لم يكن صدفة هذا التقارب الجوهري بين الرئيس نبيه بري والنائب سليمان فرنجية في الشأن الرئاسي.
فالعلاقة القوية بينهما هي نتاج تراكم مواقف عبر السنين منذ عهد الرئيس سليمان فرنجية الجد والسيد موسى الصدر مرورا بزمن الوصاية السورية ومع الوقت تطورت هذه العلاقة وتقاطعت المصالح حيث من الصعب تسجيل حادثة خلاف حصلت بين الطرفين.
فرنجية يقبل بالطائف:
وإنطلاقا من عمق العلاقة التي تجمعهما كان من البديهي أن يكون فرنجية خيارا أساسيا للرئيس نبيه بري لعدة أسباب. فسليمان فرنجية إبن النظام اللبناني الذي نشأ بعد الطائف بفلسفته وآليات عمله ومحركاته ولا يتبنى مشروعا تغييريا ولا يمارس عقيدة أيديولوجية تطمح بالثورة وهو لا يذهب بإتجاه تكريس مفردات راديكالية سياسية تصبو إلى قلب النظام وإستبداله بآخر.
كذلك فرنجية يمتاز بالواقعية التي يمارسها فنا في السياسة على أساس المعطيات المتوفرة فهو يدرك جيدا أن التركيبة الديمغرافية في لبنان تشير إلى تناقص أعداد المسيحيين ويدرك أيضا أن الطائف هو الأفضل لتمثيل المسيحيين في ظل هذه التناقص، لهذا لا يذهب بعيدا في أحلامه وطموحاته ولا يرفع شعارات كإستعادة حقوق المسيحيين لأنه يرى في الطائف ضمانة لهذه الحقوق لو طبق حرفيا.
فأي نية لتغيير إتفاق الطائف يراها فرنجية إنتحارا وقفزة في المجهول سيدفع ثمنها التمثيل المسيحي في الجمهورية وعلى هذا الأساس يرفض فرنجية المثالثة من خلال قبوله بالطائف الذي نص على المناصفة.
في طاولة الحوار الوطني الذي رعاها الرئيس بري كان النائب فرنجية كثيرا ما يعبر عن نقطة مهمة وأساسية تشير بوضوح لقبوله وتقبله لنظام الطائف وهي قوله المتكرر أنه هو من كان يحمي ويمثل المسيحيين في فترة الوصاية السورية عندما كان الجميل وعون في المنفى وجعجع في السجن. هذا الكلام الذي كان يوجه مباشرة للتيار الوطني الحر يعكس رؤية الرجل للدولة اللبنانية وشكل النظام.
وهو أيضا براغماتي لا يذهب بالعداء مع الشريك في الوطن لأقصى حدود التطرف ويتقبل ما له وما عليه ويرضى بحجمه وحصته التمثيلية.
بري يقبل بفرنجية:
هذه الأسباب مجتمعة تشكل عامل ضمانة لدى الرئيس بري والطرف السني في البلد كون بري هو أيضا إبن أدبيات هذا النظام ويشارك فرنجية نفس الرؤية.
أضف أن الرئيس بري ينظر إلى الرجل نظرة الخبير المدرك بخفايا أمور السياسة اللبنانية وكيفية عملها ففرنجية " إبن الكار " و " بيفهم على الأستاذ". هذا كله يجعل فرنجية خيارا مفضلا لدى بري لكن النقطة الأهم التي جعلت بري يتمسك بفرنجية هو حظوظ الجنرال عون بالوصول إلى قصر بعبدا.
أصبح سليمان فرنجية بين ليلة وضحاها خشبة الخلاص لبري لعدم الإندفاع نحو خيار عون وتمسكه بفرنجية بالدرجة الأولى سببه أن الأخير أصبح عامل معرقل لوصول الجنرال للرئاسة الأولى وعلى هذا الاساس يصر بري على فرنجية بالإستمرار بالترشيح للوصول إلى الخاتمة المطلوبة.
أما فرنجية فيقبل بلعب هذا الدور ليس حبا فقط بالرئيس بري بل لأنه يدرك أن بعد ترشيحه من قبل سعد الحريري خسر جمهور حزب الله وإستفز جمهور التيار الوطني الحر، وبعد تبلغه من الحريري نيته بأن لا مانع بإنتخاب عون أدرك أنه قد يخسر كل شيء وعبر عن ذلك بقوله " في ناس بدا مني انو إلغي نفسي".
لذلك تقاطعت مصلحة بري وفرنجية حول عدم وصول عون للرئاسة من دون سلة تفاهمات تضمن مصالح الحليفين، وفي ظل غياب هذه السلة فلن ينتخب بري وفرنجية ميشال عون حتى لو كانا وحدهما وسيستمر فرنجية بالترشيح حتى لو معه نائب واحد كما قال.
إقرأ أيضا : هل يقود بري 14 آذار وجعجع 8 آذار؟!
حلف مقدس:
أدى ذلك إلى نشوء حلف يمكن وصفه بالمقدس وممنوع المساس به وتحول فرنجية إلى رمز وبطل بنظر جمهور حركة أمل الذي يواجه مخطط وصول ميشال عون للرئاسة وما يمثله عون من عامل إستفزاز لهذا الجمهور.
هذا الحلف ينمو ويكبر ليؤسس علاقة جديدة بين الأطراف اللبنانية وليقدم أنموذجا آخر عن التقارب والتحالف بين المكونين الإسلامي والمسيحي.
نموذج آخر ومغاير عن ورقة تفاهم مار مخايل يثبت نجاحه كل يوم.
بقلم رئيس التحرير