الديموقراطي يتواصل مع الجميع، ولطالما كان رأيهم في جميع الظروف الحوار.
واعتبَر انّه من الأفضل للجميع ان تكون هناك تسوية وتفاهم، لأنّ البلد لم يعد يحتمل، آمِلاً التوصّل الى تهدئة الأجواء. وتوجّه العريضي الى الأفرقاء السياسيين بالقول: «خذونا في حلمكم فنحن لنا وجود في البلد ولنا دور في الشراكة».
وفي معلومات «الجمهورية» انّ زيارة تيمور ووفد الاشتراكي الى عين التينة مع بري جاء بناءً على موعد كان حُدّد سابقاً قبل التطورات الاخيرة، لكنّ اللقاء كان فرصة لمناقشة الملف الرئاسي حيث ظهرَ من موقف «الاشتراكي» انّ الحزب لا يزال متردداً في اتخاذ موقفه من مبادرة الحريري.
ومساءً نفى المكتب الإعلامي لرئيس مجلس النواب ما نشِر في بعض وسائل الإعلام من كلام منسوب لمصادره حول الميثاقية والثنائية، فهذا كلام مختلق، علماً أنّ برّي يؤكّد أنّه ملتزم بالجلسات وبحضورها ولن يقاطعها، بل إنّه سيهنّئ من يفوز.
بكركي
وأمام التطورات الرئاسية، برز أوّل موقف علني وواضح لبكركي من مبادرة الحريري، ما يعطي غطاءً مسيحياً إضافيّاً لها. وفي السياق، تمنّى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أن «تصل كل المحاولات الجارية اليوم، ومِن ضمنها مبادرة الرئيس سعد الحريري، الى خواتيمها، لِما فيه خير لبنان واللبنانيين».
وقال الراعي: «لم ألتقِ بعد بالرئيس الحريري لكنّنا نُعبّر دائماً عن التمنيات بالنجاح، لأنّه آنَ الأوان بعد أكثر من سنتين ونصف السنة أن يكون هناك رئيس للجمهورية، وأعتقد أنّه بعد هذه الفترة الطويلة يفترض أن يكون اللبنانيون قد توصّلوا الى تفاهم على الرئاسة، وآمل أن تكون الأمور قد وصَلت الى خواتيمها».
وأكد الراعي: «أسعى دائماً إلى جمعِ العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية، وهذا الأمر يعود إليهما وليس إليّ، فأنا أدعوهما وبفرح كبير إنّما هذا يعود إليهما إذا كانا يقبلان بذلك ويأخذان هذا القرار».
خيرالله
وأكّد راعي أبرشية البترون المارونية المطران منير خيرالله لـ»الجمهورية» أنه «متفائل بقرب انتخاب رئيس للجمهورية بعد الحراك الرئاسي الأخير والمبادرات التي نشهدها، وتشجيع البطريرك لهذه المبادرات».
وتمنّى خيرالله أن «نشهد عملية الانتخاب قريباً لأنّ لبنان بأمسّ الحاجة لرئيس»، داعياً إلى أن «ننتظر جلسة 31 تشرين لنرى كيف ستتّجه الأمور، لأنه «لا يمكننا أنّ نقول فول إلّا تيصير بالمكيول».
ميقاتي: لا لعون
وقال الرئيس نجيب ميقاتي لـ«الجمهورية»: لطالما نادينا بالاستقرار الداخلي وضرورة الحفاظ عليه، في ظلّ الأوضاع الخطيرة التي تعيشها المنطقة. ولطالما جهدنا لأن يبقى لبنان بمنأى عن كل ما من شأنه ان يمسّ هذا الاستقرار ويعرّض البلد للخطر.
أضاف: الآن، الضرورات تحتّم علينا، انطلاقاً من مسؤوليتنا وحِرصنا على البلد ان نطلق الصرخة مجدداً بالحفاظ على بلدنا وحمايته من كلّ ما يهدده. ومع الأسف ما يجري اليوم ينذِر بوضع لبنان في أتونِ النار وفي أزمة مفتوحة على كلّ شيء مع الأسف.
ورداً على سؤال، قال: لبنان قبل الجميع، ووضعُه لا يتحمّل أيّ مغامرات أو مجازفات، لأنّه في أمسّ الحاجة الى ما يَجمع بين ابنائه، وليس الى ما يعمّق الانقسامات فيه. فهل يستطيع عون أن يوحّد اللبنانيين؟ أبداً.
وتابَع: إنتخاب العماد عون ليس الخيار السليم الذي يمكن أن يجمع اللبنانيين وأن يكون الحكم في ما بينهم، من يظنّ أنّنا مقبلون على توحّد في ظلّ العماد عون فهو مخطئ أو مضلّل، لأنّ انتخابه سيحوّل البلد إلى متاريس سياسية.
أنا أخشى على الاستقرار لأنّ هذا الانتخاب سيَفتح البلد على مرحلة جديد وفصلٍ جديد من مسلسل الانقسامات والتوتّرات، فهل هذا ينقِذ لبنان ؟
وقال: أقول للبنانيين، الرئيس هو صمام الأمان، أنا أدقّ ناقوس الخطر، وهذه خطوة انتحارية، ونحن لا نريد ان نخسر البلد، وكلّ من يريد أن ينتحر فلينتحر لوحده، لا أن يأخذ البلد معه الى الانتحار.
وردّاً على سؤال، قال: سبقَ أن أكّدت أنّ انتخاب العماد عون يستفزّ شريحةً كبيرة من اللبنانيين، وخصوصاً من أمثّلهم، ثمّ هذه الثنائية التي بدأوا يتحدّثون عنها، الى أين ستأخذنا؟ أنا أخشى أن يقودنا هذا النهج الى السقوط في الهاوية... فهل نذبح أنفسَنا؟
جدول الأعمال
في المجلس النيابي، مرّت عملية التجديد لأعضاء ورؤساء مقرّري اللجان النيابية بسلاسة، وتمّ إدراج قانون الانتخابات النيابية على جدول الأعمال، وبذلك كفلَ رئيس مجلس النواب نبيه بري مشاركة المسيحيين من خلال كتلة «التغيير والإصلاح» و»القوات اللبنانية»، فيما قرّر حزب «الكتائب»، مقاطعة الجلسة تمسّكاً بالدستور لجهة عدم جواز التشريع في ظلّ الفراغ الرئاسي.
ماروني
وفي المواقف من الجلسة التشريعية، قال نائب كتلة الكتائب إيلي ماروني لـ»الجمهورية»: «لن نشارك في الجلسة اليوم، فموقفُنا مبدئي وثابت، وبالتالي لا تشريع في ظلّ غياب رئيس الجمهورية.
وهنا نسأل لماذا الاستعجال مع أنّ الأجواء توحي وكأنّ انتخابات رئيس الجمهورية أصبحت على الأبواب؟ كان ممكناً تفادي هذا الخَلل والانتظار لحين انتخاب الرئيس، عندها تعود الأجواء التشريعية إلى مداها ويمكن عقدُ جلسات يومية وإعلان حالة طوارئ تشريعية، ولا مبرّر عندئذ لأيّ فريق بالغياب».
كنعان في معراب
وزار النائب ابراهيم كنعان رئيس حزب «القوات» سمير جعجع، في حضور رئيس جهاز الإعلام والتواصل في القوات ملحم الرياشي، وعقدوا اجتماعاً لأكثر من ساعتين، تناولَ الملف الرئاسي والجلسة التشريعية. وقد غادر كنعان من دون تصريح.