في قراءة أولية للشق اللبناني في خطاب الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله ليلة العاشر من محرم، يمكن تسجيل عدد من النقاط أبرزها أن الحزب قام بواجبه بدعم ترشيح حليفه رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، وأنه لا يزال على موقفه الداعم له. لكن الجديد في موقفه هذا يكمن في أنه «غسل يديه» حيال تحميله مسؤولية تسويقه لدى حلفائه وأحاله عليهم لعقد تفاهمات سياسية معهم، أسوة -كما يقال- بوجود تفاهم يقضي بانتخاب عون رئيساً وبأن «يأتي فلان لأنه مثلاً مرشح قوي لرئاسة الوزراء».

ولا يحتاج الموقف الذي أعلنه نصرالله من رئاسة الجمهورية -كما تقول مصادر سياسية مواكبة لمضمون خطابه- إلى «تبصير»، وإن كان يقول كلامه هذا بوضوح لأول مرة، ما يعني أنه لن يضغط على حلفائه لدفعهم إلى تبديل موقفهم من ترشحه في اتجاه تبنيه بدلاً من رفضه.

وتؤكد المصادر المواكبة نفسها أن نصرالله أراد من من موقفه الرئاسي ترسيم حدود علاقته بحلفائه لجهة عدم استعداده للضغط عليهم، وهذا ما يقلق حليفه عون، حتى في حصره المشكلة التي تعيق انتخاب الرئيس بزعيم تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري، بذريعة ان الأخير على وشك أن يعلن موافقته أو دعمه ترشيحه.

 

تفاهمات

وإذ تتجنب المصادر هذه التعامل مع موقف نصرالله وكأنه حشر حليفه في الزاوية تحت عنوان أنه لا يمون على حلفائه، وان الكرة في مرمى عون الذي عليه أن يعقد تفاهمات سياسية معهم، فإنها في المقابل تتوقف أمام الأولويات التي ركز عليها في خطابه، وأولاها الحفاظ على الاستقرار، وثانيتها تفعيل الحكومة، وثالثتها فتح الباب أمام البرلمان للتشريع، لأنه من غير الجائز تعطيل دوره التشريعي، ورابعتها انتخاب الرئيس، لا سيما أنه استحضر قانون الانتخاب الجديد، لكنه ليس في وارد تبني موقف حليفه، بأن يكون على سلم هذه الأولويات.

وترى المصادر أن مرحلة ما بعد خطاب نصرالله ليست مشابهة للمرحلة التي سبقته، وتقول إنه حاول أن يقدم جائزة ترضية بقوله إن الحزب لن يشارك في جلسة انتخاب الرئيس ما لم تكن نتيجتها مضمونة لمصلحة إيصاله إلى سدة الرئاسة الأولى في بعبدا، مع أنه يعلم أن استمرار زعيم تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية على ترشحه بات يعيق انتخابه إن لم يكن أصبح متعذراً حتى إشعار آخر.

وتسأل المصادر هذه ما العمل؟ وهل من خريطة طريق لمن يصر على إدراج قانون الانتخاب الجديد بنداً أول على جدول أعمال الجلسة التشريعية التي ستعقد حتماً قبل 23 الجاري إن لم يكن في الأيام الأخيرة من الأسبوع المقبل؟ وكيف سيتعامل «حزب الله» مع موقف حليفه عون المتحالف مع حزب «القوات اللبنانية»؟ وكيف يمكنه تدوير الزوايا بموقف يسترضيه ولا يشكل ازعاجاً لحليفه الاستراتيجي رئيس المجلس النيابي نبيه بري؟

وفي هذا السياق، تؤكد المصادر المواكبة أن بقاء الخلاف على حاله من قانون الانتخاب من شأنه أن يحاصر البرلمان الذي سيغرق في جولة جديدة من التباين، كما سبق للجان النيابية أن عجزت عن إحداث تقدم يؤسس للتفاهم على القانون، وقررت الاستسلام، لعل «الوحي» ينزل على النواب في الهيئة العامة فينجزوا ما عجزت هذه اللجان عن تحقيقه.

وتضيف أن الكتل النيابية لا ترفض إدراج قانون الانتخاب على جدول أعمال الجلسة التشريعية، أكانت الأولى أم الثانية، مع بدء العقد العادي للبرلمان، لكن من يضمن الوصول بالقانون إلى بر الأمان في ظل وجود أكثر من 17 مشروعاً، على الأقل في العلن، مع أن البحث سيكون محصوراً في مشروعين مختلطين يجمعان بين النظامين الأكثري والنسبي، هذا إذا لم يصرَّ هذا الفريق أو ذاك على طرح مشروعه.

