قلّصت موسكو غاراتها الجوية ضد تنظيم «داعش» الذي قالت إنها أتت بقواتها إلى سوريا بناء على طلب بشار الأسد لمقاتلته، فيما قامت صواريخها في المقابل وبالاشتراك والتضامن مع البراميل المتفجرة لطائرات الأسد بتسوية المزيد من أحياء حلب وأبنيتها بالأرض غير آبهة بأرواح المدنيين من نساء وأطفال وغيرهم من سكان تلك الأحياء المحاصرة.

وبالرغم من التصعيد العسكري الروسي الذي ترافق مع اتهام موسكو للولايات المتحدة بأنها تتخذ خطوات عدوانية تهدد أمنها القومي، إلا أن الثوار حققوا تقدماً في جبهات حلب ضد قوات الأسد والميليشيات المتحالفة معها، وكذلك في عملياتهم في ريف حلب حيث يقاتلون تنظيم «داعش» المتطرف ضمن عملية «درع الفرات» التي تدعمها تركيا.

فقد أشار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى حدوث تغير جذري في العلاقات بين موسكو وواشنطن، متهما الجانب الأميركي باتخاذ خطوات عدائية تجاه روسيا، ومحذراً الولايات المتحدة من ان قيامها بقصف المطارات العسكرية لقوات الأسد «ألعاب خطرة» في ظل وجود أنظمة دفاع جوي روسية في سوريا.

وقال لافروف في حديث إلى قناة روسية: «سجلنا تغيرا جذريا للظروف في ما يخص الروسوفوبيا العدائية التي تستند إليها حاليا السياسة الأميركية. والحديث لا يدور عن تصريحات معادية لروسيا فقط، بل وعن خطوات عدائية تمس بمصالحنا وتعرض أمننا القومي للخطر«.

وأوضح الوزير أنه يقصد بـ»الخطوات العدائية» اقتراب حلف الأطلسي وبناه التحتية العسكرية من الحدود الروسية، ولا سيما نشر الأسلحة الثقيلة وطيران الحلف ومنظومات الدفاع الصاروخية على طول حدود روسيا وحلفائها في أوروبا وآسيا، فضلا عن العقوبات المفروضة على موسكو.

واثر تأكيد بحث البيت الأبيض خيارات عسكرية للتعامل مع الأزمة السورية، قال لافروف إن التفكير في ضرب المطارات العسكرية السورية «ألعاب خطرة« في ظل وجود أنظمة دفاع جوي روسية هناك. 

وأضاف في حديث للقناة الأولى الروسية، أن هنالك تسريبات مفادها أنه يمكن استعمال صواريخ مجنحة لضرب المطارات العسكرية السورية لمنع إقلاع الطائرات السورية منها، مشيرا إلى أن رئاسة الأركان الروسية قد تفاعلت مع هذه التسريبات.

واعتبر الوزير الروسي ذلك «لعبة خطرة« بما أن روسيا موجودة في سوريا بطلب من حكومة الأسد ولها قاعدتان في هذا البلد، واحدة حربية جوية في حميميم، والأخرى نقطة إمداد بالمواد والتقنيات في طرطوس، حيث توجد منظومة دفاع جوي «لحماية منشآتنا«. 

وقال لافروف نحن ندرك جيدا أن العسكريين الأميركيين يفهمون ذلك، وأنه يجب التعقل وعدم الاحتكام إلى العواطف وشرارات الغضب الآنية«. وأضاف أن موسكو ترى أن الإدارة الأميركية لا تملك استراتيجية شاملة في تعاطيها مع الملف السوري.

وأوضح أنه توجد مواقف مختلفة داخل الإدارة الأميركية، وهناك مجموعات مختلفة، بينهم من يُغلب الديبلوماسية في التعامل في الملف السوري، وآخرون يرغبون في ترك استخدام القوة خيارا قائما.

وقال لافروف إن روسيا قادرة على حماية أصولها في سوريا في حال قررت الولايات المتحدة قصف القواعد الجوية السورية بكثافة وتدميرها. وأضاف أنه سمع أن هذا من ضمن الخيارات التي يدعو إليها بعض صناع السياسة في واشنطن. وتابع في المقابلة أنه مقتنع أن الرئيس الأميركي باراك أوباما لن يوافق على مثل هذا السيناريو. 

وبخصوص القصف في حلب قال لافروف إن دعوتهم (الأميركيين) إلى وقف القصف في حلب مريبة، لأنهم بالرغم من أن القوى في هذه المدينة هي بالأساس «جبهة النصرة»، إلا أنهم يقولون إن من بين مقاتلي جبهة النصرة يوجد معتدلون اضطروا للانضمام إليها.

