كادت "تغريدة " مفاجأة مساء أمس للقائم بأعمال السفارة السعودية في بيروت وليد البخاري تشعل باب الاجتهادات الرئاسية على الغارب، وسط مناخ سياسي متوثب لتلقي الاشارات "المرمزة" في أدق تفاصيلها من الداخل والخارج وتوظيفها في ما يصح ولا يصح في ما يعني الملف الرئاسي. لكن أكثر ما اكسب هذه الواقعة دلالة تمثل في مسارعة الديبلوماسي السعودي الى "تصويب" تغريدته قبل انفلات حبل التفسيرات والقراءات وربما بناء المواقف السياسية على اساسها. ذلك ان القائم بالاعمال السعودي غرد العبارة المقتضبة الآتية في حسابه بموقع "تويتر": "وزير خارجية لبنان جان عبيد حكيم وزراء الخارجية العرب " وذيل العبارة بتوقيع وزير الخارجية السعودي الراحل سعود الفيصل. وبعدما تداولت مواقع تواصل اجتماعية التغريدة على نطاق واسع سارع البخاري الى تدوين عبارة الحاقية جاء فيها: "التغريدة ( السابقة ) كانت في اطار توثيق سلسلة من الاقوال المأثورة لسمو الامير سعود الفيصل، رحمه الله، لا تحتمل الكثير من الاجتهادات". ثم عاد ليلا وغرد أنه "تم حذف التغريدة بسبب سوء تفسيرها وخروجها عن مقاصدها".
والواقع انه لم يكن غريباً ان تثير هذه التغريدة "الاجتهادات " التي تنبه لها البخاري واستدركها بحذفها فيما تثار تباعاً التساؤلات لدى مختلف الاوساط السياسية عن موقف المملكة العربية السعودية من المسعى المتواصل للرئيس سعد الحريري في شأن بلورة الخيارات الرئاسية ومنها وأبرزها خيار انتخاب العماد ميشال عون. وفي الساعات الاخيرة تحديدا سعى كثيرون الى معرفة ما حمله وزير الصحة موفد الزعيم الجنبلاطي وائل ابو فاعور في زيارته الثانية للرياض أول من امس منذ ان اطلق الرئيس الحريري مبادرته. لكن الوزير ابو فاعور كاد ينفي الزيارة حين اجاب الصحافيين في عين التينة عقب لقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري امس متسائلاً: "هل زرت السعودية؟". ولم يشف القليل مما تردد عن اجواء الزيارة غليل الفضوليين اذ قيل إن السعودية تترك للبنانيين تدبير امورهم بانفسهم وتترك تحديدا للرئيس الحريري ان يقوم بما يراه مناسباً. وفيما تحدثت معلومات عن اعتزام الحريري زيارة باريس قريباً، استبعدت مصادر سياسية مطلعة ان يطرأ أي جديد على المشهد السياسي اليوم سواء من خلال اجتماع كتلة "المستقبل " أو "تكتل التغيير والاصلاح " في انتظار مرور هذا الاسبوع أيضاً قبل بلورة الامور بدءا من الاسبوع المقبل. وقالت المصادر لـ"النهار" إن المشاورات السياسية التي اجريت مطلع الاسبوع عكست مزيداً من الجمود والانسداد بحيث لم يظهر أي مؤشر ايجابي لامكان اختراق قد يساعد الرئيس الحريري على بت مبادرته في أي اتجاه، بل ان خيار انتخاب العماد عون لا يزال بحسب هذه المصادر عند مربع الفرز السياسي الاول الذي استخلصه الحريري من جولته الاولى والذي جاءت نتائجه سلبية حيال هذا الخيار. وأضافت الى ان ثمة اختبارا يرصده الجميع في موقف "حزب الله " الذي لا يزال يلزم تجاهلا الصمت المطبق حيال مسعى الاخير منذ بدايته بحجة انتظار اعلان الحريري تبنيه العلني لترشيح العماد عون. وهذا الاختبار يتمثل في انتظار ما ستحمله كلمتان للامين العام للحزب السيد حسن نصرالله مساء اليوم في الليلة الاخيرة من محرم وغداً في الاحتفال المركزي الكبير احياء لذكرى عاشوراء في الضاحية الجنوبية. وتعتقد المصادر ان الاسبوع الحالي سيشكل واقعيا الاسبوع الاخير قبل بدء البلورة النهائية للاتجاهات المتصلة بتحرك الحريري لانه منذ الاسبوع المقبل سيتخذ العد العكسي لجلسة 31 تشرين الاول الذي ربما بات موعداً مفصلياً لبت مصير خيار عون ومسعى الحريري سواء بسواء.
في غضون ذلك، أفضى اجتماع هيئة مكتب هيئة مجلس النواب أمس برئاسة الرئيس بري الى برمجة هادئة لروزنامة انطلاقة العقد العادي الثاني للمجلس بما عكس توجها توافقيا من الاطراف الممثلين في الهيئة الى احتواء المواقف المتناقضة من مسألة الجلسات التشريعية والشروط التي تعترضها. وتقرر ان عقد اجتماع هيئة المكتب بعد جلسة انتخاب اللجان النيابية ومقرريها والهيئة الجديدة في 18 تشرين الاول.

 

حمادة
وأوضح عضو هيئة المكتب النائب مروان حمادة في حديث الى برنامج "وجها لوجه " من "تلفزيون لبنان " مساء أمس ان الهيئة "توافقت على الامور بكل تعقل ومحبة لئلا يثير البعض شرط ربط كل الامور بقانون الانتخاب او البعض الثاني بطرح كل الامور في جلسات التشريع او رفض البعض الثالث كل شيء". وكشف ان المهلة التي تقررت "ستشهد محاولات لتقريب وجهات النظر في ما يتعلق بمشاريع قوانين الانتخاب المطروحة وغير المطروحة لئلا نصبح امام شوربة مشاريع" وتحدث عن امكان تحديد جلسات للبحث في قانون الانتخاب حصرا اذا استلزم الامر بعض الوقت، قائلاً "اننا نسعى الى تبريد الامور والتحدث بهدوء علماً انني لا ارى ان شيئا سيمشي غير القوانين المختلطة". واذ لفت الى ان هناك قوانين ملحة منها مشاريع اتفاقات دولية يجب بتها قبل نهاية تشرين الاول، حذر من ان عدم اقرار هذه الاتفاقات يعرض لبنان لخفض تصنيفه الدولي مجدداً ووضعه على اللائحة السوداء "ولا أتصور ان احدا ليس حريصا على تجنب هذا الخطر". اما في الملف الرئاسي، فأعلن حمادة ان الامور لم تحسم بعد في شأن تحرك الرئيس الحريري الذي سيستمر في استشاراته التي ستشمل مجددا اطرافا داخليين. وقال إن "لا شيء يوحي بان الامور ستحسم في 31 تشرين الاول" ملاحظا ان "حزب الله لا يقول لنا ماذا يريد ويلتزم الصمت المريب". وأيّد بوضوح انه لا يؤيد انتخاب العماد عون "فأنا لا اتصور ان أطرح على الشاب اللبناني رئيساً يشبه الجنرال فرنكو بالنسبة الى نزعته العسكرية أو بالنسبة الى تجربته مع المؤسسات وعلينا ان نأتي برئيس للغد".