بعد المعلومات التي كشفتها إسرائيل قبل بضعة أسابيع عن مفاوضات مع حزب الله بشأن مصير الطيار الإسرائيلي رون آراد، عادت تل أبيب لتفتح قضية الطيار من الزاوية التاريخية، عبر الكشف عن وقائع لفرص أضاعتها كان من الممكن أن تُنهي هذا الملف منذ عقود.
استناداً إلى محادثات مع كبار الأعضاء السابقين في أجهزة الاستخبارات والأفراد الذين شاركوا في الجهود المبذولة لكشف مصير آراد، في مراحل مختلفة من المفاوضات غير المباشرة مع حركة أمل، وبعد ذلك مع حزب الله، يظهر أن إسرائيل أضاعت فرصاً للاتصال مع الطيار المفقود، من بينها الفشل في التوصل إلى اتفاق مع حركة أمل، في أواخر العام 1987 أو أوائل العام 1988.
أهم الفرص تتضح في ما نشره كتاب رونين بيرغمان، "بأي وسيلة ضرورية" (بالعبرية)، عن الاتصالات التي نسقها المسؤول الأمني الإسرائيلي أوري لوبراني، بعدما تلقت إسرائيل رسائل وصوراً لآراد عبر حركة أمل. حينها أعرب الرئيس نبيه بري، وفق الكتاب، عن استعداده للتوصل إلى اتفاق لإعادة آراد إلى إسرائيل مقابل اطلاق أسرى لبنانيين محتجزين من قبل جيش لبنان الجنوبي في سجن الخيام. وطلب بري المال ومنح حركته صواريخ الكاتيوشا وقذائف الهاون.
ووفق المساعدين المقربين من إسحاق رابين، فإن الأخير غيّر رأيه وقرر رفض الصفقة التي عمل عليها لوبراني عبر عدد من الوسطاء. وجاء التغيير بعدما أضاف بري طلباً بالإفراج عن عشرات الأسرى من منظمة التحرير الفلسطينية. وكان رابين مازال يعاني حينها من آثار صفقة مع أحمد جبريل في العام 1985، التي أفرجت إسرائيل بموجبها عن 1150 سجيناً أمنياً، معظمهم من الفلسطينيين، مقابل ثلاثة جنود إسرائيليين قُبضت عليهم في لبنان الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة بزعامة جبريل. إذ اعتُبرت صفقة جبريل تنازلاً إسرائيلياً غير مسبوق للابتزاز الإرهابي. وبعد فترة وجيزة فقدت أمل السيطرة على "الرهينة"، بعد خلاف مصطفى الديراني مع قيادتها، فانشق عن أمل وأخذ آراد معه.
الفرصة الأخرى التي أضاعتها إسرائيل نادراً ما تناقش علناً، وتتعلق بإعلان آراد جندياً قُتل في المعركة. والحال أن الاستخبارات استنتجت أن الطيار لم يعد على قيد الحياة في نهاية تسعينيات القرن الماضي. لكن في بداية الألفية الثانية خلصت لجنة برئاسة القاضي إلياهو فينوغراد إلى أن آراد لم يمت. وهذا ما قررت عكسه، في العام 2005، لجنة الاستخبارات العسكرية.
تحليل دقيق للنتائج، جنباً إلى جنب مع التغيرات في سلوك حزب الله بشأن قضية آراد، دفع رئيس الاستخبارات العسكرية زئيفي فركش إلى محاولة إقناع رئيس الحكومة في حينها أرييل شارون إلى قبول التوصية بإعلان وفاة آراد، لأن ذلك من شأنه أن يحرم حزب الله من ورقة مساومة، كما كانت الحال مع الجنود الثلاثة الذين اسروا على حدود إسرائيل مع لبنان، في العام 2000. لكن شارون رفض. وهو كان يدرك الأثر الذي قد يترتب على الرأي العام الإسرائيلي، إذا لم يكن الإعلان مرفقاً بجلاء كامل للغموض، وجثة آراد.
لم يمضِ وقت طويل على اجتماع شارون مع زئيفي فركش حتى أُصيب الأول بسكتة دماغية. خليفته، إيهود أولمرت، لم يتمكن من الخوض عميقاً في هذه المسألة. مع ذلك، فإن حقيقة أن قضية آراد تُركت مفتوحة أدت على ما يبدو دوراً كبيراً في اندلاع حرب تموز في العام 2006، بعد ستة أشهر من تولي أولمرت منصبه.
سامي خليفة