فيما ضجيج المعارك مستمر في حلب، وحِدّة التوتر ترتفع بين واشنطن وموسكو، يعمّ لبنان هدوء سياسي حَذر خَرقه موقف تصعيدي جديد للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، جاء خلافاً للمناخ الإيجابي الذي شاعَ على خط عين التينة ـ بكركي أخيراً، في وقت يستعد الرئيس سعد الحريري لجولته الخارجية وهو واصَلَ مشاوراته الداخلية في بيروت بعيداً من الاعلام، وتتحضّر الحكومة بدورها لاختبار نفسها مجدداً الخميس، ويتحضّر «التيار الوطني الحر» لإحياء ذكرى شهداء 13 تشرين قبل ظهر الأحد تحت شعار «يكون الميثاق أو لا يكون ... لبنان» على طريق « قصر الشعب» (قصر بعبدا) كما سَمّاه.
بَدا انّ عطلة نهاية الاسبوع قد سحبت نفسها على الاستحقاق الرئاسي، وتجلّت صمتاً مطبقاً من كل المعنيين بالمشاورات التي دارت حوله في الأيام الأخيرة.

ورُصدت حركة ذهاب وإياب لبنانية على خطوط الرياض التي زارها الوزير وائل ابو فاعور، والقاهرة حيث التقى رئيس كتلة «المستقبل» فؤاد السنيورة وزير خارجية مصر سامح شكري والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، وباريس وقد عاد منها الوزير ميشال فرعون.

وقد حاول زوّار باريس استطلاع ما اذا كان الطقس «رئاسياً» في لبنان أم لا، واللافت في قول هؤلاء انهم لمسوا انّ هناك قضية جديّة تُثار لكنها غير ناضجة، وبالمطلق الطقس على ما يبدو ليس رئاسياً بعد.

الراعي يصعّد

في هذه الاجواء، حافظ البطريرك الماروني على النبرة التي أرساها في عظة الأحد الماضي والثوابت التي حدّدها نداء المطارنة الموارنة.
وقالت أوساط كنسيّة لـ«الجمهورية» إنّ الراعي «يحاول الدفع لإتمام الإستحقاق الرئاسي وذلك عبر وضع كل الأفرقاء امام مسؤولياتهم، ويستند في خطابه الى الدستور، ويحضّ كل مرشّح للضغط على حلفائه أولاً او من يتبنّى ترشيحه ثانياً لإعلان موقف علني، وذلك لِيتّضح الخيط الأبيض من الخيط الأسود ويظهر موقف كل فريق على حقيقته».

ولفتت هذه الأوساط الى «وجود حَلّين للأزمة الرئاسية، الاول عبر النزول الى المجلس لانتخاب رئيس وليَفُز من يحصد العدد الأكبر من الاصوات، والثاني هو التوافق الوطني الشامل على اسم الرئيس وهذا ما يحاول الرئيس سعد الحريري القيام به أخيراً وبكركي تُبارك كل المبادرات وتدعو الى وَقف الترف السياسي والتلطّي وراء حجج واهية لإطالة أمد الفراغ، خصوصاً انّ الخلاف لم يعد بين فريقي «8 و14 آذار» بل بات داخل الصف الواحد، وهذا يحتاج الى حسم وحزم».

ولفتت الأوساط الى أنّ «بكركي ما زالت على موقفها من رفض السلة، ولن ترضى بها، والمطلوب هو انتخاب رئيس وعدم الانتقاص من صلاحياته».

وكان الراعي قد أكّد في عظة أمس على ما ورد في عظة الأحد الماضي ونداء المطارنة الموارنة، واعتبر أنّ «المواضيع التي طرحت على طاولة الحوار، أو في لقاءات ثنائية، على أهميتها، لا يمكن أن تكون ممراً إلزامياً لانتخاب الرئيس أو شروطاً أو قيوداً على المرشّح أو على الرئيس المنتخب، لكونها تخالف الدستور نصّاً وروحاً».

