إستأثرَت أزمات المنطقة، وخصوصاً اليمن وسوريا، بأكثر من نصف كلمة الأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله العاشورائيّة، التي سيكون لها تأثيراتها على الحركة الرئاسية، وقد تركت انطباعات عدة: أوّلاً، لا تبدو اللحظة الإقليمية مؤاتية للتوصّل إلى تسوية رئاسية، نظراً إلى التصعيد الكلامي ضد السعودية واحتدام النزاع في المنطقة وانخراط «حزب الله» فيه. وثانياً، وجود ملاحظات لـ»حزب الله» على انفتاح رئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري حيال رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون وتشديده على ضرورة الاتفاق مع رئيس مجلس النواب نبيه بري والحلفاء. ثالثاً، تكراره عدم استعداد «حزب الله» للضغط على حلفائه، أي حركة «أمل» ورئيس تيار «المردة» سليمان فرنجيّة، للانسحاب من السباق الرئاسي ودعمِ عون.
أعلنَ السيّد نصرالله تأييده أيَّ تحوّلات سياسية إيجابية توصل الاستحقاق الرئاسي إلى النتيجة، وقال إنّه منذ «اليوم الأوّل خيارُنا واضح، وقبل عامين وفي مِثل هذه الليلة أعلنتُ أننا بشكل واضح وعلني دعَمنا العماد ميشال عون، وأخَذنا خيار أن لا نذهب إلى الجلسات إذا لم يصل مرشّحنا، وهذا حقّنا القانوني، وفُتِح علينا سيلٌ من الاتهامات، وسيبقى حتى انتخاب الرئيس، بأنّنا نعطّل الانتخاب».

ولفتَ نصرالله إلى أنه «تمّ اتّخاذ قرار منذ سنتين أن لا نكون مضغوطين لهذا الاتّهام»، وقال: «هناك أُناس يعملون للاستفادة من التطورات الرئاسية لحصول فتنة بين الحزب و»التيار» وبين الحزب وحركة «أمل» وبين الحزب و»المردة»، ولا يهتمون بوصول الرئيس»، وأكّد «أننا أهلُ الصدق والوفاء وأهل الالتزام بالموقف، هكذا كنّا وهكذا سنبقى».

وأضاف أنّ «اللبنانيين مطالبون ببذل الجهود للتفاهم والتلاقي لانتخاب رئيس وتشكيل حكومة وحدة وطنية يشارك فيها الجميع، ليبدأ التحضير للانتخابات النيابية، نحن لا ننتظر شيئاً من المنطقة ولا نريد توظيف تطورات المنطقة في لبنان».

وتساءَل: «إذا انسحب فرنجية هل ستَحصل انتخابات رئاسية؟»، وأضاف: «هم يريدون»مشكلة بيننا وبين حلفائنا، وعند الامتحان يكرَم المرء أو يهان»، وأشار إلى «أنّ المطلوب هو حوارات لإيجاد تفاهمات، والمساعدة على إنجاز هذا الاستحقاق».

وأوضَح أنّ «بين المستقبل والتيار تفاهم وليس صفقة، جزءٌ من التفاهم انتخاب العماد عون مرشّحاً قوياً للرئاسة، وفلان مرشّحاً قوياً لرئاسة الحكومة». وبالنسبة إلى وضع المنطقة، قال نصرالله: «نحن نَشهد في هذه الأيام، مشهداً تصعيدياً وتوتّراً، خلافاً لِما كان عليه قبل أشهر.

قبل أشهر بدا كأنّ المنطقة تدخل في الحلول، مثلاً المفاوضات اليمنية في الكويت، اللقاءات الدولية في فيينا، والحوار بين الأميركيين والروس والوصول الى اتّفاقات معيّنة أعطت شعوراً أنّ سوريا ستصل الى حلّ سياسي معيّن. ولكن في الأسابيع الماضية هذا المسار التفاؤلي سَقط. مفاوضات الكويت فشلت والمفاوضات الأميركية الروسية فشلت، وعاد جوّ المنطقة إلى التصعيد والتوتّر».

