مع اقتراب معركة تحرير الموصل من قبضة داعش يلوح في الأفق نوع جديد من الانقسام الذي يغذي الطوائف العراقية المتناحرة لينقل الصراع الدائر منذ الغزو الأميركي عام 2003 إلى داخل كل طائفة أو عرق على حدة.
وقبل الانتهاء من داعش تماما، لا يبدو أن هناك أي إشارة إلى توافق محتمل بين السنة والشيعة والأكراد.
وبدلا من ذلك ضحى خصوم سنة داخل البرلمان بوزير الدفاع السني خالد العبيدي، وأطاح خصوم أكراد بوزير المالية الكردي هوشيار زيباري، فيما يدفع خصوم شيعة إلى الإطاحة بإبراهيم الجعفري من وزارة الخارجية.
ولم تشفع أزمة مالية طاحنة تعصف بالبلاد على وقع التراجع الحاد في أسعار النفط، ولا المعركة الفاصلة التي تلوح في الأفق لتحرير ثاني أكبر مدن العراق، كي يتجاوز السياسيون خلافاتهم التي ينبع أغلبها من مصالح شخصية وتأخذ طابع تصفية الحسابات، لكن ببعد طائفي.
وقالت حنان الفتلاوي، النائبة الشيعية في البرلمان، إن “واحدا من بين التحديات الهائلة التي سيواجهها البلد بعد القضاء على داعش هو الصراع الشيعي-الشيعي والسني-السني والكردي-الكردي”.
وأضافت النائبة، التي اشتهرت بدعوتها إلى قتل “سبعة من السنة مقابل كل سبعة يقتلون من الشيعة” فيما بات يعرف محليا بنظرية “سبعة x سبعة”، إن “هذه حرب قادمة لا محالة”.
وبات البرلمان العراقي أشبه بجزر منعزلة كل منها يضم طائفة أو عرقا. ويتخوف مراقبون من أن يتحول هذا الانقسام إلى اقتتال بعد معركة داعش، فيما يحاول السياسيون من كل معسكر تعزيز نفوذهم داخل مكوناتهم.
وتثير هذه التكتلات الجديدة تحفّظ واشنطن وطهران صاحبتي النفوذ الأكبر في العراق، من إمكانية قيام “حرب أهلية” بمجرد الانتهاء من معركة الموصل.
ويقول رمزي مرديني، المحلل في المجلس الأطلسي إنه “بدلا من توحيد البلد وتشكيل حكومة قوية، عززت الحرب على داعش الانقسامات على كل المستويات في الدولة والمجتمع العراقيين”.
وأضاف “الولايات المتحدة هي الخاسر، إذ سيتضاءل نفوذها أكثر لأنها ستجد نفسها مجبرة على التعامل مع لاعبين إضافيين على الساحة العراقية”.
وتعمق الصراع بعد اقتحام مناصرين لرجل الدين وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر مبنى البرلمان في أبريل الماضي سعيا لإرغام النواب على القبول بخطط رئيس الوزراء حيدر العبادي لمكافحة الفساد.
ورد معسكر رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الذي يطمح إلى استعادة المنصب، بالاعتصام داخل البرلمان، في مشهد أشبه بالمزايدات على إظهار الولاء للشارع المتفجر.
وكان الكثير من العراقيين يطمحون إلى أن تصبح الخلافات البينية داخل الطوائف جسرا لعبور العراق مرحلة المحاصصة الطائفية.
لكن لا يبدو السياسيون إلى الآن مستعدين لأكثر من الدخول في لعبة إحراز نقاط فقط.
ووصل الانقسام إلى مناطق كانت ترزح تحت حكم داعش، مثل محافظة الأنبار، التي يسعى فيها شيوخ عشائر سنية إلى الانتقام من سنة آخرين يقولون إنهم بايعوا التنظيم.
ونتجت عن هذا الصراع إلى الآن الإطاحة بتسعة شيوخ لعشائر نافذة.
وقال مراقب عراقي لـ”العرب” إن “ما شهده العراق من نزاعات داخل مجلس النواب وخارجه بين القوى السياسية الشيعية يؤكد أن أسباب النزاع ليست طائفية كما تبدو، بقدر ما تتعلق بمصالح تلك القوى التي تحتكر تمثيل الشيعة”.
وأضاف “في المقابل فإن القوى السياسية التي تحتكر من جانبها تمثيل السنة تمزقها هي الأخرى الخلافات في شأن مَن سينال الحصة الأكبر من ثمار مرحلة ما بعد داعش. وإذا كانت إيران قادرة على ضبط النزاعات بين الأطراف الشيعية، فإن أحدا ما ليس في إمكانه أن يفعل الشيء نفسه في ما يتعلق بنزاعات الأطراف السنية، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى حرب، يغلب عليها الطابع العشائري، غير أنها حرب مصالح، قد تسعى الولايات المتحدة من خلال الوجود العسكري التركي إلى النأي بالموصل بعيدا عنها”.
صحيفة : العرب