يمارس الشيعة في البحرين احتفالاتهم بعاشوراء، هذا العام، في أجواء أكثر انفتاحا على الرغم من محاولات جهات وأحزاب معارضة ممارسة الإثارة السياسية والتحريض على بث الفوضى، مستغلة هذه المناسبة الدينية ذات الطقوس الخاصة.
ويعيش الشيعة على وقع هذه المناسبة طيلة عشرة أيام تبدأ من اليوم الأول لشهر محرم وتستمر حتى اليوم العاشر، وهو اليوم الذي قتل فيه الإمام الحسين بن علي مع عدد من أهل بيته في واقعة كربلاء عام 61 للهجرة.
وتحرص الحكومة البحرينية على توفير الأجواء المناسبة للمواطنين الشيعة ليقيموا مراسمهم على أكمل وجه.
وقد لمست “العرب” ذلك، خلال جولة في العاصمة البحرينية المنامة ومناطق محيطة بها، وشهدت جوانب من هذا الاحتفال الشعبي السنوي ولمست عن قرب صور التعاون الحكومي مع الجهات المعنية وتقديم الدعم متعدد الأشكال لها.
الشيخ محسن العصفور: مراجع الشيعة في كل مكان تجمع على حرمة إخراج أموال الخمس والزكاة من بلدانها لكن مراجع إيران تطالب مقلديها بإرسالها إليها
انفتاح يتصدى للمعارضين
يقطع هذا التعاون مع محاولات المعارضة تسييس المناسبة والادعاء بأن الحكومة تضيق على حرية المعتقد والممارسة الدينية بالنسبة إلى أبنائها الشيعة، وهو أمر تفنّده مواكب العزاء التي تنتشر في المناطق التي يتركز فيها الشيعة، والمسيرات التي تجوب الشوارع، والتي تجنّدت لها مؤسسات مثل وزارة الداخلية لتوفير الأمن ومتابعة المنافذ المؤدية للطرقات التي تسير عليها هذه المواكب، ووزارة الصحة من خلال توفير سيارات إسعاف وعيادات خاصة.
وقد حاولت المعارضة هذا الموسم استغلال قيام السلطات البحرينية بإلقاء القبض على عدد من علماء الدين الشيعة، منهم المرجع عبدالله الغريفي؛ لكن الشيخ محسن العصفور، رئيس مجلس إدارة الأوقاف الجعفرية في البحرين، رفض في حوار مع “العرب”، الربط بين عملية إلقاء القبض وبين شهر محرم، عازيا ذلك إلى الخطاب التحريضي الذي أطلقه البعض ومحاولتهم إثارة الفتن في المجتمع البحريني.
وقال إن أجواء عاشوراء هذا العام تسير في أجواء من الانفتاح ولم تشهد أي مضايقات، شأنها شأن الأعوام الماضية، وأن رؤساء المآتم الحسينية تسلموا مثل كل عام ما تقدمه إليهم الدولة من خدمات وتموين، مشيرا إلى أنه في البحرين توجد حولي 601 من المآتم الرسمية المسجلة في إدارة الأوقاف الشيعية وأكثر من ألف مأتم غير مسجل، وهو عدد كبير جدا بالنسبة إلى بلد صغير جدا مثل البحرين.
تأكد بالحجة والدليل وقوف إيران خلف الاضطرابات التي يشهدها الشارع البحريني من حين لآخر منذ سنة 2011 سواء بتدريب وتمويل مثيري الشغب في الشوارع، أو بتوفير الغطاء الإعلامي لهم.
ويصنّف التدّخل الإيراني في الشأن البحريني ضمن محاولة طهران تحويل المملكة إلى ساحة لصراعها وتصفية حساباتها الإقليمية عبر تحويلها إلى بؤرة للتوتر في منطقة الخليج التي تعتبر استثناء في استقرارها قياسا مع محيطها المضطرب.
وانتقد رئيس مجلس إدارة الأوقاف الجعفرية في البحرين بشدة الأحزاب المعارضة الموالية لإيران، التي قال إنها أوقعت شيعة البحرين في المأساة وجعلتها فرائس لمطامعها في السلطة وصراعها عليها.
وقال إن في البحرين أحزابا تدعمها إيران وهي حزب الله، وعدد أفراده قليل ومحدود، بالإضافة إلى حزب الدعوة ومنظمة العمل الإسلامي، مشيرا إلى أن إيران كانت ترفض التعاون مع الأخيرة وتكرهها قبل غزو العراق وإسقاط نظام صدام حسين، ولكنها عادت إلى دعمها بعد ذلك، مشددا على أن هذه الأحزاب تتحمل مسؤولية تخريب المجتمعات الشيعة وتحويل مناطقها إلى “مناطق منكوبة”.
وأكد أنه لو كانت هذه الأحزاب تمتلك الأسلحة والقدرة لما أبقت من شيعة البحرين، المخالفين لها، أحدا من دون أن تقاطعه وتنكّل به وتؤذيه.
الأوقاف الجعفرية تطلق مشروع المسجد الذكي
سيتم، ولأول مرة، في مملكة البحرين إطلاق مشروع “المسجد الذكي”، الذي سيكون تصميمه نموذجيا فنيا وهندسيا، وأبعاد حجمه الأولي 7 أمتار في 7 أمتار قابلة للزيادة عند الحاجة وهو مكون من طابقين.