ردّ الحريري

وفي ردّ على نصرالله، قال الرئيس سعد الحريري: «توقّع السيد نصرالله ان أردّ عليه في نهاية خطابه، إلّا أنه ردّ على نفسه بنفسه. وكلامه ينطبق حرفياً على ما تقوم به إيران في سوريا والمنطقة»، معتبراً أن «يد ايران و»حزب الله» في تدمير مدن سوريا وفي دماء أكثر من ربع مليون سوري لن يغطيها الصراخ، وأصوات أطفال حلب ستظل تقضّ مضاجع القتلة».

وأضاف: «الأجدر بالذين يتباكون على اليمن وشعبها أن يتوقفوا عن المشاركة في تقسيم اليمن وتسعير الحرب الأهلية بين أبنائها، وقبل أن يسأل هؤلاء ماذا تفعل السعودية في اليمن، ليسألوا أنفسهم ماذا يفعلون هم في اليمن وكيف يعطون إيران شرعية تدريب الميليشيات وتسليحها، فليكفّ هؤلاء عن سفك دماء اليمنيين والسوريين والعراقيين، وليكفوا عن سياسات ضرب الوحدة الإسلامية».

وسأل: «أين دموعهم من الجرائم التي يرتكبونها في سوريا والعراق واليمن وغيرها؟ أين دموعهم من أيديهم الملطخة بالدماء في حلب وكل أنحاء سوريا؟ أين دموع هؤلاء من ملايين السوريين والعراقيين واليمنيين المشردين في أصقاع الدنيا بفعل قرار ايران تخريب المجتمعات العربية؟».

وأكد «أن ايران هي رأس حربة التخريب في سوريا والعراق واليمن، وهي المسؤولة عن تسريب السموم المذهبية الى مجتمعاتنا وتهديد وحدتها وعيش أبنائها»، مشدّداً على «أننا أمام خطاب سياسي متوتر، لا وظيفة له سوى تأجيج الكراهيات بين المسلمين، وصبّ الزيت على نيران الحروب العربية، و ما سمعناه وما نسمعه منذ سنوات حلقة في مسلسل يسيء للبنان ولعلاقاته مع أشقائه، لكنه لن يكون وسيلة لجرّ لبنان الى ما تريده إيران وأدواتها.

من جهة أخرى، يتقلّب الاستحقاق الرئاسي، وفق مصادر واسعة الاطلاع لـ»الجمهورية»، بين التفاؤل والتشاؤم. فطالما إنّ الحريري لم يترجم «وعده» لعون بترشيحه عملياً، فلا ينتظرنَّ من الآخرين، سواء على مستوى ساحته الداخلية، أو على مستوى ساحة الفريق الآخر، بلورةَ أيّ موقف ما لم يقل كلمتَه حتى يَبني الجميع على الشيء مقتضاه.

لكنّ الحريري، في المقابل، والذي يدرك أنّه لا يمكنه حسم خيارِه الرئاسي قبل التفاهم مع الرياض، يَرغب في لبننةِ هذا الخيار عبر حركته التشاورية، أقلّه على المستوى الداخلي. وفي هذه الحال، ينتظر من الآخرين مواقفَ يعتقد أنّها تساعده على هذا الخيار، علّها تغيّر في المناخ السعودي الذي يفهمه كثيرون الآن على أنّه نأيٌ سعوديّ عن الملف الرئاسي خصوصاً، واللبناني عموماً. وقد غادرَ الحريري أمس الى الرياض، ما فرَض تأجيل الاجتماع الأسبوعي لكتلة «المستقبل» حتى غدٍ الخميس.

فرنجية عند بري

وكان الملف الرئاسي قد تنقّلَ أمس بين بكركي التي أجرى عون اتصالاً هاتفياً بسيّدها شاكراً له مواقفَه، وعين التينة التي حطّ فيها رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية مؤكّداً استمرارَه في ترشيحه حتى لو بقيَ معه نائب واحد، والسراي الحكومي التي زارها موفَد النائب وليد جنبلاط الوزير وائل ابو فاعور بعد زيارة عين التينة و»بيت الوسط» غداة عودته من الرياض.

