تسعى مصر إلى الحفاظ على التوازن في دورها الإقليمي بالتأكيد على فصل مسار التقارب مع سوريا باستقبال مسؤول أمني سوري بارز، ومسار رغبتها في بناء علاقة ثقة وتعاون دائمين مع السعودية وبقية دول الخليج العربي.
وأعلن الإعلام الرسمي السوري، الاثنين، أن علي المملوك رئيس مكتب الأمن الوطني زار القاهرة، وأجرى مباحثات مع مسؤولين أمنيين مصريين كبار، على رأسهم اللواء خالد فوزي، رئيس جهاز المخابرات العامة.
وقالت وكالة الأنباء السورية “سانا”، إن الطرفين اتفقا على مقاربة المواقف سياسيا، وتعزيز التنسيق حول مكافحة الإرهاب، مشيرة إلى أن الزيارة استغرقت يوما واحدا، وجاءت بناء على طلب من الجانب المصري.
وما لفت نظر المراقبين في القاهرة، تجاهل وسائل الإعلام المصرية للزيارة وعدم التوقف عندها، بينما حرصت وسائل الإعلام السورية على إبرازها، مع أنها نادرا ما تتحدث عن نشاط علي المملوك، الذي يعد واحدا من الحلقة الضيقة المحيطة بالرئيس السوري بشار الأسد، كما أن اسمه مدرج على لائحة العقوبات الأوروبية المفروضة على النظام السوري وأركانه.
وأوضح مصدر أمني لـ”العرب” أن الزيارة جرت ليل الأحد، وأن الوفد السوري المرافق للمملوك ضم ستة مسؤولين سوريين، ووصل على متن طائرة خاصة، وكان في استقباله مسؤولون في جهاز المخابرات المصرية، ثم توجهوا جميعا للقاء مسؤول أمني كبير.
ورأى مراقبون في استقبال القاهرة لعلي المملوك، تعبيرا عن الرغبة في خروج التعامل المصري من الخفاء إلى العلن.
وفسرت مصادر سياسية ذلك الموقف بأن القاهرة أرادت إبلاغ رسالة مفادها أن علاقتها بالسعودية وبدول الخليج عموما، تسير في خط متواز مع موقفها من الأزمة السورية، وأن حرصها على تحسين علاقتها مع الرياض، لا يعني تخليها عن مسارها الثابت في سوريا.
وكشفت مصادر لـ”العرب” أن هذه المناسبة ليست الأولى التي يلتقي فيها مسؤولون أمنيون مصريون وسوريون، فهذا هو اللقاء الثالث، بعد لقاء في بيروت وآخر في القاهرة.
وأوضحت أن الدعوة وجّهت إلى المملوك منذ مدة طويلة، لكن تأكيد مصر على موقفها الثابت من الأزمة السورية في مناسبات، عجّل بالزيارة، ولم يكن توقيتها متزامنا مع الخلاف في الرؤى مع السعودية.
وأشارت إلى أن العناصر الإرهابية، عليها أن تتوقع عملا كبيرا في القريب، ولم تفصح عن طبيعة العمل، والدور المصري فيه.
وقالت إن مصر ترغب في لعب دور أكبر في الأزمة السورية، وإن هناك ترحيبا من دمشق بهذه الرغبة، كما أن هناك قبولا عربيا بالدور المصري في البعض من الملفات الإقليمية.
وأكد السفير سيد أبوزيد، مساعد وزير الخارجية المصري سابقا، أن التنسيق بين القاهرة ودمشق على المستوى الأمني، ضرورة تفرضها المواجهة مع الإرهاب، وليست له علاقة بوجود خلاف عربي حول معالجة الأزمة السورية.
وتحرص القاهرة على أن تكون مسارات سياستها الخارجية متوازية، وليست متقاطعة، بحيث لا يأتي مسار على حساب آخر، خاصة في الشأن السوري، لا سيما أن مصر هي الوحيدة التي لها علاقات جيدة مع طرفي الأزمة، سواء مع نظام بشار الأسد، أو مع عدد كبير من فصائل المعارضة.
وأكد طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة لـ”العرب”، أن مصر عليها أن تتبادل الرؤى مع كل الأطراف الفاعلة في الحرب على الإرهاب في المنطقة، ومن ضمنها سوريا، لافتا إلى أن هناك أوضاعا جديدة في الملف السوري استوجبت من مصر إجراء اتصالات مباشرة مع دمشق.
ويرى المتابعون أن مصر أرادت القول من وراء هذا اللقاء، إنه لم يعد من المقبول أن تبقى على الهامش في الملف السوري، وأن الأيام المقبلة قد تشهد المزيد من التحرك.
صحيفة العرب