وقال الراعي: «بعد سنتين وخمسة أشهر من الفراغ الهدّام في سدة رئاسة الجمهورية، بات من واجب الكتل السياسية والنيابية أن تعلن بوضوح وتصارح، إيجاباً أو سلباً، الأشخاص الذين صار ترشيحهم معروفاً، منعاً لرَهن البلاد وشعبها ومؤسّساتها للعبة سياسية نجهل أهدافها ومآلها».

قزي

وفي المواقف من الاستحقاق الرئاسي اكّد وزير العمل سجعان قزي من بكركي انه «لا يجوز للطبقة السياسية وللسياسيين ولعدد من الاقطاب ان يلعبوا بالمرشحين لرئاسة الجمهورية وكأنهم ريشة في مهبّ الريح، تارة نرشّح هذا وتارة نرشّح ذاك وتبقى البلاد بلا رئيس للجمهورية، وهذا أمر يؤسف البطريرك ويزعجه ويغضبه، وهو ما أدى الى أن يعلّي الصوت من أجل انتخاب رئيس للجمهورية»، مشدداً «على ضرورة الاحتكام الى الدستور وانتخاب رئيس يمثّل اللبنانيين».

باسيل

واعتبر رئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل أنّ «من اعتاد أن يزحف ليكون رئيساً للجمهورية، لن يرانا زاحفين ولا راكعين بل واقفين ورأسنا الى الأعلى».

مضيفاً: «كل ّمن يحاول ان يسوّق اننا أجرينا صفقات واتفاقات على حساب أحد، نقول له: إننا لم نُجر أيّ صفقات، نحن أجرينا تفاهمات لنستردّ فيها دورنا وحقّنا وموقعنا في الدولة ولنحفظ فيها حق الجميع ودورهم وموقعهم في الدولة. هذا هو الإطار الذي نعمل فيه ونحصّن الجمهورية ونحافظ عليها».

«القوات»

من جهتها لم تخف مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية» تفاؤلها بقرب التوصّل إلى انتخاب رئيس للجمهورية لأن لا قدرة لقوى 8 آذار على التلطّي وراء أيّ حجة لتعطيل الانتخابات الرئاسية إذا بادر الحريري إلى تأييد عون. وتذكّر المصادر بكلام للأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله منذ بضعة أشهر عندما أكّد انّ الرئيس الوحيد الذي يوافقون عليه من دون سلال أو شروط هو العماد عون.

بري

وكان رئيس مجلس النواب نبيه بري اكد انّ العلاقة مع بكركي ايجابية جداً، وقال أمام زوّاره: انا أعرف ما يُضمره البعض، وظنّ هذا البعض انه سيوقعنا في كمينه، أنا بكل صراحة ماشَيتُ هذا البعض لأعرف الى أين سيصل.

لقد حاولوا ان يلعبوا معي لعبة حدّ السكين وهم لا يعلمون انني لا أحبّ هذه اللعبة. حاولوا ان يوجدوا شرخاً بيني وبين المسيحيين لكنهم فشلوا وارتدّت عليهم، واكرر انّ أيّ محاولة في هذا الصدد ستتكرر لا بد أن ترتدّ عليهم حتماً.

أضاف بري: أكثر من ذلك، هناك كمين خطير ايضاً حاولوا ويحاولون ان ينصبوه لي وللسيّد حسن نصرالله، هذه محاولة تنمّ عن خفّة، هم لا يعرفوننا فليحاولوا، ومحاولاتهم كلها لا تستحق حتى التفكير فيها. هذا الامر هو من سابع المستحيلات.

وعن الجديد في الاستحقاق الرئاسي، بَدا انّ بري صائم عن الكلام الرئاسي المباشر مكتفياً بالقول: إنني لا اتدخّل، لقد نادوا بأن يتمّ إنجاز الاستحقاق حسب الاصول وان يحضر الجميع الى المجلس، أنا وكتلتي نحضر دوماً كل الجلسات «ورح نضلّ نحضر ليطلَع».

