شكل العاشر من حزيران عام 2014 علامة فارقة في مسار الأزمة العراقية تحديدا والأزمة الإقليمية عموما، حيث سيطر تنظيم داعش على مدينة الموصل.
الأمر الذي أدى إلى السقوط المريع للمنظومة الأمنية والعسكرية العراقية حينذاك وقد أدى التقدم السريع لتنظيم داعش واقترابه من العاصمة بغداد إلى إصدار المرجع الديني علي السيستاني فتوى الجهاد الكفائي والتي أسس بناء عليها الحشد الشعبي كما أنشأت الولايات المتحدة الأمريكية تحالفا دوليا ضم أكثر من 60 دولة لمحاربة التنظيم.
ومن هنا تأتي أهمية معركة الموصل التي جري الإستعداد لها اليوم والتي من المتوقع أن تبدأ خلال ساعات، كما أن أهميتها تكمن أيضا بما تمثله من ثقل مركزي لتنظيم داعش الإرهابي ليس في العراق وحده بل في سوريا أيضا .
ومن الموصل أعلن البغدادي ولادة “دولته،” وتحتل هذه المحافظة موقعا إستراتيجيا فريدا فهي حلقة الوصل بين تركيا وسوريا والعراق بما فيه إقليم كردستان، كما أنها تقع على طريق الحرير الجديد الذي تسعى إيران منذ عقود لتتصل من خلاله بالبحر المتوسط، و لذا فإن جميع الأطراف في المنطقة تحبس أنفاسها على وقع الإسعتدادات لهذه المعركة نظرا للنتائج المتوقعة والتي تهم الدول المذكورة كافة .
وقد أبدى الأمريكيون موافقتهم على بدء هذه المعركة وذلك بالنظر إلى الحسابات والمصالح الأمريكية المرتبطة بها وقد قررت الإدارة الأميركية خوض معركة الموصل قبل انتهاء الفترة الرئاسية للرئيس أوباما وتريد حسمها قبل الانتخابات الرئاسية المقررة ليوم 23 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل. وذلك لعدّة أسباب منها: تثبيت وجودهم في عمق العراق، وبالذات في قاعدة «القيارة» العسكرية التي تم تحريرها قبل عدة أشهر، والتي تبعد 58 كيلو متراً جنوبي الموصل، وهي موقع استراتيجي شديد الأهمية لمواجهة أية طموحات إيرانية في العراق، على حساب النفوذ والمصالح الأمريكية، التي يسعى الأمريكيون مجدداً إلى تثبيتها من خلال مشاركتهم وإشرافهم على معركة تحرير الموصل، وتبني دعوة إبعاد الحشد الشعبي عن المشاركة في هذه المعركة. وتحقيق انتصار عسكري ضد تنظيم داعش يُسجل لباراك أوباما شخصيا ويدعم مرشحة الحزب الديمقراطي ويزيد من فرص وصولها للبيت الأبيض، كما يتضمن رسالة مباشرة لروسيا بأن الرئيس الأميركي قادر على اتخاذ القرارات الإستراتيجية حتى الأيام الأخيرة من رئاسته وبأنه ليس البطة العرجاء.
من جهته أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بدء عمليات استعادة مدينة الموصل من قبضة تنظيم داعش، وقال العبادي في كلمة نقلها التلفزيون العراقي الرسمي فجر الاثنين إن دخول الموصل لاستعادتها من تنظيم الدولة سيقتصر على الجيش والشرطة.
وأضاف "كانت هناك محاولة لتأخير عملية تحرير الموصل، لكننا وأدناها"، مشيرا إلى أن هذا العام سيكون عام الخلاص من تنظيم الدولة.
ودعا العبادي أهالي الموصل الى التعاون مع القوات العراقية والتعايش السلمي مع كافة المكونات بعد استعادة المدينة.
وعلى الفور رحب المبعوث الخاص للرئيس الأميركي إلى التحالف الدولي بريت ماكجورك بإعلان بدء معركة الموصل، وقال ماكجورك في تغريدة على موقع تويتر للتواصل الاجتماعي اليوم الاثنين "نتمنى التوفيق للقوات العراقية الباسلة وقوات البيشمركة والمتطوعين من نينوى". وأضاف "نحن فخورون بأن نقف معكم في هذه العملية التاريخية".
مشاركة سليماني والموقف الإيراني :
تعتبر إيران من الدول الاساسية المستفيدة من تحرير الموصل وشكل وصول قائد فيق القدس قاسم سليماني في الحرس الثوري الإيراني الى المنطقة بهدف التحضير للمعركة جملة انتقادات على خلفية أن مشاركة سليماني وميليشيات "الحشد" الشيعية في المعركة "ستثير مشكلات طائفية إضافية في العراق.
وكان احد أعضاء مجلس النواب العراقي أكد أن "سليماني كان قد دخل الأراضي العراقية من خلال معبر المنذرية، الفاصل بين الحدود العراقية الإيرانية من جهة محافظة ديالى، شرق العراق، وتوجه مباشرة مع عدد من مرافقيه وحماياته إلى كركوك، وصولاً إلى حدود محافظة نينوى دون المرور ببغداد.
