إنَّ أكثر ما يخيفنا هو التقوقع في أنقاض الذكريات واجترار الأساطير والأوهام،ويخيفنا أكثر تلك السخافات والخُرَافات التي خنقتنا في قوقعة ضيقة من هذا العالم الواسع،فاجترت علينا الويلات،وشحنت النفوس،وأصبحت القلوب (ملآنة) والآفاق مكبوتة،والأقلام محتقنة،وألسنة الخطباء منمقة مزركشة مسمومة،والصدور محتسبة متجلجلة، وباتت سقطات الألسن في كل مكانٍ وفي كل مجلسٍ وشارعٍ وطريقٍ وحيٍّ وفي الزواريب الضيقة،وربما باتت في كل صلاةٍ ودعاءٍ،فوجدنا أنفسنا في غيبوبةٍ من الغيب والنص والرواية والعادة،وبدأنا بحملها حتى ولو أدَّى ذلك إلى تشويه العقيدة والعقل على حساب تاريخٍ من العمل والجهاد والعطاء والمعرفة وحب الحسين(ع) ومحبة النبي (ص) وأهل بيته(ع)والدفاع عن الإسلام والعقيدة الأصيلة التي خرَّجت العباقرة والمجاهدين والشهداء والعلماء والمثقفين والنهضويين وقدَّمت الدماء في مواجهة العدو الصهيوني،فلا يمكن أن ننسى هذا الوجه المنير الساطع، وننشغل في بعض العادات التي سبَّبت لنا التناحر والتباعد والتدابر، وأحدثت النفرة بين الموالين خصوصاً والمسلمين عموماً،إنها قضية اثارت علامات تعجبٍ وإستفهامٍ "كضرب الرأس بالسيف، والمشي على الجمر والنار،وتحطيم الزجاج والزحف شبه عاري عليه،وضرب الجسد بالسلاسل والزناجيل،والزحف والمشي مشية الكلاب أمام المراقد للأئمة(ع) ووضع الأقفال في الأيادي والأبدان،واللطم المدمي العنيف،ونعت ذات النفس التي أعزها الله تعالى بكلب الإمام، وكلب الزهراء،وكلب رقية.."
كل هذه المظاهر لم تستند إلى دليلٍ شرعيٍ معتبرٍ،وإنما هي عادات للتعبير عن الحزن والأسى على مصيبة أهل البيت(ع)،وهذا بالإضافة إلى مخالفة النظام العام من قطع للطرقات والشوارع التي بحثها الفقهاء وأفتوا بحرمة قطع الطرق العامة، ومخالفة النظم العامة، فباتت هذه لا تعبِّر عن المستوى المنشود في إحياءها،بالقدر الذي يكون في إحياء فكر أهل البيت(ع) لمواجهة الفساد والظلم الإجتماعي والسياسي والمالي والإداري والتعدي على الأملاك العامة، وتعزيز المحبة والإلفة والعدالة والمساواة، ولهذا ندعو إلى أن نقتدي بإحيائها كما يقتدي بها الرئيس نبيه بري،الذي عوَّدنا في كل عامٍ أن تجتمع فيها كل النخب والمشاركين من جميع الطوائف والخطباء والشعراء والأدباء من كل لونٍ وطائفة، تعبيراً عن مواساتهم لهذه الذكرى وبث روح الفكر والوعي لهذه الأمة، فحبذا لو إقتدينا جميعاً بهذه القدوة الحسنة من أن يكون في كل قريةٍ ومدينةٍ وبلدٍ نموذجاً من هذه القدوة، فتكون ثورة الحسين(ع) فكراً ومعرفةً وأخلاقاً على المستوى العام، وهي قدوة صادقة ندعو إليها لترك كل مظهر يسيء بقصدٍ أم بغير قصدٍ، وإعادة روح جديدة في هذه الشعيرة العظيمة الراقية والطيبة، فتكون منارةً تمنح العقول تبصراً وبصيرةً،وتمنح النفوس عزيمةً وإرادةً، فلنقتدي بمجلس دارة نبيه بري،والعودة إلى الطقوس الراقية وإظهار البكاء والحزن وإحياء أمرهم وعلومهم، والتذكير بهم وبأخلاقهم وما جرى عليهم، والدعوة إلى محبتهم ومودتهم.
وهنا تكمن مسؤولية العلماء والفقهاء والمرجعية وسائر المحبين والموالين وسائر الأدباء والمثقفين وأهل الرأي والكلمة والقلم والموقف الذي يصب لإحياء هذه الذكرى العظيمة، فهي قدوة حسنة ومن سنَّ سنةً حسنةً وعمل بها، فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم الدين، ولكم في دارة نبيه بري قدوة حسنة.