 

شروط «التيار» و «القوات»

وتسأل المصادر عينها هل من إمكان للتسليم بشرط «التيار الوطني الحر» و «القوات» طرح قانون الانتخاب بنداً أول من غير الجائز ترحيله في حال تعذر الوصول إلى تفاهم في الجلسة التشريعية، وبالتالي إصرارهما على عقد جلسات مفتوحة لضمان إقراره؟ وماذا سيكون رد فعل مجلس التعاون الأوروبي والمؤسسات المالية الدولية في حال لم يستفد لبنان من فترة السماح التي أعطيت له وتنتهي قبل الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل لإقرار القانون الذي يحقق التعاون بين لبنان والمجتمع الدولي في تبادل المعلومات الضريبية، خصوصاً للبنانيين الذين يحملون جنسيات أوروبية أو أميركية؟

وتسأل أيضاً عمن يتحمل مسؤولية عدم إقراره، خصوصاً أن مجلس التعاون سيضطر إلى إدراج اسم لبنان على اللائحة السوداء؟ وهل للبلد مصلحة في تعريض قيمته المالية لنكسة ستكون لها تداعياتها في الداخل؟

وترى أن تعذر التوافق على قانون الانتخاب يجب أن يشرِّع الأبواب حتماً للالتفات إلى تشريع الضرورة، وتقول إن لا مصلحة لأحد في التهديد بالشارع وإعلان العصيان السياسي، لأن هناك شوارع أخرى يمكن تحريكها، ما ينذر بإقحام لبنان في حروب شوارع هو في غنى عنها، في ظل الإجماع على حماية الاستقرار وتحصينه.

 

التهديد بالشارع

وتضع المصادر هذه، اللومَ على من يهدد بالاستقواء بالشارع بدلاً من التقيد بأصول اللعبة الديموقراطية، وتسأل: ما الجدوى من النزول إلى الشارع؟ وهل بات هو المكان الوحيد للذين يلوحون به لفرض شروطهم على الآخرين؟ والا لماذا يحضر هذا التهديد فور حصول أي خلاف في مجلس الوزراء أو الاعتراض على مجيء رئيس حكومة، كما حصل عندما أطيحت حكومة الرئيس الحريري الذي مُنع من العودة إلى الرئاسة الثالثة بنزول «القمصان السود» إلى عدد من الأحياء لفرض تأجيل الاستشارات النيابية لتهيئة الظروف أمام إعادة خلط الأوراق؟

ويحضر هذا التهديد من حين إلى آخر -كما تقول المصادر هذه- على لسان مسؤولين في «التيار الوطني الحر» إذا لم يُنتخب عون رئيساً للجمهورية، على رغم أنهم يطعنون بشرعية البرلمان الممدد له، ولا يمانعون بسحب معارضتهم إنما بشرط انتخابه.

لذلك تسأل المصادر نفسها إذا كانت الظروف الراهنة مهيأة لحصر التشريع في قانون الانتخاب وترحيل كل البنود الأخرى. وتقول إن النقاش فيه سيدور في حلقة مفرغة لأن أي قانون لا يقر من دون معرفة من سيكون الرئيس العتيد، وإلا فإن الكتل النيابية ليست في وارد تسليم «رقبتها» لخصومها لإضعافها ومنعها من أن يكون لها وزنها في المجلس المنتخب؟

وبما أن الظروف ليست مواتية، لا سياسياً ولا توافقاً، على قانون جديد، فإن إصرار البعض على عناده في طــــرحه سيقابل بمعارضة، لأنه يــرسم مستقبل لبنان السياسي، وبالـــتالي من غير الجائز التعامل معـــه بخفة وكأنه بند من قانون السير أو جزء من مشاريع واقتراحات القــــوانين التي تقر بسرعة ولا تحتاج إلى نقاش مفتوح كقانون الانتخاب.

وعليه، فإن تصاعد الخلاف حول القانون على رغم كل ما يقال عن وجود تفاهم بين كتل معينة على قانون مختلط، في حاجة إلى تذليل ما يعترضه من ملاحظات تتعلق بتوزيع المقاعد النيابية على النظامين الأكثري والنسبي من جهة، وبتقسيم الدوائر الانتخابية من جهة ثانية، وسيضع البرلمان ومن خلاله الكتل النيابية أمام خيارين: الأول يقضي باعتماد قانون الانتخاب النافذ حالياً والمعروف بـ «الستين»، والثاني التمديد للبرلمان سنة واحدة ريثما يصار إلى إقرار قانون جديد وتكون هناك فسحة من الوقت لتدريب الموظفين في وزارة الداخلية والبلديات على تطبيقه، وأيضاً تأهيل الناخبين ليكونوا على بينة من كيفية ممارسة حقهم في اختيار مرشحيهم إلى البرلمان.

وتعتقد المصادر أن معظم الكتل النيابية تميل إلى تأييد «الستين»، وربما إلى التمديد للبرلمان، لكنها لا تتجرأ على خوض معركة سياسية في العلن لمصلحة هذين الخيارين خوفاً من رد فعل هيئات المجتمع المدني في لبنان، وأيضاً المجتمع الدولي من خلال سفرائه الذين يجدون مادة سياسية تدفعهم إلى تفهم موقف الحراك المدني وتأييده، لعلهم يبيعونه مواقف من شأنها أن تحجب الأنظار عن لعب أي دور يدفع في اتجاه إنجاز الاستحقاق الرئاسي.

وتؤكد أن قانون «الستين» يبقى الراجح لدى معظم الكتل لكنها تقف ضده قولاً لا فعلاً، لأنها لا تريد الخوض في معارك مع الحراك المدني المعارض للتمديد أو لإعادة الاعتبار لهذا القانون.