وسيشيد المسجد، وفق ما صرح به الشيخ محسن العصفور، على مساحة جغرافية محدودة في وقت قياسي وتركيبه لن يستغرق أكثر من يوم واحدة وهو قابل للتفكيك والنقل والتوسعة والإضافة ويعمل بالطاقة الشمسية وسعره 20 ألف دينار وهو مناسب، مشيرا إلى أن هذه المساجد الذكية سيتم تشييدها مكان المساجد القديمة المبنية بنحو عشوائي وغير مناسب وتلك الآيلة للسقوط.
تتهم أحزاب المعارضة إدارة الأوقاف الجعفرية بأنها أداة حكومية للتحكم في شيعة البحرين، وهو ما ينفيه بشدة الشيخ محسن العصفور، مؤكّدا أن إدارة الأوقاف الجعفرية لم يكن لها حضور في السابق وكان دورها شكليا ولكنها الآن تمثل الصوت الشيعي الرسمي الذي يتصف بالحكمة والاعتدال، في إشارة إلى أن الإدارة الجديدة برئاسته منعت الأئمة غير المؤهلين والمتشددين عقائديا من مزاولة وظائفهم.
وسخر رئيس الأوقاف الجعفرية في البحرين من الخطاب التحريضي لهذه الأحزاب التي تبحث عن السلطة ولو على حساب استقرار البلد، وقال “إن 90 بالمئة مما يروّج له خطاب المعارضة هو غير صحيح، ولو أننا جمعنا من بياناتها عدد ضحايا الأحداث الذين وقعوا في البحرين منذ العام 2011 إلى الآن، لظهر لنا أن هذا العدد يفوق عدد سكان البحرين”.
وأشار إلى أن هذه الأحزاب أحدثت ضجة كبرى مدّعية أن السلطات الحكومية أزالت مسجد الشيخ محمد البربكي في عالي، والذي وصفته بأنه أعظم شخصية شيعية، في حين أن أبسط المطلعين على تاريخ التشيّع في البحرين، يعرفون أن هذه الشخصية وهمية وغير معروفة وأن المسجد نفسه مبني على أرض مغتصبة.
وتم منذ سنوات تقديم مقترحات لمراجعة قانون الأحوال الشخصية في البحرين، لكن في كل مرة يتم تعطيل جلسات المناقشة، حيث تشن المعارضة البحرينية هجوما عنيفا على المقترح، خصوصا في ما يتعلق بـ”الشق الشيعي”، الذي وضعه الشيخ محسن العصفور، ما تسبب في تأخير صدوره، رغم أهميته، وهو موجود الآن على طاولة البرلمان البحريني.
واستنكر رئيس الأوقاف الجعفرية معرقلي مشروع القانون، الذي وصفه بأنه كان شاملا واحتوى على جميع الثوابت إذ ضم 1506 مواد شرعية عن أحكام الزواج فقط، وقال إن المعارضة هاجمت مشروع القانون قبل أن تقرأه ولم تقدم بديلا عنه، وبقي المشروع وحيدا من دون منافس، لأنها معارضة لأجل المعارضة، مشددا على أن الجمعيات الليبرالية غير مسموح لها أن تتدخل في التشريع الإسلامي.
ودافع الشيخ محسن العصفور عن تحريمه لإخراج أموال الخمس والزكاة من البحرين وإرسالها إلى مراجع شيعية خارج البحرين في إيران وغيرها، وقال إن فتاوى مراجع الشيعة في كل مكان تجمع على حرمة إخراج هذه الأموال من بلد مع وجود الحاجة إليها في البلد نفسه، لكن هناك مراجع شيعية في إيران تخرج عن هذا الإجماع وتطالب مقلديها بإرسالها إليها حتى لو توقفت حياة الناس في البلد الذي تخرج منه هذه الأموال.
تسعون سنة من التسامح
تحدث الشيخ محسن العصفور عن تدشين إدارة الأوقاف الجعفرية لحزمة من المشاريع المهمة بمناسبة احتفالها بالذكرى التسعين لتأسيسها في العام 1927. وقال إن الإدارة ستواصل على مدار هذا العام تنفيذ العديد من المشاريع والبرامج والفعاليات التي تعنى بتعزيز مبادئ الشفافية وتأصيل الشراكة المجتمعية وتجذير دور الأوقاف وإسهاماتها في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة وتطوير دور العبادة من المساجد والمآتم والحسينيات، التي يبلغ عددها نحو 700 مسجد و600 مأتم إلى جانب الأصول الاستثمارية الموقوفة على تلك المساجد والمآتم والأصول الموقوفة للذرية والخيريات العامة وأوقاف الدرس والعبادة وشؤون المقابر والأصول المالية السائلة للأوقاف.
وتطرق إلى مشروع تطوير مرحلي لمسجد ومركز الشيخ عزيز الإسلامي، مشيرا إلى أن المشروع سيشكل تحفة إسلامية معمارية تحمل الطابع الهندسي الإسلامي العريق، وسيكون ممزوجا بالتصاميم الهندسية الابتكارية بما يتناسب مع أجواء التسامح والتعددية والحريات الدينية والنهضة العمرانية.
وتحدّث عن مشروع التطوير التفصيلي للمسجد الكائن بمنطقة السهلة والمعلن عنه قبل 11 شهرا، مشيرا إلى أن المشروع لا يزال موجودا، لكنه يحتاج إلى الكثير من الوقت بوصفه مشروعا ضخما، وتتداخل في عملية تنفيذه وزارات وجهات عدة، موضحا أن المشروع المرحلي لن يكون بديلا عن المشروع التفصيلي، لكنه سيكون خطوة في الاتجاه نفسه، وسيضمن عدم تعطيل المسجد بعد العمل على المشروع الأكبر.
صحيفة العرب