وحول ما اذا كانت جلسة 31 تشرين الجاري هي جلسة ولادة لرئيس الجمهورية، قال بري: هذه جلسة 31 تشرين على الابواب، فلا يتذرعَنّ أحد بي او بغيري، فلينزلوا ولينتخبوا. أضاف: بالنسبة لي قلت لهم كل ما عندي ومع الأسف لم يقبلوه، لكنهم في النهاية وصلوا اليه.

وعن اتهامه بالتعطيل من قبل البعض، خصوصاً رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، إكتفى بري بالقول ممازحاً: بيني وبينه سرّ، هو يعرفه وأنا لن أبوح به.

هيئة مكتب المجلس

إلى ذلك، وعشيّة اجتماع هيئة مكتب مجلس النواب اليوم للبحث في جلسة انتخاب أعضاء اللجان ومكتب المجلس، وبحث موضوع عقد جلسة تشريعية، سأل بري رداً على سؤال عن بدء مطالبات البعض واشتراطهم وضع قانون انتخاب على جدول أعمال الجلسة لكي يحضروها: أين هو قانون الانتخاب؟ وقال: فليقترحوا لنا مشروعاً وانا مستعد لأن أعقد له جلسات متلاحقة حتى يتمّ إقراره.

كنتُ وما زلت أوّل من ينادي بهذا القانون لأنني أعتبره الأساس في حلّ الأزمة وفي تحديد مستقبل الحياة السياسية في البلد ولا أقف حجر عثرة أمام اي مشروع يُقدّم إليّ لعرضه في المجلس.

زهرا

وكان عضو كتلة «القوات» النائب أنطوان زهرا، المُشارك في اجتماع هيئة المكتب، قال لـ«الجمهورية»: «قد يُطرح علينا تحديد جدول أعمال للجلسة التشريعية المقبلة، لكننا لا نزال متمسّكين بالموقف نفسه، لن نشارك في أيّ جلسة إذا لم تبدأ بطرح قانون للانتخاب النيابي وإقراره. وبعد إدراج هذا القانون كبند أول على جدول الأعمال سنوافق على زيادة القوانين المالية الملحّة وبعض الإتفاقيات التي قد تسقط بمرور الزمن. أمّا التشريع العادي فلن نقبل به في غياب رئيس للجمهورية».

وكشف زهرا «انّ هذه الخطوة جرى تنسيقها مع تكتل «التغيير والإصلاح» إضافة إلى انّ حزب «الكتائب» يرفض أساساً التشريع بالمطلق في غياب رئيس للجمهورية، ولن يشارك إلّا في حال وضع قانون الانتخاب على جدول الأعمال».

وتوقّع زهرا أن لا يمانع بري هذا الأمر «لأنّ قانون الانتخاب سلك مساراً متعرّجاً طويلاً على مدى أعوام، والآن أتت ساعة الحقيقة والحسم، ويجب وضعه على جدول الأعمال لمناقشته والتصويت عليه ديموقراطياً، والقانون الذي يحظى بالغالبيّة من بين القوانين المقترحة، علينا جميعاً السَّير به».

تصفيات بين «داعش» و«النصرة»

أمنياً، لا يزال تنظيما «داعش» و»جبهة النصرة» يتنافسان على بسط سلطتيهما على جرود عرسال، وقد تُرجمت حرب التصفيات بمقتل مفتي «داعش» في عرسال «أبو بكر الرقاوي» على يد «النصرة» في الجوبان بالقرب من وادي حميد، بعدما ضاقت ذرعاً من تصرّفات هذا التنظيم حيث تقرّر في اجتماع جَمعَ «أبو طاقية» مع أركان «النصرة» السعي لإنهاء وجود «داعش» في عرسال، فكانت البداية مع تصفية الرقاوي.