وأضاف البرلماني المنحدر من ديالى، عضو كتلة اتحاد القوى التي يتزعمها أسامة النجيفي، الذي فضل عدم نشر اسمه : "إن ضابطاً عراقيا في معبر المنذرية أبلغني بأن سليماني ومرافقيه دخلوا الأراضي العراقية بسيارات رباعية الدفع، تحمل لوحات أرقام إيرانية، ومن دون أن يبرزوا جوازات سفرهم كالعادة، وإن
وعبّر نائب رئيس لجنة الأمن والدفاع البرلمانية، حامد المطلك، عن رفضه لمشاركة قاسم سليماني في معارك تحرير الموصل أو أي معركة وطنية أخرى.
وأشار "المطلك" إلى أن "مشاركة سليماني في معركة تحرير الموصل مرفوضة بالنسبة لنا ويقلل من هيبة الجيش العراقي.
وعن مشاركة ميليشيات الحشد الشعبي في معركة تحرير الموصل، قال المطلك: "أهل البيت أولى بالدفاع عن بيتهم، وعندنا الجيش العراقي والشرطة الاتحادية وقوات مكافحة الإرهاب وأبناء عشائر نينوى، فلماذا الزج بالحشد الشعبي في هذه المعركة؟ والأولى تسليح أبناء الموصل للقتال من أجل تحرير مدينتهم".
وشدد على أن مشاركة الميليشيات "ستثير مشكلات طائفية نحن في غنى عنها ولنا تجارب غير إيجابية في جرف الصخر والفلوجة ولا نريد تكرارها".
مشاركة قوات الحشد الشعبي
من جهته، أكد المتحدث باسم ميليشيات الحشد الشعبي أحمد الأسدي على مشاركة هذه الميليشيات في معركة تحرير الموصل، وأن سليماني سيقود هذه المعركة، وقال الأسدي إن "سليماني ليس مستشاًرا عسكرًيا للحشد الشعبي فقط بل للجيش والشرطة الاتحادية وجهاز مكافحة الإرهاب العراقي".
الموقف التركي :
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحكومته حذّرا منذ أيام من خطر مشاركة الحشد الشعبي في معركة استعادة الموصل، إلا أن تصريحات عراقية رسمية رفضت موقف أردوغان وحكومته .
واعتبر محللون أن ما يقلق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ليس مجريات معركة الموصل بل توازن القوى الجديد الذي سينتج عنها. ويقول إيكان أردمير من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية، مقرها واشنطن، “إنه قلق حيال التكوين الاثني والطائفي في الموصل ويريد التأكد من عدم هيمنة الأكراد والشيعة”. ويضيف “لا تريد أنقرة البقاء خارج اللعبة في العراق”.واعتبر سونر كغبتاي مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن أن الخطاب الشديد اللهجة للمسؤولين الأتراك يظهر أنهم “بصدد التحضير لمرحلة ما بعد الموصل”. وفي المقابل فصلت الكاتبة التركية فيردا أوزير مخاوف تركيا في مقالة لها الأسبوع الماضي من أن تغيير التركيبة السكانية للموصل سيؤدي إلى تسهيل مهمة النظام الإيراني في توطين ميليشياتها الشيعية في بلدة تلعفر، وكل سكانها من التركمان، ما يجعلهم تحت نفوذ إيران، ويجعل من تلعفر قاعدة إيرانية أخرى.
أهمية معركة الموصل :
بناء على ما تقدم فإن عوامل سياسية واجتماعية وعسكرية وجغرافية معقدة تجعل من معركة الموصل صعبة، ولم تكن هذه العوامل موجودة خلال معارك مدن وقرى عراقية سابقا مثل تكريت وبيجي والرمادي والفلوجة ، فالموصل دخلت في الحسابات الدولية مع انضمام تركيا إلى الأحداث، والجميع يسعى للمشاركة ورسم المستقبل وفق مصالحه، بالمحصلة فإن المعركة العسكرية ستثير مشكلات سياسية وقومية ودينية وعرقية بقيت منذ عقود بلا حلول والسؤال المطروح هنا هل هذا ما تريده الإدارة الأمريكية أم لا ؟.
فمعركة الموصل عبارة عن تشكيلات مسلحة متناقضة على عكس باقي المعارك التي خاضتها الحكومة العراقية ضد تنظيم داعش في صلاح الدين والأنبار وديالى عبر قوات الجيش والشرطة الاتحادية والفصائل الشيعية المتحالفة معها، هناك تشكيلات مسلحة أخرى تسعى إلى المشاركة في معركة الموصل، ولكل منها أهدافها الخاصة. كالحشد الشعبي، وقوات أثيل النجيفي، وحزب العمال الكردستاني، والقوات التركية. وجميع هذه القوات لها هدف واحد هو القضاء على تنظيم داعش، ولكن الخصومات بينهم شديدة، ولا تنسيق مشتركا للمعركة المرتقبة.
أسئلة ما بعد التحرير :
اتضح أن معركة الموصل معركة معقدة من الناحية السياسية أكثر منها من الناحية العسكرية وبالتالي فإن التوقعات كبيرة بنشوء أزمة سياسية في مرحلة ما بعد تحرير الموصل حيث وكما هو معلوم اختلاف أجندات القوى المشاركة في هذه المعركة، وبالتالي فإن السؤول المطروح ماذا بعد تحرير الموصل ومن هي القوى المرشحة لإدارة المدينة، والإجابة على هذا السؤال رهن التطورات اللاحقة التي من شانها تكوين الصورة لما بعد التحرير ومن هي القوى التي تتحكم بالواقع الذي سينشأ بعد التحرير.