بقيت الساحة الداخلية اللبنانية أمس تحت وطأة المواقف التي أعلنها الأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصرالله في ذكرى عاشوراء، سواء بالنسبة الى تداعيات هجماته الحادة على المملكة العربية السعودية، او بالنسبة الى موقفه المرِن الإيجابي ظاهراً من تحرّك زعيم "تيار المستقبل" الرئيس سعد الحريري نحو خيار انتخاب زعيم "التيار الوطني الحر" العماد ميشال عون، وسط تَصاعُدٍ واضحٍ للتوقّعات الحذرة بل المتشائمة حيال أي اختراقٍ حقيقي يسهّل للحريري مسعاه الرئاسي.
واذا كانت الاجتهادات والتفسيرات والمواقف العلنية أيضاً تكاد تجمع على اعتبار خطابيْ نصرالله (مساء الثلاثاء وقبل ظهر الاربعاء) بمثابة تَهرُّبٍ مدروسٍ ومتقنٍ من أيّ تسهيلٍ غير كلامي لمسعى الحريري، فان الوجهة الجديدة للأزمة تركّزت عند تَرقُّب الخطوة التالية التي يُفترض ان يُقْدِم عليها الحريري نفسه، وبدرجةٍ موازيةٍ بل أكثر ما يمكن ان يتّخذه الأفرقاء الآخرون من خطواتٍ في سياق التفاعل مع المشهد الناشئ عن مواقف نصرالله.
وفي هذا السياق، غابت كل المعطيات الدقيقة حتى البارحة عن تحرّكات الحريري الذي يزور الرياض منذ مساء الثلاثاء. إلا ان مصادر سياسية بارزة لفتت عبر الى ان تَزامُن وجود الحريري في الرياض مع انعقادِ قمةٍ سعودية - تركية أمس ربّما يحمل دلالاتٍ لجهة استبعادِ ان يكون الأمر مصادفة، وخصوصاً ان علاقة وثيقة للغاية تربط الحريري بالرئيس التركي رجب طيب اردوغان بما لا يُستبعد معه ان يكون للملف اللبناني عبر تَحرُّك زعيم "المستقبل" حيّزاً غير معلن من هذا التزامن.
ولكن المصادر لزمت حذراً شديداً في هذا السياق، وفضّلت انتظار ما يمكن ان تحمله عودة الحريري الى بيروت بعدما تردّد انه سيقوم بزيارة أخرى لباريس قبل الرجوع الى لبنان. وفي انتظار هذه العودة، بلغت رهانات "التيار الوطني الحر" على ان يُقدِم الحريري على تبنّي ترشيح عون ذروتها من خلال قراءةٍ خاصةٍ لهذا التيار لمواقف نصرالله أضفتْ عليها طابع الترحيب ظاهرياً، إلا أنها بدت ضمناً حذِرة للغاية في انتظار خطوة الحريري التالية كمفتاحٍ أساسي لبتّ مصير هذا التحرك قبل نهاية الشهر الجاري التي تَتزامن مع الجلسة رقم 46 لانتخاب رئيسٍ.
وتقول المصادر السياسية البارزة نفسها إن العماد عون، الذي اكتفى أمس، في ذكرى إسقاط حكومته وإخراجه من القصر الجمهوري بعملية عسكرية سوريّة في 13 اكتوبر 1990، بتغريدة مقتضبة قال فيها "13 تشرين الاول خسارة بلا ندم وذلّ الرابحين"، لا يزال يترك للحريري المجال الكافي لبتّ خياراته استناداً الى تطميناتٍ يتلقاها من جانب مستشارين لزعيم "المستقبل" بأنه ماضٍ في التفاهم الذي تَوصّل اليه الفريقان وان الحريري يعمل على تأمين الغطاء الداخلي والخارجي لهذا المسعى.
واذ لفت في الساعات الأخيرة ان بعض المحيطين بالرابية (حيث مقرّ عون) تحدّثوا عن مهلةٍ زمنيةٍ أقصاها يوم غد السبت لبتّ الحريري موضوع إعلان تبنيه ترشيح عون، ربطت المصادر السياسية ذلك بموعد الاعتصام الحاشد الذي سينفّذه أنصاره على طريق القصر الجمهوري في بعبدا لاحياء ذكرى عملية 13 اكتوبر 1990 والذي أرجئ من البارحة الى عطلة يوم الاحد المقبل لمصادفة الذكرى في منتصف الاسبوع.
ولكن المصادر شكّكت في صحّة التقديرات العونية او سواها حيال خطوة الحريري التالية، وقالت إن مجمل هذه المعطيات لا تزال غير مستندة على معطيات ثابتة وخصوصاً ان الاتصالات مع أعضاء "كتلة المستقبل" النيابية لا توحي بأنّ أيّ خطوة وشيكة يجري التحضير لها في الساعات المقبلة. ولذا سيبقى الانتظار القلِق سيّد الموقف حتى الأحد حيث يُتوقع ان تكون للعماد عون كلمة في مناسبة هذا الاعتصام لأنصاره، ولكن من دون القدرة حالياً على تَوقُّع الخطوط الأساسية لمواقفه ما دام رهانه يبقى مفتوحاً على الحريري حتى موعد الجلسة الانتخابية لمجلس النواب في 31 الجاري.
أما في ما يتّصل بتموْضعات الأفرقاء الآخرين، فلاحظتْ المصادر عيْنها ان خطّ الرابية - عين التينة (مقر رئيس البرلمان نبيه بري ) يبدو كأنه بات اختصاراً لمعظم العناصر التي ترهن مصير خيار عون سلباً او ايجاباً. وترصد القوى السياسية ما يمكن ان يطرأ على هذا المحور بعدما أعلن نصرالله بوضوح تأييده لتوسيع التفاهمات بحيث تمرّ برئيس البرلمان والمرشح الذي يدعمه (بري) النائب سليمان فرنجية والآخرين. ولكن دون بلْورة هذا الاتجاه أيامٌ معدودة، لان بري سيغادر في العشرين من الجاري الى جنيف في زيارة تستمر حتى 30 منه وذلك للمشاركة في أعمال مؤتمر البرلمانات الدولية. فهل ستكون الأيام الطالعة كافية لبلورة تَطوُّرٍ إيجابي بين بري وعون؟ الشكوك كبيرة جداً ما لم تحصل مفاجآت ليست في الحسبان.