النصاب العددي لانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية بات شبه مكتمل. الرئيس سعد الحريري الذي عاد من الرياض أمس، استقبل مساء رئيس دائرة افريقيا والشرق الاوسط في الخارجية الفرنسية جيروم بونافون يرافقه السفير الفرنسي ايمانويل بون، وأقام لهما مأدبة عشاء حضرها الرئيس فؤاد السنيورة ونائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري ووزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية نبيل دو فريج والنائب عاطف مجدلاني.
ومن المنتظر أن يرأس اليوم جلسة لكتلة المستقبل، تكون في إطار الإعداد لخطوة إعلانه ترشيح عون في الساعات المقبلة. وبات مرجّحاً أن يقدم الحريري على خطوته غداً. وإلى غالبية نواب كتلة المستقبل، يُضاف نواب حزب الله وغالبية نواب اللقاء الديمقراطي وــ بطبيعة الحال ــ تكتل التغيير والإصلاح. عدد النواب المطلوب لوصول عون إلى بعبدا بات متوافراً. لكن المشكلة في مكان آخر. لم يسبق في السنوات العشر الماضية ان كان موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري بالحدة التي يواجه بها ترشيح عون إلى الرئاسة. تقول مصادر رئيس المجلس: "مبروك، انتصر خيار سعد الحريري، وأعاد مع عون إحياء ميثاق الـ43. ونحن سنكون خارج السلطة، في صفوف المعارضة". القوى السياسية التي شاركت في اتفاق الطائف تقول دوماً إن الحرب الاهلية وليدة ميثاق الـ43. "صحيح"، تعلّق المصادر، مضيفة: "وما يقومون به سيؤدي إلى حرب أهلية. ونحن سنقاتل دفاعاً عنّا وعن حزب الله"! هل الاستعراض العسكري في ذكرى عاشوراء في النبطية رسالة بهذا الخصوص؟ "مشهد النبطية سخيف مقارنة بما يمكن ان نقوم به لإسقاط العودة إلى ما قبل الطائف". ترى مصادر رئيس المجلس أن ما يقوم به الحريري وعون يستهدف "تجربة الشراكة مع الشيعية السياسية بعد اتفاق الطائف، ونحن لن نرضى بالمشاركة في هذه اللعبة. فليعتادوا حكومات يكون فيها حزب الله المؤتمن على حصة الطائفة الشيعية في الدولة".
وماذا عن موقف الحزب؟ يجيب المقربون من رئيس المجلس: "الحزب يرفض. وهذا الامر ليس سهلاً عليه". العلاقة بين حركة امل وحزب الله هي في "أعلى درجات التماسك. ونحن نثق جداً جداً جداً جداً بالسيد حسن نصرالله. وكما قال الرئيس بري، لن نسمح لأحد بأن يدخل بيننا". لكن هل من الممكن ان تفترقا رئاسياً؟ يجيب أحد معاوني بري بالقول: "نحن مرشحنا الرئاسي سليمان فرنجية. واحترمنا موقف حزب الله الداعم لعون، رغم اننا طرحنا نحو 50 سؤالا على الحزب تتعلّق بمزايا كل من عون وفرنجية، وكانت أجوبة الحزب تدل على أن فرنجية أفضل من عون، لكنهم ملتزمون بعون أدبياً. وكما احترموا موقفنا إلى جانب رئيس المردة، نحترم التزامهم بعون. نحن والحزب لن نختلف. ثمة تشنّج يظهر على وسائل التواصل الاجتماعي، لكننا مصرون على عدم حدوث مشاكل بين مناصرينا ومناصريهم". يعدّد معاونو بري أسباب تحفّظهم على ترشيح الجنرال: "اولاً، سليمان فرنجية يطمئننا أكثر من عون. كلام باسيل في مقابلته الاخيرة، وتجنّب الحديث عن المقاومة، وطريقة تعليقه على قتال حزب الله في سوريا، لا تطمئن. وفي تفاهمهم مع سمير جعجع، هم ينصّبونه ولياً للعهد لقيادة الاكثرية المسيحية. أضف إلى ذلك أن جبران باسيل ونادر الحريري اتفقا على كل شيء. اتفقا على منح وزارة سيادية للقوات اللبنانية، وعلى النفط، وعلى وزارة المالية، وعلى قيادة الجيش، وحاكمية مصرف لبنان، وعلى ألا يُمنح المسيحيون المستقلون أي وزارة باستثناء وزارة واحدة للحريري. تخيّل انهما اتفقا على حكومة ما قبل الانتخابات، وعلى حكومة ما بعد الانتخابات التي ستكون كافة الوزارات المسيحية فيها من حصة القوات والتيار الوطني الحر". وهنا، تجزم المصادر ذاتها بأن الحريري اشترط الإبقاء على قانون الستين، معبّرة عن استياء من الحريري لا يقل عن الغضب على عون. ألم يقل رئيس المجلس إنه مع سعد الحريري ظالماً ومظلوماً؟ "بلى. نحن مع سعد في مواجهة التطرف وأشرف ريفي، لا في العودة إلى ثنائية عام 1943". تنفي المصادر أن يكون بري قد رفض لقاء باسيل. تؤكد أن ما جرى، قبل الجولة الأخيرة لوزير الخارجية على الشخصيات السياسية، انه طلب موعداً للقاء رئيس حركة امل، لكن الأخير "كان مشغولاً في تلك الفترة، فقال لجبران: إذا في شي، شوف (وزير المالية) علي (حسن خليل). لكن يبدو أن جبران صار اكبر من الحكي مع المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب". ما تقدّم لا يعني ان باب التسويات مقفل. "نحن ضد وصول ميشال عون إلى بعبدا، ونحن لن نوافق على هذه التسوية التي لم نكن شركاء فيها. هم مش قاريين حدا، فلماذا سنشارك في سلطتهم؟". والحل؟ "موقفنا سيبقى على ما هو عليه، إلا إذا حصلت تطورات سياسية غير محسوبة، كأن يتراجع فرنجية عن ترشّحه.
