تمهيد: خروج الإمام الحسين
يحاكم ابن خلدون في مقدمته الشهيرة مسألة خروج الإمام حسين بن علي على الخليفة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان فيرى أنّ الخروج عليه "مُتعيّن" من أجل فسقه، أي بمنزلة فرض عين على من كانت له القدرة والشّوكة لذلك، أي من ظنّ في نفسه الأهلية والشوكة، ويرى ابن خلدون أنّ هذين الشرطين متلازمان، الشروط الذاتية والموضوعية بلغة زماننا، ثم يناقش توفّر الشرطين عند الحسين، فيرى أنّ الأهلية كما ظنّ وزيادة، وأمّا الشوكة "فغلط يرحمه الله فيها" ،ذلك أنّ عصبية مُضر كانت في قريش، وعصبية قريش في عبد مناف، وعصبية عبد مناف إنّما كانت في بني أميّة، تعرف ذلك لهم" قريش وسائر الناس، ولا ينكرونه، وإنّما نُسي ذلك أول الاسلام، وبعد انقطاع أمر النُّبوّة والخوارق المهولة تراجع الحكم بعض الشيء للعوائد، فعادت العصبية كما كانت ولمن كانت، وأصبحت مضر أطوع لبني أمية من سواهم".
أولا ً: غلط الحسين دُنيوي
يعود ابن خلدون فيقول أنّ الغلط كان في أمرٍ دنيوي، ولا يضرّه الغلط فيه، وأمّا الحكم الشرعي "فلم يغلط فيه لأنّه منوطٌ بظنّه" وكان ظنّه القدرة عليه، فقد عذله ابن العباس وابن الزبير وابن عمر وابن الحنفية أخوه وغيره في مسيره للكوفة، وادركوا خطأه في ذلك ولم يرجع عمّا هو في سبيله لما أراده الله.
ثالثاً: غلط من عذر يزيد.
يزيد في اعتقاد ابن خلدون فاسق، ومأثوم بقتال الحسين، لأنّ قتال البغاة يكون مع إمام عادل، وهو مفقود في مسألة الحسين، وقتل الحسين على يد يزيد "هي من فعلاته المؤكّدة لفسقه" والحسين عند ابن خلدون "شهيدٌ مُثاب" وهو على حقٍّ واجتهاد، لذا فق غلط القاضي أبو بكر بن العربي المالكي عندما قال في كتابه الذي سمّاه "العواصم والقواصم" بما معناه أنّ الحسين قُتل بشرع جدّه؛ وهو غلطٌ حملته عليه "الغفلةُ عن اشتراط الإمام العادل، ومن أعدلُ من الحسين في زمانه في إمامته وعدالته في قتال أهل الآراء، يضيف ابن خلدون.
ثانيا: غلط ابن الزبير في الخروج
خرج عبد الله بن الزبير على الخليفة عبد الملك بن مروان، فحكم ابن خلدون بغلطه في أمر الشوكة، وكذلك في الحكم الشرعي، أمّا غلطه في الشوكة كان أعظم من غلط الحسين، ذلك أنّ"بني أسد لا يقاومون بني أميّة في جاهلية ولا إسلام، في حين أصاب الحسين بخروجه على يزيد لفسقه، فقد غلط ابن الزبير في خروجه على عبد الملك بن مروان "أعظم الناس عدالةً " يقول ابن خلدون، وناهيك بعدالته احتجاج مالك بفعله، وعدول ابن عباس وابن عمر إلى بيعته وهم مع ابن الزبير في الحجاز.
يذهب ابن خلدون دائماً إلى تبرئة كل مجتهدٍ من الإثم والعدوان، إلاّ في حالة يزيد بإجماع الأمة على فسقه، وهذا لا يصح في حالة عبد الملك، ويبقى ابن الزبير "شهيداً مُثاباً باعتبار قصده وتحرّيه الحق".
أنصف العلامة ابن خلدون الإمام الحسين بن علي، فقد أصرّ خلال محاكمته على فسق يزيد واعتبار الخروج عليه "مُتعيّناً" وهذه أفضل شهادة في حقّ شهيد الأمة الإسلامية قاطبة.