إن الذي حصل من نقاشات حادة حول موضوع الشعائر الحسينية , وما زال يتردد الى الان في أوساط شعبية ونخبوية , وعلى نطاق واسع جدا , كما رأينا , ورأيتم , وشاهدنا وشاهدتم , وسمعنا وسمعتم , لم يحصل مثله من قبل بهذه الطريقة الممنهجة , وبهذا الاصرار المدعوم من البعض لإثارة القدر الاكبر من الترويج لأشياء ليست أساسية ولا تهم الناس ومن ثم وصفها على انها من اساسيات المذهب والدين , والتركيز على الاتهامات المتبادلة .
صحيح أننا بحاجة إلى إعادة النظر ببعض الامور التي تمارس بإسم الشعائر الحسينية وأيضا ببعض الامور الدينية التي تغطي هذه الممارسات , وإن إعادة النظر بهذا الموضوع شيء طبيعي , ويجب أن يحصل دائما , ولا ضير فيه , لأن الناس قد تُدخل زيادات أو تنقص من الاصل أشياء , وخاصة في المفاهيم الدينية , والطقوس الدينية , وبالتالي يعود الامر عادة لأهل العلم والدراية في تصحيح المسارات الفكرية والعقائدية والسلوكية , ولا يمكن أن تصحح بدون الاعتماد على مناهج علمية واضحة , وهذا الامر يجب أن يُترك لأهله .
النقاشات التي خيضت في الاونة الاخيرة قد أخذت منحى خطيرا , لأنها خرجت من البيت العلمي المختص بها , وإمتدت إليها يدُ العوام , وأصبحت في متناول الكل , والأهم والاخطر أنها خرجت عن الادبيات في التخاطب , فالرأي المنقسم حولها بين الفقهاء كان موجودا منذ أن نشأت , وما زال , ولكن بقي داخل الحوزات الدينية , وعندما أعلن ذات مرة على الساحة اللبنانية , وبالتحديد بين بعض فقهاء جبل عامل , وأبرزهم كان السيد محسن آل الامين ومَن أيده , الشيخ عبد الحسين آل صادق الاول ومَنْ أيّده , لم تأخذ هذا المنحى السياسي المتوتر ولم تنتشر بهذه الطريقة العشوائية بين الناس , ولم تخرج يومها عن أدبيات الحوار العلمي , وإن كان الحوار قاسيا ولكنه كان علميّا , وبين أهل الخبرة .
أغلب النُخب المثقفة , والعلماء , والمفكرين , ومن بينهم الذين يمارسون هذه الشعائر , لا ينكرون ضرورة إعادة النظر فيها , ولكن المُلفت في هذا المجال هو إثارة النقاش فقط في موسم الشعائر ومن ثم يُترك الامر إلى العام القابل , وهكذا في كل يُثار الموضوع ومن ثم يُغلق .... فلماذا يُناقش الموضوع في أجواء حماس الناس للشعائر , وفي أثنائها , أليس هذا أمر مريب ممن يثيره في ضمن المناسبة ويتركه باقي الايام , نعم إن الذي يقف وراء إثارته في هذه الاجواء الحماسية والعاطفية والوجدانية يعرف أنه سيأخذ مساره الفتنوي المرسوم والمُخطط له .
إن أمام العلماء والمثقفين والمفكرين , مُتّسع من الوقت لنقاش هذه الشعائر , وتصحيحها على مدار العام , وبطرق علمية ومنهجية , ويمكنهم الدعوة إلى مؤتمر علمي يشارك فيه الطرفان , المؤيد والرافض , والكلّ يدلي بدلوه العلمي , بعيدا عن التوترات وخلق أجواء ومناخات لا يعرف أحد إلى أين توصلنا إلا الله .