لم يعد ينقص المشهد الرئاسي اللبناني، بعد تعبير غالبية القوى عن مواقفها خلال الأيام الماضية، سوى الموقف الحاسم من الرئيس سعد الحريري، الذي يتّكل الداعمون والرافضون لوصول العماد ميشال عون إلى الرئاسة على إعلانه موقفاً علنياً بترشيح الجنرال، لتُبنى المواقف الجديدة عليه.
فالرئيس نبيه برّي يعبّر عن موقفه الرافض لترشيح عون بكلّ صراحة، ولن يكون مضطراً إلى تعديل موقفه ما دام الحريري لم يعلن ترشيح عون صراحة، وكذلك النائب وليد جنبلاط الذي ينتظر في الوقت الضائع حدوث المتغيّرات، لا سيّما في موقف الحريري، فيما كرّر السيد حسن نصرالله تمسّكه بعون ودعوته إلى إجراء تفاهمات مع بري والنائب سليمان فرنجية.
ومع استمرار الغموض في حقيقة الموقف السعودي، الذي يتّكل عليه الحريري، لم يعد خافياً حجم الاعتراض داخل كتلة المستقبل النيابية حول ترشيح عون، والمخاوف من عدم تجاوب نوّاب المستقبل مع التوجّهات الجديدة لرئيس التيار وبروز انقسامات جدية في هذا الشأن، خصوصاً مع عدم بروز موقف سعودي حاسم. وهو ما عبّر عنه الهجوم الذي شنّته كتلة المستقبل بعد اجتماعها الدوري أمس، برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة، على الأمين العام لحزب الله، على خلفية مواقفه في اليومين الماضيين من السعودية، متّهمةً إياه كالعادة بتعطيل الانتخابات الرئاسية.
وكشفت مصادر واسعة الاطّلاع أن الزيارة التي قام بها الحريري إلى الرياض، أول من أمس، جاءت بوساطة من جنبلاط، ضمن مسعى حثيث للأخير لعرقلة التوافق حول تسمية عون لرئاسة الجمهورية. ووفق المصادر، فإن المساعي الجنبلاطية توضح أمرين بالغي الخطورة؛ فمن جانب، يظهر البيك الاشتراكي متصدّراً لمحاولات إبعاد فرص عون المتزايدة عن الرئاسة، متجاوزاً بذلك الرئيس نبيه بري، المتوقّف عند جملة مطالب تطمينية. وفي جانب آخر، لا يترك جنبلاط فسحة متوافرة، داخلياً أو إقليمياً، للتخريب على هذه المساعي بكلّ ما أوتي من علاقات، في مقدّمها العلاقة المتينة بالمملكة، والتي تبدو، لسخرية القدر، أفضل حالاً من علاقة الحريري نفسه بها. حراك جنبلاط يؤكّد من زاوية أخرى حجم التخلّي السعودي عن الحريري، إلى الحد الذي بات معه الرجل بحاجة إلى من كان يتوسّط لمصلحتهم لدى السعوديين. حتى إن الكلام حول زيارة الحريري لباريس، يضعه أكثر من مصدر في خانة طلب الحريري من الفرنسيين وساطة، ليس مع حزب الله أو إيران، بل مع السعودية.
جملة من المسؤولين المعنيين الكبار في المملكة لا يكترثون، بحسب المصادر، حتّى لإجابة طلبات الحريري المتكرّرة لعقد لقاءات معه، بينما يجدون الوقت الكافي لاستقبال موفد جنبلاط، الوزير وائل أبو فاعور.
وتكشف المصادر أيضاً أن ما يقوم به جنبلاط أدخل التفاؤل بنشاط الحريري الأخير في الملفّ الرئاسي إلى الثلاجة، إذ إنه لم يسمع خلال الزيارة مباركة لمبادرته تجاه عون، بما يعبّد طريقه إلى رئاسة الحكومة، الملجأ الوحيد المتبقّي للرجل، مالياً و«زعامتياً». فالشكوى الجنبلاطية من تعزيز فرص عون الرئاسية وجدت على ما يبدو آذاناً صاغية في المملكة، بما يعزّز احتمال عودة السعودية من حالة اللامبالاة إلى مربّع العرقلة.
هكذا، لم يستفد الحريري من الضوء الأخضر السعودي السابق، أو على الأقل ما حُكي عنه من إدارة ظهر للبنان، تسمح له بالتقرير منفرداً. وربما يعود الرئيس الحريري أكثر حيرة وضياعاً، ومع هامش أقلّ، لإتمام ما يعتبره صفقة على رئاستي الجمهورية والحكومة، هو في أمسّ الحاجة إليها في المرحلة الحالية.
برّي: التعطيل لا يُنتج رئيساً
من جهته، عبّر الرئيس نبيه برّي عن «الارتياح لاجتماعات الحكومة ومعاودتها نشاطاتها بكلّ أطرافها». وأكّد أمام زواره أمس أنه «لاحظ أنه كان بالإمكان تفادي كل هذه الخلافات وتعطيل الحكومة والمجلس، لو تُرك لي وللرئيس تمام سلام معالجة الأمر، واحترام النص الدسوري، وعدم اعتبار المجلس غير شرعي. أنا على يقين من أني والرئيس سلام كنّا سنتعاطى بإيجابية، ولن تطرح أمامنا قضايا تثير الخلافات والهواجس». وختم بالسؤال: «على امتداد سنتين ونصف سنة من تعطيل المجلس النيابي والحكومة، هل استطعنا أن ننتخب رئيساً؟».