فعندها لا حول ولا قوة إلا بالله". لا ينفي معاونو بري تعمّد رئيس المجلس تشجيع فرنجية على الاستمرار بترشّحه: "نحن متمسكون به بكلتا يدينا". هل يعني ذلك إقفال كل أبواب التفاهم مع عون والحريري؟ "كلا. عليهما أولاً أن يعلما ان التفاهم مع حزب الله لا يعني تفاهماً معنا. وأن مشكلتهما معنا ليست على حصة او منصب او حقيبة وزارية. عليهما أن يتخليا عن اتفاق العودة إلى ثنائية الـ43، وأن يرجعا إلى طاولة الحوار حيث نناقش مستقبل البلد. خلاف ذلك، فلنذهب إلى مجلس النواب، وليربح من يربح. وإذا فاز الجنرال، فسنهنّئه، وننتقل إلى صفوف المعارضة. على الأقل، تصبح لدينا مادة للحديث على المنابر بدل تكرار كلام لا طائل منه".
يبدو حزب الله، الداعم لوصول عون إلى الرئاسة، متفهماً لموقف بري. إذ علمت "الأخبار" ان مسؤولين في الحزب بعثوا برسائل إلى الجنرال تقول إنه لا بد من التفاهم مع رئيس المجلس النيابي. ونصح المسؤولون مقربين من رئيس تكتل التغيير والإصلاح بضرورة ان يبادر باتجاه بري، لكن الأخير سيغادر لبنان هذا الأسبوع في رحلة طويلة نسبياً، ولن يكون الوقت الفاصل بين عودته وجلسة الانتخاب في 31 تشرين الاول كافياً لعقد تفاهمات. ما العمل إذاً؟ لا يبدو موعد جلسة الانتخاب في 31 تشرين الأول مقدّساً، "فمن انتظر نضج تسوية فرنجية سنة، يمكنه ان يمنح ترشيح عون أسابيع إضافية".
قضية الطراس: هل تتكرر الوساطة مرتين؟
قرر قاضي التحقيق العسكري الأول رياض أبو غيدا إخلاء سبيل الشيخ بسام الطراس بسند إقامة، إلّا أن مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر استأنف قرار إخلاء السبيل. وأحيل الملف إلى محكمة التمييز العسكرية لبتّه، فيما حدد الاثنين المقبل موعد الجلسة الثانية للاستماع إلى الطراس. وقد برر القاضي أبو غيدا قراره بتصديق إخلاء السبيل بأنه «لم يثبت لديه أن الطراس متورط في أي عمل أمني». وعلمت «الأخبار» من مصادر قضائية أن «الطراس ذكر أمام أبو غيدا أنه تواصل مع شيخ ينتمي إلى تنظيم داعش من دون علمه بذلك». أما في ما يتعلق بإفادة الموقوف علي غانم، العنصر الرئيسي في تفجير كسارة الذي ضغط على زر التفجير، فقد اعترف بأنّ الطراس عرّفه على العقل المدبر لتفجير كسارة المعروف بـ«أبو البراء» (تبين أنه نفسه محمد قاسم الأحمد، أمير خلية الناعمة والمسؤول عن تفجير السيارة المفخخة في الرويس). وذكر غانم أن الطراس طلب منه أن ينفذ كل ما يطلبه «أبو البراء» منه. غير أن غانم، بحسب المصادر القضائية، عاد لينكر إفادته أمام مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر.
ولا يمرّ كل ما سبق من دون تشكيك، لا سيما أنه مرتبط بـ«مسرحية» الوساطة السياسية والقضائية التي افتُعلت لإخراج الطراس من التوقيف. والقاضي الذي أنكر أمامه الموقوف غانم إفادته، هو نفسه من كان سابقاً قد توسط لإطلاقه، باعثاً بمعاونه القاضي هاني حلمي الحجار ليل الأحد، للسهر على عدم بقاء المفتي السابق موقوفاً، علماً بأن تحقيقات الأمن العام وداتا الاتصالات للشيخ الموقوف وتسريبات التحقيق لدى فرع المعلومات، تُظهر أن الطراس تواصل مع ثلاثة من أخطر الإرهابيين الذين نفّذوا عمليات إرهابية في لبنان.