وقال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في مقتطفات من مقابلة تلفزيونية إنه غير متأكد مما إذا كان سيستقبل نظيره الروسي خلال زيارته المقررة إلى باريس في 19 تشرين الأول الجاري. ودان هولاند دعم بوتين «غير المقبول» للضربات الجوية السورية.

ولدى سؤاله عن الزيارة قال هولاند لتلفزيون «تي.اف 1» إنه «ربما» سيستقبله. وأضاف «مازلت أسأل نفسي هذا السؤال.» وقال «هل بإمكاننا فعل أي شيء يجعله يوقف ما يفعله مع النظام السوري وهو دعم قصف سكان حلب بقواته الجوية.»

وقال الرئيس الفرنسي إن سكان شرق حلب الذين يتعرض لقصف عنيف «هم اليوم ضحايا لجرائم حرب.» وأضاف أن «من يرتكبون هذه الأفعال سيحاسبون بما في ذلك أمام المحكمة الجنائية الدولية.»

وفي هذا السياق، سجل تراجع عدد الغارات الروسية التي تستهدف في سوريا تنظيم «داعش» ما يوحي بأن اولوية موسكو هي مساعدة نظام الاسد بدلا من مكافحة الارهاب بحسب تحاليل نشرت الاحد.

وخلال الربع الاول من 2016 استهدف 26% من الغارات الجوية الروسية في سوريا تنظيم «داعش» وتراجع الى 22% خلال الربع الثاني و17% خلال الربع الثالث بحسب مكتب تحليل النزاع في العراق وسوريا «آي اتش اس».

وقال اليكس كوكشاروف المحلل في «آي اتش اس» المتخصص في الشؤون الروسية، «في ايلول الماضي اعلن الرئيس (الروسي فلاديمير) بوتين ان مهمة روسيا هي محاربة الارهاب العالمي وتحديدا ارهاب تنظيم «داعش»«.

واضاف «ان معلوماتنا لا تفيد بذلك. الاولوية بالنسبة لروسيا هي تقديم الدعم العسكري لحكومة الاسد وتحويل الحرب الاهلية السورية من نزاع متعدد الاطراف الى نزاع ثنائي بين الحكومة السورية والمجموعات الجهادية مثل تنظيم داعش«. وتابع «عندها ستتراجع امكانيات تقديم دعم دولي للمعارضين« لنظام الاسد.

ميدانيا، تتواصل المعارك والغارات الكثيفة المرافقة لها في مدينة حلب بعد اجتماع لمجلس الامن الدولي فشل في التوصل الى قرار ينهي معاناة سكان المدينة.

وقال مدير المرصد السوري رامي عبد الرحمن ان المعارك في الاحياء الشرقية الواقعة تحت سيطرة الفصائل المعارضة في مدينة حلب تركزت على محور حي بستان الباشا في وسط المدينة ومحور حي الشيخ سعيد في جنوبها. 

وافاد مراسل «فرانس برس» في الاحياء الشرقية المحاصرة من قبل قوات النظام عن تواصل القصف العنيف على مناطق الاشتباكات التي لم تتوقف طوال الليل.

وكبد الثوار قوات الأسد خسائر بشرية ومادية كبيرة بعد محاولات تقدم قواته على جبهات حي الشيخ سعيد جنوب مدينة حلب المحاصرة. فقد أعلن الثوار عن تمكنهم من استعادة السيطرة على كافة النقاط التي سيطرت عليها قوات الأسد في حي الشيخ سعيد، وقتلوا نحو عشرين عنصرا من ميليشيا حركة النجباء العراقية الشيعية، بالإضافة لجرح آخرين.

كما دارت اشتباكات بين الثوار وقوات الأسد والميليشيات المساندة له على جبهات حي بستان الباشا ومنطقة العويجة على إثر محاولات تقدم للأخير في المنطقة، وتمكن الثوار خلالها من صد الهجوم وقتل عدد من عناصر الأسد والشبيحة.

ويواصل الثوار في ريف حلب الشمالي خوض معاركهم مع عناصر تنظيم داعش ضمن معركة «درع الفرات» المدعومة من قبل الجيش التركي، حيث تمكنوا من السيطرة على قريتين بعد اشتباكات مع عناصر التنظيم.

وقالت عدة فصائل انها تمكنت من فرض السيطرة على قريتي مريغل والفيروزية، بعد تمكنها من السيطرة على قرى شورين وتل حصين وراعل.