حكاية من الماضي فحواها أنه بعد ايام على زواجه قرر العريس الجديد الذهاب إلى عمله وصباح اليوم التالي ودع عروسه وتوجه إلى غرفة أمه حيث يسكن معها في نفس الدار فودعها هي الأخرى واوصاها خيرا بالزوجة التي لا تزال في شهر العسل وغادر.
فما كان من الام وبعد أن أنهت أعمالها المنزلية إلا أن حملت فطورا متواضعا مع رغيف ونص إلى العروس ودعتها لتناوله وخاطبتها :" كلي يا عمي بس من الشقفة ما تاكلي ومن الرغيف لا تشقفي " اي ما معناه أن لا تأكل من نصف الرغيف وأن لا تقطع الرغيف الكامل.
فاحتارت الزوجة المسكينة لهذا الكرم المكبل بشرط مستحيل فاضطرت لأن تمتنع عن تناول الطعام حرصا على عدم الإخلال بهذا الطلب ارضاءا لحماتها وعدم معصيتها مع بداية حياتها الزوجية الجديدة. وحتى عندما عاد الزوج من عمله فإن الزوجة اعتصمت بالصمت ولم تنبس ببنت شفة ولم تبح لزوجها بهذا السر المؤلم حفاظا على تماسك بيت الزوجية وصونا له من المشاكل.
لكنه مع توالي الأيام فقد بدت علامات الوهن والضعف والهزال واضحة على جسد الزوجة المسكينة مما لفت نظر زوجها الذي إضطر لعرضها على الطبيب حيث جاء تقريره وبعد إجراء الفحوصات الطبية اللازمة أن الحالة ناتجة عن سوء تغذية، عندها اضطرت العروس للبوح بما اخفته عن زوجها الذي بادر إلى معالجة المشكلة مع ذيولها بالوسائل السلمية مستخدما سلاح الإقناع بالكلمة الرحيمة متفاديا استخدام السلاح النووي والكيماوي وأسلحة الدمار الشامل.
هذه القصة اللطيفة تتشابه إلى حد بعيد مع الواقع السياسي اللبناني لجهة الشروط المسبقة المستحيلة كي يتم تسهيل إنجاز الملف الرئاسي حيث يتم طرح شرط الاتفاق بين كافة القوى السياسية والحزبية على جملة ملفات منها ملف تشكيل الحكومة وملف قانون الإنتخابات النيابية وتوزيع الحقائب الوزارية إضافة إلى ملفات أخرى كشرط مسبق للتوافق على رئيس للجمهورية جمعها كلها رئيس مجلس النواب نبيه بري في سلة واحدة.
إذ أنه لا بد من التوافق على كافة هذه الملفات جملة واحدة كشرط مسبق لتمرير انتخاب رئيس للبلاد.
وهذه الملفات بغالبية تفاصيلها هي شأن رئاسي لذا فإن الاتفاق عليها مسبقا تعني الانتقاص من صلاحيات الرئيس وبالتالي تقارب المس بالدور المسيحي المصان بالدستور وبميثاق العيش المشترك ووثيقة الوفاق الوطني.
وكان من الطبيعي أن تحدث هذه السلة هزة في الوسط المسيحي حيث جاء الرفض مباشرة من بكركي وكافة القوى المسيحية بمن فيهم زعيم التيار الوطني الحر العماد ميشال عون.
إذ أن هذه السلة تجعل من الرئيس المزمع انتخابه دمية ومكبلا بقيود لا يستطيع التحرر منها وتمنع عليه مقاربة ملفات هي أساسا تدخل ضمن صلاحياته.
فشرط الاتفاق على السلة يفضي إلى إتفاق على رئيس معفى من عبء الاستشارات النيابية لتكليف رئيس لتشكيل الحكومة ولا علاقة له بتوزيع المناصب والوزارات وليس له رأي بالبيان الوزاري ولا بالوزارات السيادية والخدماتية وقانون الانتخابات النيابية وممنوع عليه مقاربة ملف الفساد وهدر المال العام وملف السلاح غير الشرعي والسلاح المتفلت في الشوارع ومحروم من المشاركة في قراري الحرب والسلم وليس له أن يعترض على فريق حزبي متورط في الحرب السورية ولا على إقامة دويلة داخل الدولة ولا تصل صلاحيته إلى حدود تعيين موظفي الدرجة الأولى ولا شأن له باختيار قادة الأجهزة الأمنية وقائد الجيش مع أنه في الدستور هو القائد العام للقوات المسلحة.
وبذلك تقتصر مهمة الرئيس الجديد على إستقبال وتوديع السفراء المعتمدين وترؤس جلسات مجلس الوزراء دون المشاركة في نقاشاته والمشاركة ببعض المؤتمرات المحلية والخارجية مع توصية بأن يكون حارسا أمينا للقصر الجمهوري لمدة ست سنوات.
وعليه فالمطلوب من الرئيس الجديد أن يقيم في قصر بعبدا مقيدا ومن دون صلاحيات كالزوجة المسكينة الممنوع عليها الاكل من نصف الرغيف أو تقطيع الرغيف الكامل.
إذ إن صلاحيات الرئيس موجودة في مكان بعيد وعلى وجه الدقة في العاصمة الإيرانية طهران.
حارس للقصر وليس رئيسا للجمهورية
حارس للقصر وليس رئيسا للجمهوريةطانيوس على وهبي
NewLebanon
التعريفات:
مصدر:
لبنان الجديد
|
عدد القراء:
12542
عناوين أخرى للكاتب
مقالات ذات صلة
ارسل تعليقك على هذا المقال
إن المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس بـالضرورة سياسة الموقع
© 2018 All Rights Reserved |
Powered & Designed By Asmar Pro