هل تتصوَّر حياتك بدون إنترنت أو هاتف جوال؟ هل تتصوَّر حياتك إذن في مدينة الموصل؟
هذه المدينة، وعلى مدى عدة سنوات قررت أن تخاصم أبرز منجزات القرن العشرين الذي شهد ثورة الاتصالات، بل صارت مكالمة هاتفية أو دخول سريع إلى شبكة الإنترنت أو بوست على فيسبوك ثمنه حياتك، فداعش في تلك المنطقة تتعامل مع تلك الوسائل باعتبارها أجهزة تجسُّس متنقلة.. لكن المواطنين ما زالوا يحاولون يومياً، والقصة تستحق أن تروى.
مع دخول داعش للموصل في العام 2014 قررت وزارة الاتصالات العراقية قطع الإنترنت عن المدينة لكي تقطع خطوط الاتصال والإمداد عن داعش ومن هذه اللحظة كانت بداية معاناة سكان المدينة.
كردستان والخيارات الصعبة
مصدرٌ مطلع قال لـ "هافينغتون بوست عربي" إن شركات التزويد بخدمة الإنترنت لم تجد أمامها في ذلك الوقت إلا تحويل خدمة الإنترنت عبر حدود كردستان إلى داخل الموصل، حيث كانوا يتعاقدون مع شركة لخدمات الإنترنت في أربيل، لتقوم بتزويد الإنترنت إلى القرى المحيطة بالموصل ومن هناك يتم تحويل الخدمة من تلك القرى إلى داخل المدينة، ولكن هذه الطريقة لتوصيل الإنترنت انتهت مع محاولة داعش السيطرة على أربيل في نهاية سنة 2014.
بعد ذلك التاريخ لجأت أغلب الشركات إلى الحصول على الإنترنت عبر الأقمار الصناعية وهو ما كان باهظ الثمن وبطيئاً جداً، إذ تصل تكلفة الـ GBالواحدة إلى ما يقارب الـ 25 دولاراً.
يقول المصدر إن أجهزة الاتصال عبر الأقمار الصناعية تم تهريبها إلى داخل المدينة، وأصبحت حزم الإنترنت تباع لموزّع الخدمة على شكل بطاقات مسبقة الدفع ويقوم هو ببيعها بالتجزئة.
حتى تتمكن شركة من نصب أجهزتها المهربة للاتصال بالإنترنت عبر القمر الصناعي كان ضرورياً أن تقوم هذه الشركة بتسجيل نفسها رسمياً لدى سلطات تنظيم "داعش"، وشروط الحصول على الترخيص تتضمن أن يقدم مزودو الخدمة بتسجيل الـ mac address الخاص به في هيئة الاتصال الخاصة بالتنظيم حتى يتمكنوا من تتبع الخادم.
حق مداهمة المنزل مكفول
بالنسبة لمشتركي خدمة الإنترنت، كانت هناك أيضاً شروط معقدة –وذلك قبل أن يتم إلغاء الخدمة رسمياً من المدينة مطلع هذا العام-، وتتضمن تلك الشروط أن يقدم صاحب البيت صورته ووثائقه الرسمية إضافة إلى عنوان البيت بوضوح حتى يتمكن "أفراد الحسبة" من القيام بزيارات تفتيش مفاجئة للتأكد من أنه لا يتخابر مع العملاء، ويقول أحد سكان المدينة إن فتاة عمرها 17 عاماً تم قتلها بعد أن فتش أفراد الحسبة منزلها بتهمة أنها تحرض ضد "الدولة الإسلامية".
مراقبة المستخدمين كانت تتم أيضاً عبر زرع برامج تجسس فايروسية في أجهزتهم، وكانت هذه الأنشطة الرقابية على قطاعي الإنترنت والاتصالات تدار عبر مقر في جامعة الموصل تم قصفه من قبل طيران التحالف.
القاعات المرخصة والخيار المر
الطرق السابقة للدخول إلى الإنترنت انتهت في بداية العام 2016، ولم يعد أمام الراغبين في تصفح الشبكة العالمية إلا طريقة وحيدة وهي الذهاب إلى أحد صالات الإنترنت، ولم يكن يوجد في المدينة غير صالتين، واحدة في الجانب الأيمن من المدينة وأخرى في الجانب الأيسر، وتخلو هاتان الصالتان من أجهزة الكمبيوتر ولكنها تتيح للمستخدمين الدخول إلى الإنترنت من أجهزتهم الجوالة عبر شبكة wifi.
الصالات كانت تتيح لعناصر داعش مزيداً من الرقابة، كما تتيح لهم التدخل في الوقت المناسب، فعناصر التنظيم تتواجد حول الزبائن وتراقب أنشطتهم على أجهزة الجوال كما تراقب الاتصالات التي يقومون بها، كما كان يتم تفتيش الأجهزة بصورة فجائية للتأكد من عدم وجود مراسلات مريبة من وجهة نظرهم، وقد تم بالفعل اعتقال العديد من الأشخاص من تلك الصالات وانتهى مصيرهم بالقتل.
هناك أيضاً شرطٌ مهم عند التعامل مع هاتين الصالتين، فالهاتف الذي يتم استخدامه للدخول إلى الإنترنت ينبغي أن يكون خالياً من شريحة جوال، وإن اكتشف عناصر التنظيم غير ذلك فالقتل قد يكون هو العقاب كذلك.
اتصالك قد يتسبب بقتلك
على أطراف الموصل، يحظى السكان بحظ أكبر، فشبكات الاتصالات العراقية تصل عبر الأبراج في منطقة كردستان إلى تلك المنطقة ولكن بشكلٍ ضعيف.. هناك يمكن للمستخدم أن يجري أحياناً اتصالاً هاتفياً أو يدخل إلى الإنترنت عبر هاتفه الجوال، ولكن عليه أن يتحمّل ضريبة المخاطرة.
فقد صدر قرارٌ عام في الموصل بمنع استخدام الهاتف، كما تم حظر التنقل إلى أطراف المدينة إلا لسكان تلك المنطقة أو أقاربهم، وفي كل لحظة يمكن أن تحدث عملية دهم مفاجئة يتم خلالها فحص الهاتف الخلوي وشريحة الاتصال للتحقق من اتصالها بالشبكة من عدمه.
أحد السكان قال أنه "بعد أن يجري اتصالاً هاتفياً يقوم بتفكيك أجزاء الجهاز وتوزيعها داخل البيت حتى لا يتم اكتشافه".
(هافينغتون بوست)