باسيل يُطمئن «الطائفة السنيّة»
وأكمل رئيس التيار الوطني الحرّ، وزير الخارجية جبران باسيل، في مقابلته مع الزميل مارسيل غانم أمس، ما بدأه عون في إطلالته التلفزيونية الأسبوع الماضي، لناحية «تطمين» تيار المستقبل و«الطائفة السنيّة» في لبنان، عملاً بالتفاهم الذي تلى زيارة الحريري إلى الرابية الأسبوع الماضي. وظَهَّر باسيل في حديثه المطوّل حول مختلف تطوّرات الملّف الرئاسي مواقف إيجابية تجاه الحريري والطائفة السنيّة في لبنان و«المحيط العربي»، مكمّلاً التسهيلات التي يبديها التيار الوطني الحر، بدءاً بعودته إلى الحكومة وقبوله بالتعيينات الأخيرة، وليس آخرها استعداده للمشاركة في جلسة مجلس النواب لإقرار القوانين المالية.
غير أن وزير الخارجية وجّه رسائل أيضاً إلى الفرقاء اللبنانيين، لا سيّما الرئيس برّي ورئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية والنائب جنبلاط. فمن ناحية برّي، كرر باسيل استعداد التيار للقيام بتفاهمات داخلية، على أن «لا تكون السلة شرطاً لانتخاب الرئيس»، نافياً أن يكون التيار قد اعتبر مجلس النواب غير شرعي، و«نحن لم نتعاطَ مع هذا المجلس على أنه ليس شرعياً، واعتبرناه قائماً بحكم الأمر الواقع». لكنّه في الوقت ذاته أكّد أن زيارة عون إلى عين التينة تحصل عندما تنضج الظروف، فيما رأى أن فرنجية «إنسان وطني له تمثيله إلى حدّ معين، وله تاريخه، ويحق له الترشح لرئاسة الجمهورية كأيّ لبناني ماروني». أمّا من ناحية جنبلاط، فسأل باسيل عن سبب اعتبار جنبلاط معرقلاً لانتخاب عون، مشيراً إلى أن الزعيم الاشتراكي سبق أن أكّد أنه لا يمكن أن يقف ضد إرادة المسيحيين.
وحول الموقف السعودي، رأى باسيل أن «الجواب عن الموقف السعودي عند الرئيس الحريري»، وأن الحريري سيعلن ترشيح عون رسميّاً عندما تكتمل ظروفه»، مؤكّداً أن سحب القائم بالأعمال السعودي وليد البخاري تغريدته حول النائب والوزير السابق جان عبيد، «هو الرسالة، وليس التغريدة بحدّ ذاتها».
وحول التفاهمات التي عقدها التيار الوطني الحرّ مع تيار المستقبل، أوضح أنه جرى التفاهم على مسألة التبادل في الرئاستين مع الحريري وتشكيل حكومة وحدة وطنية، نافياً الاتفاق على ملفّات أخرى. وفيما يجري الحديث عن أن باسيل ومستشار الحريري توصّلا إلى اتفاق حول اسم أحد قادة الألوية من الجيش لتولّي قيادة الجيش من ثلاثة أسماء جرى طرحها لتولي القيادة، أكّد باسيل أنه جرى طرح الكثير من المواضيع مثل قانون الانتخاب وحاكمية مصرف لبنان وقيادة الجيش وسلاح حزب الله، لكن من دون الوصول إلى تفاهم على أيّ منها.
السيد: 13 تشرين قرار لبناني ـ سوري
في زحمة استذكارات التيار الوطني الحر وبعض قوى 14 آذار لذكرى 13 تشرين الأول 1990، قدم المدير العام السابق للأمن العام اللواء جميل السيد شهادته عن ذلك اليوم وما سبقه. ففي بيان له، رأى السيد أن المناسبة «ليست تاريخ القرار السوري بالدخول الى قصر بعبدا ومناطق نفوذ العماد ميشال عون». وعرض «وقائع تاريخية موثقة تؤكد أن قرار الدخول كان سورياً ــــ لبنانياً مشتركاً اتخذ في عهد الرئيس الياس الهراوي». وبحسب السيد، «جرى تكليف الجيش اللبناني بقيادة العماد إميل لحود رسمياً بالمشاركة في العملية العسكرية لتثبيت الشرعية المنتخبة. فشاركت بعض ألويته مع الجيش السوري في الدخول الى قصر بعبدا ومحيطه، وصولاً الى المتن الشمالي».
السيد كشف بعضاً من محاضر اللقاءات اللبنانية السورية «ولا سيما منها اللقاءات التي عقدها الهراوي في دمشق وشتورة على مدى الأشهر الأولى من عام 1990 حين كان يلحّ على السوريين لتسريع دخولهم الى القصر وتنحية عون بهدف تثبيت سلطته الشرعية. إلا أن القيادة السورية لم تتجاوب حتى تاريخ 13 تشرين الأول عندما توافرت لها معطيات خارجية وداخلية ملائمة لتنفيذ العملية العسكرية».
وتعقيباً على قرار دخول بعبدا اللبناني الإلحاح والسوري التوقيت، استذكر السيد شكوك الهراوي التي استدعاها التأجيل السوري. حتى ذهب إلى اتهام السوريين بأنهم «لا يرغبون فعلاً في إطاحة عون ويؤخرون تنفيذ اتفاق الطائف، بل يموّنونه بالذخائر والوقود في حربه ضد سمير جعجع». التواصل شبه اليومي بين مندوب جعجع في الكرنتينا جوزف الجبيلي، ومستشارة الهراوي الإعلامية مي كحالة «كان يعزز شكوك الهراوي تجاه السوريين» بحسب السيد.