إلّا أنّ الحدث الأبرز على جبهة الاستحقاق الرئاسي تمثّلَ باللقاء الذي شهدَته عين التينة بين رئيس مجلس النواب نبيه بري وفرنجية، وهو لقاء حمَّله البعض أكثرَ من رسالة في أكثر من اتّجاه، وأُعطيَ جملة من التفسيرات، ويتوقّع أن يكون تأثيره المباشر وغير المباشر في مجرى الاستحقاق الرئاسي الذي يبدو أنّه ما زال مقفَل الأفق طالما إنّ الحريري لم يحسم خيارَه النهائي بعد.

بري

ولم يَرشح من أوساط بري أيّ تفاصيل عمّا دار في اللقاء بينه وبين فرنجية، إلّا أنّه قال أمام زوّاره إنّ ما أعلنه فرنجية بعد اللقاء هو نفسه ما قاله خلاله.

وهل يمكن الاستنتاج ممّا قاله فرنجية أنّ الاستحقاق الرئاسي آيلٌ إلى منافسة ديموقراطية في المجلس بين مرشّحَين أو أكثر؟ أجاب بري: «هناك اتصالات ومشاورات، ويريدون إنجاز الاستحقاق حسب الأصول الدستورية.

طرَحنا شيئاً ففسّروه خطأً وكادوا أن يوقعوا بيننا وبين بكركي، والحمد لله عولج الأمر. وبدأنا نسمع حديثاً عن تفاهمات وطنية وتفاهمات تفاهمات وكلمات كلمات. على أيّ حال أنا وكتلتي نحضر إلى المجلس منذ أوّل جلسة دعونا إليها، وملتزمون الأصول».

وكان المكتب الإعلامي لبري قد نفى كلاماً منسوباً له خلال اجتماع هيئة مكتب مجلس النواب حول انتخابات رئاسة الجمهورية. وأوضح «أنّ مكتب المجلس ناقشَ الأمور المدعو إليها، ولم يناقش موضوع رئاسة الجمهورية، مَن مع أو مَن ضدّ عون، وأملَ في أن لا يحاول أحد أن يتغطى بموقفه».

فرنجية

وقد شكرَ فرنجية لبري موقفَه بدعم ترشيحِه، واعتبَر أنّ الآراء كانت متطابقة معه، و»سنكون مع بعضنا في السرّاء والضرّاء». وقال: «هناك جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية في 31 الجاري، ونحن ندعو العماد عون وأيَّ مرشح آخر للنزول الى المجلس والاحتكام الى التصويت، وصحتين على قلب اللي بيربح».

ولفتَ إلى أنّ «الذين يطالبون اليوم الحريري بإصدار موقف رسمي بترشيح العماد عون هم أنفسهم من شنَّ حملة عليَّ يومها وقالوا كيف يَقبل الرئيس الماروني أن يرشّحه الرئيس السنّي أو المرجعية السنّية»؟ وأكّد فرنجية تمسّكه بمعادلة «أنّ أيّ مرشّح يَعتبر نفسه الأقوى لا ينسحب لمن يَعتبره الأضعف»، وشدّد على أنّ الكلمة هي لمجلس النواب.

بكركي

وفي خطوةٍ لافتة وكثيفة الدلالات تلقّى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي أمس اتّصالاً هاتفياً من عون، أثنى فيه على مواقفه، وكانت مناسبة لعرض آخِر التطورات في شأن الاستحقاق الرئاسي.

وكانت بكركي قد شهدت أمس اجتماعاً أمميّاً - أميركياً تمثّلَ بلقاء الراعي مع السفيرة الأميركية اليزابيت ريتشارد،‎ وانضمَّت إليه لاحقاً المنسّق الخاص للأمين العام للامم المتحدة سيغريد كاغ.

مصادر بكركي

وأكّدت مصادر بكركي لـ«الجمهورية» أنّ «أجواء الاتّصال بين عون والراعي كانت ممتازة جدّاً، وتمّ التطرّق إلى كلّ جوانب الاتصالات الرئاسية الأخيرة، ووضَع عون البطريرك في آخِر التطورات في هذا الملفّ، حيث أبدى الجنرال تأييداً كاملاً لمواقف البطريرك، ما يَدحض كلّ الإشاعات التي تحدّثت عن انزعاجه من تصعيد بكركي الأخير الذي قيل إنه قد يعرقل المساعي التوافقية». كما أكّدت أنّ «كلّ هذه الإشاعات لا أساس لها من الصحّة وأنّها أمرٌ مضحك».

