المعلومات المتوافرة عند المُتابع الأميركي من واشنطن نفسه تشير إلى أن "الرئيسة" هيلاري كلينتون ستسعى إلى وقف نظيرها الروسي بوتين عند حدِّه كما يقال، وستبدأ ردّ ضرباته لأميركا فور انتهاء الانتخابات الرئاسيّة في بلادها، أي بعد شهر من الآن. فهو في رأيها كما في رأي "سلفها" أوباما وإدارته قام بمغامرة غير مضمونة عندما قَرْصَن الموقع الإلكتروني للحزب الديموقراطي الذي تنتمي إليه، ومُني بالخسارة. علماً أن أجهزته تستمر في تزويد المرشّح الجمهوري المنافس دونالد ترامب بمعلومات ومُعطيات (داتا) بدأ يتبيّن للمختصّين الأميركيّين أن تلاعباً بها ولها قد تمّ، وأنها كاذبة أو زائفة ومزوّرة. ووسائل الإعلام على تنوّعها في واشنطن وخارجها تجري حاليّاً كل الأبحاث الضروريّة لأنّها صارت تعرف وإلى حدٍّ بعيد ماذا فعلت الأجهزة الروسيّة وماذا تفعل الآن تنفيذاً لأوامر بوتين. ورغم معرفة الأخير بل تأكّده أن المرشّح ترامب انتهى، فإنّه يستمر في محاولة تشويه الانتخابات التشريعيّة الأميركيّة (الكونغرس بمجلسَيْه) بممارسة الدخول غير الشرعي على أنظمة التصويت في معظم الولايات بواسطة "القرصنة". لكنّه لا يعرف أنّه سيُمنى بالخسارة أيضاً في هذا المجال. إذ أنّ عشرين ولاية حتى الآن طلبت عون السلطات الفيديراليّة لمعالجة محاولات "القرصنة" المذكورة، علماً أن هذه الأنظمة ليست واحدة في الولايات كلّها، الأمر الذي يجعل "القرصنة" البوتينيّة غير ذات جدوى.
هل يعرف الرئيس الروسي بالغضب الأميركي بل بتصاعده؟ وهل يتّخذ خطوات معيّنة لمواجهته أو لمعالجته؟
الشائعات في العاصمة واشنطن، يجيب المُتابع نفسه، تشير إلى أنّه اقترب كثيراً من بدء إعادة تقويم دقيق لكل ما جرى حتى الآن بينه وبين إدارة أوباما، وإلى أنّه قد يحاول وضع حد للغضب الأميركي المُتصاعد. وإذا صحّ ذلك فإنّه سيبدأ بالموضوع السوري وتحديداً بالعودة الجدّية إلى محاولة البحث عن حلٍّ له مع أميركا بتسوية سياسيّة. لكنّه يلفت إلى أن على بوتين أن يُظهر لإدارة أوباما أولاً أنّه جدّي في هذا الأمر هذه المرّة. وذلك يكون بـ"إقناع" الرئيس بشّار الاسد بوقف قصفه الجوّي القاسي جدّاً للشطر الشرقي من حلب وللمدن السوريّة الأخرى، كما بوقف القصف الروسي. وهو يعرف الآن أن حلب وأنشطته الأخرى ليست جزءاً من الحملة الإنتخابيّة الرئاسيّة الأميركيّة لكِلَي الحزبين الجمهوري والديموقراطي. ويعرف أيضاً أن إدارة أوباما تستعدّ للانتقال إلى العمل (Action) ولإتخاذ الخطوات الضروريّة. وهذا العمل بأهدافه ووسائله هو الآن على طاولة البحث. وسيبدأ تنفيذه بعد وقت قليل من فوز كلينتون بالرئاسة، أي بعد نحو شهر من اليوم، كما أنه سيتصاعد (يتكثّف) تدريجاً. وهذا العمل سيحظى قبل تنفيذه بموافقتها، الأمر الذي يعني أنّه سيستمر بعد تسلّمها رسميّاً سلطاتها الدستوريّة، وأن الصقور في مجلسي الكونغرس سيدعمونه بدعمهم السلف والخلف أي أوباما وكلينتون.
طبعاً لا يمتلك المُتابع من واشنطن نفسه معلومات عن تفاصيل العمل المُشار إليه أعلاه أو ربّما لم يشأ الإفصاح عنها. لكنّه يشير إلى أن تدمير "مدارج" مطارات الأسد و"هنغاراته" بجعلها غير صالحة للإستعمال قد يكون أحدها. وذلك سيُعطِّل الطيران الحربي السوري. وإذا استمرّ القصف الجوي يكون الطيران الروسي مسؤولاً عن ذلك وسيُدرك العالم هذه الحقيقة، وسيستوجب ذلك خطوات أخرى ضد روسيا مثل فرض مزيد من العقوبات الأميركيّة وربّما الغربيّة عليها. أمّا الردّ، يُتابع المُتابع نفسه، فلن يقتصر على سوريا وروسيا، فإيران ستنال حصّتها. إذ أن أميركا تخلّت عن "رهانها" على الرئيس حسن روحاني أو عن إقتناعها بقدرته على إحداث تغيير في مواقف بلاده وسياساتها. كما تخلّت عن "رهانها" على رئيس حكومة العراق حيدر العبادي، وهي أوضحت لإيران وللعبادي أنّها لا تريد مشاركة ميليشيات "الحشد الشعبي" الشيعي في القتال لتحرير الموصل، وإذا أصرّا على اشتراكها فهي ستبذل كل ما تستطيع لتمكين الأكراد وحلفائها من السيطرة على معظم المدينة أولاً. ومن شأن ذلك دفع أبنائها السُنّة إلى الإنضمام إلى القتال ضد "الحشد" بعد طرد "داعش" منها. وربّما يكون بدأ الأكراد وحلفاؤهم وحلفاء أميركا الآن تسلّم شحنات من الأسلحة المتطوّرة.
هل يُدرك بوتين أن استمراره في سياسة الاستفزاز والتحدّي لأميركا ستدفعها إلى إحكام "الفخ" الذي يتّجه إليه، وخصوصاً في سوريا، بحيث يفقد القدرة على تجنّب الوقوع فيه؟ وهل تُدرك إيران أن "غرور القوّة أو القدرة ونشوة الانتصار" يخسِّرانها ما بنته خلال عقود؟