يروي أبناء ساحل الشوف، أنه في أعقاب الحرب الأهلية اللبنانية وبعيد تهجير أهالي الدامور، جاءت الأوامر بهدم المنازل التي أخلاها سكّانها. في تلك المنطقة كانت القوات المهاجمة مؤلفة من فلسطينيين، لبنانيين في الحزب التقدمي الإشتراكي والحزب الشيوعي اللبناني. بعيد بدء مقاتلي الإشتراكي هدم المنازل، سأل أحد القادة الشيوعيين عن السبب، فجاءه الجواب، بأنه إذا ما بقيت هذه المنازل، فإن الجنوبيين سيقطنونها. وبالتالي، قد تتحول فيما بعد إلى شبه كانتون لهم، في خاصرة مكوناتها من الدروز والمسيحيين. تنسب هذه "الرؤية" في تلك الفترة، إلى النائب وليد جنبلاط، الذي خشى حدوث تغيير ديموغرافي في المنطقة.
تغيّر ساحل الشوف كثيراً. بلداته أصبحت ضواحي ومقصداً لمختلف اللبنانيين من كل الطوائف، الذين وجدوا في طول الخطّ الساحلي ملاذاً لهم بسبب عدم القدرة على تحمّل تكاليف السكن في العاصمة ومحيطها القريب. ومنذ ذلك الحين، يسيطر القلق والترقب على أهالي المنطقة الأساسيين من تغيير في المنطقة. صحيح أن هذا التغيير حصل، ولكن ليس على سبيل التهجير، إنما على شكل تكون "مجتمعات" جديدة على طول الخطّ الواصل بين بيروت وصيدا.
تبرز حالياً، الإشتباكات التي تشهدها بعض مناطق هذا الخطّ، منذ اشتباكات السعديات قبل نحو السنة بين سرايا المقاومة ومؤيدين لتيار المستقبل، إلى ما حصل في عرمون وسبلين. لا يوحي المشهد المنظور بالوجود "العسكري المنظم"، لكن دلائله كثيرة وإن لم تكن معلنة. غالباً ما يتّخذ أي إشكال فردي طابعاً سياسياً، على قاعدة الإنقسام بين سرايا المقاومة والجهات المناوئة لها. لذلك، يتحدّث أهالي المنطقة بخشية عن احتمالات أصعب، وعن تشكّل بيئة قابلة للتوتر والإنفجار في أي وقت.
في المقابل، تعتبر مصادر أمنية أن اشتباك عرمون شكّل رسالة إلى الظهور الأول للسلاح في أيدي بعض السوريين. ويعتبر البعض أن ما جرى في عرمون وسبلين، يأتي في سياق حرب إثبات الوجود والنفوذ في تلك المناطق، وبأن هناك من يريد إيصال رسالة بأنه موجود وله جماعته.
يجزّء البعض إستراتيجية تمدّد حزب الله إلى تلك المناطق إلى قسمن، الأول عن طريق شراء العقارات وإقامة المشاريع والأبنية الضخمة وإن لم يقطنها أحد بعد، أو عبر استقطاب سرايا المقاومة التابعة له مزيداً من الشباب في تلك المناطق، لقاء رواتب شهرية أو بعض المساعدات، خصوصاً أن نسبة العاطلين من العمل مرتفعة جداً. وهؤلاء الشباب ليسوا جميعهم من اللبنانيين.
وتشير المعلومات إلى وجود العديد من المجموعات التابعة لسرايا المقاومة على طول الخطّ الساحلي من خلدة وصولاً إلى صيدا، لافتة إلى أن أعدادهم ترتفع. والهدف من ذلك، وفق مصادر، هو عدم تكرار تجربة ما جرى في 7 أيار 2008، أي حين حاول حزب الله دخول الجبل من الشويفات وتعرّض لكمائن أو ضربات من الخلف؛ وثانياً، لا يريد أن تبقى هناك قوى قادرة على التحّكم بطريق الجنوب. وبالتالي، فهو من خلال هذه المجموعات قادر على التأثير والسيطرة على الخطّ الساحلي. ويوضع ذلك في سياق إستباق أي حدث أمني قد يحصل.
والناظر إلى خريطة ساحل الشوف يرى أن الحزب يتوسع بشكل مدروس بأبنية وعقارات تأخذ شكل الحلقات التي تفرض قوساً على المنطقة. بدءاً من أحد المجمعات السكنية في أول خلدة، إلى مجمّع آخر في الجية، وصولاً إلى مجمع ثالث في منطقة الرميلة، ناهيك بالإمتداد إلى العمق الشوفي، عبر شراء مساحات واسعة من الأراضي، في برجا والدلهمية التابعة للدبية، ومناطق أخرى.
وقد استطاع الحزب بعد التخلّص من ظاهرة الشيخ أحمد الأسير في عبرا، من السيطرة على المنطقة من الجهة الجنوبية، بحيث أصبحت صيدا منطقة غير مزعجة له، بسبب وجوده وتمدده فيها، ليس من جهة حارة صيدا فحسب، إنما من جهات أخرى أيضاً. كذلك استطاع التغلغل في مخيم عين الحلوة والتعمير وصولاً إلى مخيم المية ومية. وبالتالي، سحب أي عامل مهدد من تلك "البؤر". وبذلك يكون قد استطاع تأمين شريانه الأساسي بين بيروت والجنوب، فيما تبقى العين مصوّبة على مناطق أخرى. وهذا ما تشير إليه الأخبار التي تتحدّث عن نية أحد كبار ممولي الحزب شراء أراضي آل الحريري في كفرفالوس، فيما نفت العائلة ذلك.
ربيع حداد