نشر موقع واشنطن تايمز الأسبوع الماضي تقريراً تحت عنوان "فلاديمير بوتين يمسح الأرض بأوباما وجون كيري في الشرق الأوسط". نعم، العنوان قد يبدو صادماً للبعض، إلا أنّ الحقيقة صادمة أكثر. للمرّة الأولى ربما منذ عقود، تقوم روسيا بشكل علني بتوجيه تهديد جدّي للولايات المتّحدة الأمريكية بإمكانيّة استهداف طائراتها في حال فكّرت بأن تقوم بقصف أيّة مواقع للنظام السوري.
في 4 أكتوبر الحالي، نشرت الواشنطن بوست تقريرا ذكرت فيه أنّ "إدارة أوباما تفكّر في تنفيذ ضربات ضد نظام الأسد" نتيجة الهجمة الوحشية التي تجري على حلب، لكن هل من الممكن أن يكون هذا التهديد حقيقياً؟ أم أنّها مناورة إعلاميّة وحرب نفسيّة؟ وإذا كان حقيقةً، هل من الممكن أن يقتنع أحدٌ به بعد أكثر من خمس سنوات من الاختبارات المتكررة؟ وإذا لم يكن لأحد أن يؤمن بأنّه حقيقة أو جدّي فما الجدوى حينها من نشره على شكل تحذير؟
في مثل هذه الحالات، من المفترض أن يقوم الخصم إمّا بالانصياع لمثل هذا التهديد خوفاً من أن يتمّ تنفيذ التهديد ضدّه، أو يقوم بتجاهله تماماً من خلال الاستمرار في ما يفعله، لكنّ روسيا فضّلت فعل شيء آخر، وعلى عكس الإدارة الأمريكية، تقوم موسكو الآن باختبار لمدى جدّية التهديد الأمريكي من خلال تهديد مضاد بإسقاط الدفاعات الروسية المتمركزة على الأراضي السورية لطائرات الولايات المتّحدة حال فكّرت باستهداف النظام السوري.
التهديد الروسي نابع في الحقيقة من أمرين، إمّا أنّهم متأكدين من أنّ إدارة أوباما لن تفعل شيئا وبالتالي يريد الجانب الروسي أن يستغل ذلك لإفراغ التهديد الأمريكي الإعلامي من مضمونه أولاً، ولاستعراض غير مكلف للقوّة الروسية ثانياً، وإمّا أنّ الجانب الروسي يشعر بجدّية التهديد الأمريكي ويريد ردعه، وفي كلتا الحالتين، فإنّ الرد الروسي يزيد من وضع أوباما حرجاً، فهو كمن يتحدّاه على أن يقصف الأسد إذا كان جاداً في ذلك.
من المؤكّد أن ليس لدى أوباما الإرادة أو النيّة لتوجيّه أي ضربة عسكرية من أي نوع لنظام الأسد بغض النظر عن نوعها أو حجمها، هذا شيء محسوم وتمّ اختباره مرات عديدة خلال أكثر من 5 سنوات من اندلاع الثورة السورية، داخل إدارة أوباما نفسها، وبين إدارة أوباما ومجموعة أصدقاء الشعب السوري، وبين الإدارة وخصومها المفترضين روسيا وإيران والأسد.
ولأنّ كل الأطراف كانت قد إكتشفت بشكل مبكّر هذه الورقة الأمريكية في لعبة البوكر الدوليّة، تكالب الجميع على الشعب السوري دون خوف من وجود رادع أو عقوبة لما يفعلونه هناك. لكن في هذه اللعبة الحالية من التخمينات، هناك فرصة حقيقة لأن يعيد الجانب الأمريكي تعريف الحدود المسموح لروسيا اللعب ضمنها في سوريا، لكن لا أحد على الإطلاق يعقد الأمل على مثل هذه الإدارة لتحقيق هذا الأمر، فالأرجح كما سبق وتناولنا أن تقوم هذه الإدارة باستغلال الحملة الروسية للضغط على المعارضة السياسية والعسكرية السورية.
في مسرحية الشرطي السيئ والشرطي الجيّد، يكون التناقض الواضح في أسلوب وسلوك الرجلين شرطا أساسياً لنجاح الخطّة، مع العلم أنّ هدفهما النهائي واحدٌ في جميع المراحل. فبعد أن يرهبك "الشرطي السيئ"، يأتي دور الشرطي الجيّد ليطرح مبادرته السلميّة عارضا عليّك ما يرى أنّه المخرج العقلاني كي لا تواجه المصير المحتوم.
هذه الحالة بالتحديد تصف بدقّة دور الولايات المتّحدة وروسيا في سوريا. الإدارة الأمريكية التي تدّعي أنّها صديقة للشعب السوري، تقوم بالاستفادة من بطش روسيا وإيران والأسد بالثورة السورية لكي تسوّق لمبادرتها التي تخدم في نهاية المطاف كل هذه الأطراف باستثناء الإرادة الحقيقيّة للشعب.
بالنسبة لكثير من الأمريكيين غير الراضين عن سياسة بلادهم في سوريا، فإنّ الإمعان في إذلال روسيا للرئيس أوباما أصبح واضحاً، لكن بالنسبة لنا فإنّ ما يقال إنّه إمعان في إذلال أوباما ندفع ثمنه نحن دماً في سوريا.
علي حسين باكير:عربي21