يشكل العماد ميشال عون بالنسبة إلى “حزب الله” العمق المسيحي الذي هو بأمس الحاجة إليه سيما بعد تراجع او انتفاء عمقه السني مع الحرب السورية والمواجهة السعودية-الإيرانية كما المواجهة بين الحزب والرياض التي حولّت المقاومة الإسلامية التي ترفع صورها في عواصم العالم العربي والإسلامي إلى مقاومة شيعية أحد أهدافها تنفيذ الأجندة الإيرانية بوضع اليد على القرار العربي والإسلامي.
ويكفي ان يقارن “حزب الله” شعبيته داخل الشارع السني اللبناني قبل الحرب السورية واليوم، حيث كان اعتبر السيد حسن نصر الله بعد انتخابات العام ٢٠٠٩ ان ما أظهرته تلك الانتخابات بان حوالي ٣٥٪ من الشارع السني مؤيد لتوجهات الحزب، فيما يندر وجود اي شخصية سنية اليوم حريصة على الفوز بالانتخابات النيابية وتعلن التحالف مع الحزب.
ومن هنا حرص “حزب الله” على عمق وطني، لانه يحرص كما كان يحرص النظام السوري إبان احتلاله للبنان بتظليل هذا الاحتلال بغطاء وطني، وهذا لا يعني ان زوال الغطاء يبدل في سياسته، إنما يعتبر ان العودة إلى المربع الشيعي تدخل في خانة “تحصيل حاصل”، خصوصا ان هدفه الإمساك بالقرار السياسي اللبناني، والمعادلة الفضلى لتحقيق هذا الهدف تكمن في إمساكه من خلال قوى سياسية مسيحية وسنية ودرزية مؤيدة لمشروعه وتملك حيثية داخل بيئتها، لانه خلالف ذلك اي تبدل في ميزان القوى الإقليمي سيؤدي إلى رفع يد الحزب عن القرار اللبناني.
وعلى رغم صحة ما تقدم إلا انه إذا اضطر “حزب الله” إلى المفاضلة بين عمقه الوطني المتمثل اليوم بالعماد ميشال عون وعمقه الشيعي المتمثل اليوم بالرئيس نبيه بري، فلن يتردد باختيار بري للأسباب الآتية
:أولا، لأن قوته السياسية تكمن بالدرجة الأولى من حيثيته داخل بيئته، وبطبيعة الحال سلاحه، وبالتالي أولويته تحصين نفسه شيعيا قبل ان ينتقل لتحصين نفسه وطنيا.
ثانيا، يدرك “حزب الله” ان أسهل وسيلة لإسقاط مشروعه تكمن في تفجير التناقضات الشيعية-الشيعية وإدخاله في حرب شوارع داخلية، ولذلك هو على استعداد لان يقدم كل التنازلات السياسية للرئيس بري حرصا على وحدة الصف داخل الطائفة الشيعية وحفاظا على الخط الاستراتيجي لسياسته.
ثالثا، التحالفات الوطنية او العابرة للطوائف هي تحالفات متحركة تبعا للمصالح واللحظة السياسية، فيما التحالفات داخل البيئة الواحدة أكثر ثباتا خصوصا إذا كانت أحادية بالمضمون وثنائية بالشكل وقائمة على قاعدة وجودية تخويفية.
رابعا، يدرك “حزب الله” ان القاعدة العونية ليست قاعدة بعثية ومؤدلجة ضمن خياراته الاستراتيجية، وان تقاطع المصالح معها يبقى أقل من شبكة المصالح مع بري وقاعدته، وبالتالي لن يضحي بالخط الدفاع الأساسي لمصلحة خطوط أمامية غير مضمونة.
خامسا، لا يسقط “حزب الله” من حساباته مسألة بغاية الأهمية وتدخل ضمن سياسته الاستراتيجية ومفادها ان احتضان بري يؤدي إلى تعزيز مشروع الحزب السياسي، فيما احتضان عون رئاسيا، وهو غير المؤدلج مقاومتيا، يؤدي مع الوقت إلى إعادة تعزيز المارونية السياسية وإنعاش الحالة المسيحية التي تتناقض في عمقها مع مشروع الحزب وأهدافه.سادسا، تحالف “حزب الله” مع عون وفّر للحزب الثلث المعطل الذي لا يمكن ان يتأمن سوى بالتحالفات الوطنية، ولكن هدف الحزب الأساس يكمن بالحصول على الفيتو داخل النظام وتحويله من عرف يحاول تثبيته منذ العام ٢٠٠٥ إلى نص دستوري، وهذا الفيتو كفيل بحماية مشروعه الاستراتيجي، إلا ان المشكلة الدائمة والثابتة مع الحزب تكمن برفضه لقاعدة المساواة، بمعنى ان ما يسعى لانتزاعه لنفسه يرفض ان ينسحب على غيره، وكأن الفيتو يشكل حقا من حقوقه وحده.
فلكل هذه الأسباب وغيرها “حزب الله” شديد الحرص على علاقته مع عون وبري، ولكنه إذا اضطر للمفاضلة فلن يتردد لحظة واحدة بان يكون إلى جانب بري لا عون.