تمهيد:
أعاد سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله التأكيد في خطبة اليوم العاشر لذكرى كربلاء على استمرار وجود الحزب العسكري في سوريا، وأنّ العزيمة معقودة للدفاع عن خطّ المقاومة والممانعة، دون كلل أو ملل، مُضيفاً أنّنا "لن نتعب، وأعداد الشهداء (محلّ فخر واعتزاز) ليس سبباً للنكوص والانسحاب، وهذا بات مُؤكّداً بعد التدخل الروسي وتعزيز وجود النظام في شمال سوريا، واختلاط الأوراق الإقليمية والدولية في الساحة السورية المنكوبة. أمّا المطالبون بانسحاب الحزب من سوريا فيتوزعون على فئاتٍ ثلاث.
أولاً: المعارضة الشيعية
وهذه المعارضة، رغم تفكّكها وضعفها، لا تملك إلاّ أصواتٍ خافتة ومنابر محاصرة، وهي مُتّهمة في "شرفها" وسمعتها، فهي تارة عميلة للسفارة (السفارة الأميركية طبعاً)، وطوراً لملوك الخليج وريالات السعودية، وقد يصل الأمر إلى العمالة مع العدو الصهيوني. وهي رغم ذلك ترى أنّ لها دوراً بمطالبة الحزب بالانسحاب من أتون الجحيم السوري، وتذهب إلى أنّ التورط في سوريا كان في الأصل خطأً فادحاً، أمّا وقد حصل فلا بدّ من استدراكه وتصحيحه والإسراع في الخروج، ويرى ناشطو المعارضة أنّ دماء الشهداء تُسفك في غير موضعها الصائب. فالمقاومة الإسلامية نشأت وترعرعت واشتدّ عودها، ونالت تأييداً داخلياً وخارجيا لمقاومتها إسرائيل، أمّا وجودها في سوريا فهو انحراف وانجرار نحو مشاريع سياسية إقليمية مشبوهة في الغالب، ولا تصبّ في مصلحة حزب الله ولا الطائفة الشيعية ولا لبنان أولا وآخراً.
ثانياً: خصوم الحزب في الداخل
استنكر خصوم الحزب داخل لبنان انخراطه في الحرب السورية بجانب النظام، وإذ كانوا قد راهنوا على سرعة سقوط النظام، فقد اعتبروا أنّ شدّ عضُد الأسد جريمة لا تُغتفر، فضلاً عن تنامي الاحتقان المذهبي بين السّنة والشيعة والتي أشاعها هذا التدخل الحربي، لذا راحوا يُذكّرون الحزب بفداحة خسائره البشرية، تارة لحضّه على الإنسحاب، وطوراً للتّشفي بمزالقه وانحرافه عن مقاومة إسرائيل والاستعاضة بدعم نظام ديكتاتوري يمعن القتل والخراب في بلده سوريا. والملاحظ هذه الأيام أنّ أصوات المطالبة بالانسحاب قد خفتت من خصوم الحزب، وذلك بعد أن اتضح عدم مقدرة الحزب على لعب أدوار حاسمة في الحرب السورية بعد التدخل الروسي الواسع في الحربين الميدانية والديبلوماسية، لا بل بات هؤلاء الخصوم يُفضّلون بقاءهُ طالما أنّ قواه العسكرية والمادية في حالة استنزاف وإرباك، وهذه تعتبر خسائر مجانية تصبّ في رصيد معارضيه وخصومه.
ثالثاً: خصوم الخارج
معظم الذين أيّدوا حزب الله في العالم العربي والإسلامي لنجاحه في التّصدّي لإسرائيل، وارغامها على الإنسحاب من جنوب لبنان عام ٢٠٠٠ وتكبيدها خسائر جسيمة في حرب تموز عام ٢٠٠٦، استهجنوا تورُّطه في سوريا أولاً، ثم ما لبثوا أن استنكروا ، ثم أدانوا، وتحول قسمٌ كبير منهم إلى حالة عداءٍ سافرة، وقد سبب التدخل الحزب الإلهي في سوريا ضرراً كبيرا في صورة الحزب المقاوم والمناهض لإسرائيل، وقلبها إلى صورة الشيعي المعادي للسُّنّة ،وهذه وحدها أفدح الأضرار، ذلك أنّ الاحتقان المذهبي لا يعود إلاّ بالمصائب والكوارث، والتي تصيب الجميع دون هوادة أو تمييز. وعلى كل حال، وكما قال صاحبُ الحلّ والرّبط والأمر والنهي سماحة الأمين العام: نحن باقون في سوريا. وسوريا جحيمٌ مفتوحٌ لسنواتٍ عجاف قد تتجاوز السبع، ولا يبقى سوى الدعاء بأن يجعلنا الله ممّن يسمعون القول فيتّبعون أحسنه.