وعن زيارة ريتشارد وكاغ، أكّدت مصادر بكركي أنّ «مساعي البطريرك مستمرّة في كلّ الاتّجاهات، خصوصاً مع سفراء الدول الكبرى، لكن لا شيء جديداً حتّى الساعة، بحيث أعادا التأكيد أنّ هذا الملف هو بيدِ اللبنانيين وعليهم حلّه بالاتّفاق في ما بينهم وفي أسرع وقتٍ ممكن».

نصيحة المرّ

وفي سياق متّصل بالشأن الرئاسي، أسدى نائب رئيس مجلس الوزراء السابق النائب ميشال المر نصيحةً لتكتّل «التغيير والإصلاح» بوجوب التفاهم مع بري،

وذلك لدى استقباله في العمارة مساء أمس وفداً من التكتّل ضمّ الوزير الياس بو صعب والنائبين نبيل نقولا وحكمت ديب والوزير السابق نقولا الصحناوي. وإذ تمنّى الوفد على المر تأييدَ ترشيح عون للرئاسة، ردّ المر ناصحاً الوفد بالتفاهم مع بري، وقال: «إنّني تعوّدت دوماً التنسيق مع دولة الرئيس بري في مختلف القضايا، وخصوصاً في الشأن الرئاسي، ودائماً نتّفق ودولتَه على خيار ونَسير به».

وعلِم أنّ الوفد قَبِلَ نصيحة المر وأكّد أحد أعضائه أنّ التكتّل سيأخذ بها، وهو مقتنع بضرورة التفاهم مع بري.

باسيل

وكان رئيس» التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل قد لفتَ خلال جولة له على الأحزاب الحليفة إلى» أنّنا أمام مفترق طرق، فإمّا التوافق أو المجهول. وشدّد على أنّ «ما يُرمى من إشاعات عن أوراق مكتوبة وصفقات مدبّرة لا يمتّ إلى الحقيقية بصِلة».

وإذ أيَّد التقارب بين الحريري وعون، أكّد أنّه «لا يمكن أن نحكم على هذا التقارب قبل أن نسمع موقفاً واضحاً من الرئيس الحريري حيال ترشيح عون، ولا يمكننا أن نستند إلى تصريحات إعلامية ونحن في انتظار إعلان الترشيح لأخذِ الخطوات اللازمة».

وإذ أحالَ باسيل السائلين عن موضوع تغريدة القائم بالأعمال السعودي وليد البخاري إلى الحريري، قال: «نحن معنيّون بالناحية الداخلية من الموضوع».

سعَيد

وفي المواقف، قال منسّق الأمانة العامة لقوى 14 آذار النائب السابق الدكتور فارس سعيد لـ»الجمهورية»: «أودّ أن أطَمئن جميع «الآذاريين» إلى أنّ العماد عون لن يكون رئيساً للجمهورية للأسباب التالية:

أوّلاً: لأنّ موضوع رئاسة الجمهورية هو شأن إقليمي دولي أكثر ممّا هو شأن داخلي.

ثانياً: يتبيّن يوماً بعد يوم أنّ أولوية «حزب الله» هي الحفاظ على الوحدة الداخلية داخل الطائفة الشيعية من خلال تفاهمِه مع حركة «أمل» الذي يتفوّق على تفاهمِه مع «التيار الوطني الحر».

ثالثاً: لأنّ الرئيس الحريري وقبلَه الدكتور سمير جعجع رشَّحا عون، ولا أحد في لبنان يريد إعطاءَ الحريري وجعجع شرفَ قدرةِ إيصال رئيس جمهورية إلى قصر بعبدا.

رابعاً: لأنّ التشنّج الإقليمي الذي حصل، خصوصاً بعد حادثة مجلس العزاء في اليمن واستنفار كلّ أدوات إيران في لبنان والمنطقة تضع عملية رئاسة الجمهورية في لبنان في قلب الاشتباك السعودي ـ الإيراني، وبالتالي يصعب على الجميع إيصال رئيس جمهورية في هذه اللحظة.

خامساً: سنذهب إلى جلسة الانتخاب في 31 / 10/ 2016 ونخرج منها من دون انتخاب رئيس جمهورية».