لم يتوقف التراشق الكلامي بين الولايات المتحدة وروسيا مع استمرار قاذفات الصواريخ والقنابل المتفجرة الروسية - الأسدية في حصد المزيد من أرواح المدنيين في سوريا ولا سيما في حلب، حيث أوقع الثوار خسائر في الأرواح في الميليشيات التابعة لإيران، على الرغم من استمرار موسكو في تعزيز ترسانتها العسكرية.
إلا أن هذه المبارزة الكلامية بين الدولتين العظميين ازدادت حدة، ففيما طالبت واشنطن بالتحقيق في جرائم حرب يقترفها الروس وبشار الأسد، رأت باريس أن تصويت مجلس الأمن على مشروع قرار حول سوريا سيشكل «لحظة الحقيقة» بالنسبة الى روسيا، التي لوحت بسلاح الفيتو ضد مشروع القرار هذا.
ففي الولايات المتحدة طالب وزير الخارجية الأميركي جون كيري بتحقيق حول «جرائم حرب» يستهدف النظام السوري وحليفته روسيا بعد ضربة جديدة لمستشفى في مدينة حلب.
وقال كيري «الليلة الماضية هاجم النظام مجدداً مستشفى حيث قتل 20 شخصاً وأصيب مئة. على روسيا والنظام أن يقدما للعالم أكثر من تفسير لأسباب عدم كفهما عن ضرب مستشفيات وبنى تحتية طبية الى جانب أطفال ونساء».
وطالب كيري في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الفرنسي جان مارك آيرولت «بتحقيق ملائم في (حصول) جرائم حرب».
وقال الوزير الأميركي الذي صعّد لهجته في الأيام الأخيرة منذ وقف الحوار بين واشنطن وموسكو حول سوريا، إن «من يرتكبون (ذلك) ينبغي تحميلهم مسؤولية أفعالهم. هذا الأمر ليس مجرد حادث. إنه استراتيجية محددة الهدف لترهيب المدنيين وجميع من يقف في وجه (تحقيق) أغراضهم العسكرية».
ورداً على كيري، ذكرت وكالة إنترفاكس للأنباء أن وزارة الخارجية الروسية قالت إنها ترى عواقب قانونية لتعليقات وزير الخارجية الأميركي الذي قال إنه ينبغي التحقيق في أفعال الحكومتين الروسية والسورية في سوريا باعتبارها جرائم حرب محتملة.
ويزور وزير الخارجية الفرنسي واشنطن بعد موسكو حيث بحث مشروع قرار دولياً أبدت روسيا استعدادها «للعمل» عليه مع شروط. وقال السفير الفرنسي لدى الأمم المتحدة فرنسوا ديلاتر لصحافيين قبل بدء جلسة مغلقة لمجلس الأمن لبحث النزاع السوري إن «الأولوية هي لوقف حمام الدم في حلب».
واعتبر وزير الخارجية الفرنسي أن تصويت مجلس الأمن الدولي السبت على مشروع قرار حول سوريا أعدته باريس سيشكل «لحظة الحقيقة» بالنسبة الى روسيا.
وصرح آيرولت للصحافيين في مقر الخارجية الأميركية في حضور كيري «غداً ستكون لحظة الحقيقة، لحظة الحقيقة بالنسبة الى جميع أعضاء مجلس الأمن: هل تريدون، نعم أم لا، وقفاً لإطلاق النار في حلب؟ والسؤال يُطرح خصوصاً على شركائنا الروس».
ويصوت مجلس الأمن على مشروع قانون يطالب بإنهاء فوري للضربات الجوية والطلعات الجوية العسكرية فوق مدينة حلب، لكن يبدو أن روسيا ستلجأ للفيتو لمنع صدوره.
ويناقش أعضاء المجلس الخمسة عشر منذ أسبوع مسودة القرار التي أعدتها فرنسا وإسبانيا.
ودعي الأعضاء للتصويت بعد زيارة وزير الخارجية الفرنسي لموسكو وواشنطن.
وقال سفير روسيا لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين «هذه ليست مسودة تصلح لتبنيها. لدي شك في أن الدافع الحقيقي هو دفع روسيا لاستخدام الفيتو.. لا أرى كيف يمكننا أن نترك مثل هذا القرار يمر».
ويحتاج أي مشروع قرار لتأييد تسعة أعضاء من دون لجوء أي من الأعضاء الخمسة الدائمين للفيتو.
وقال آيرولت إنه يعتزم الذهاب إلى نيويورك للمشاركة في التصويت وقال للصحافيين في واشنطن «لا يزال يحدوني الأمل في أن يحظى مشروع القرار بالموافقة ويقبل التنفيذ».
ويحث نص مشروع القرار على الوقف الفوري للقتال ونقل المساعدات الإنسانية بأمان ومن دون معوقات في سوريا و»يطالب كل الأطراف بإنهاء القصف الجوي والطلعات الجوية العسكرية فوق مدينة حلب على الفور«.
ودعا مشروع القرار أيضاً الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى طرح خيارات لرقابة تحت إشراف الأمم المتحدة للهدنة ويهدد «باتخاذ إجراءات إضافية» في حال عدم التزام «أي طرف من أطراف الصراع داخل سوريا» به.
وقال تشوركين «لم يسبق أن طلب أعضاء المجلس من عضو دائم الحد من أنشطته«. وأضاف «من المفترض أن أصوت على أمر يجب على جيشنا بعد ذلك الامتثال له. هذا لا يعني أن بعض الأمور لا يمكن أن تحدث، لكنها لا يمكن أن تحدث عبر عملية بعينها، وهي بالتأكيد ليست طرح قرار بهذه الصيغة على الطاولة».
وتعبّر مسودة القرار عن «الغضب إزاء العدد المقلق من الخسائر بين المدنيين نتيجة تصاعد مستوى العنف وحملات القصف الجوي العشوائي المكثفة على حلب في الأيام الأخيرة».
وحثت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل روسيا على استخدام نفوذها على الأسد لإنهاء القصف المدمر لحلب، كما فتحت حكومتها الباب أمام إمكانية فرض عقوبات على روسيا لدورها في الصراع.
وفي واحد من أشد تصريحاتها حتى الآن، قالت ميركل إنه لا يوجد في القانون الدولي ما يبيح قصف المستشفيات، وإن موسكو يجب أن تستخدم نفوذها على الأسد لوقف قصف المدنيين.
وقالت لحزبيين في مدينة مغدبورغ إن «لروسيا كثيراً من النفوذ على الأسد. لا بد أن نوقف هذه الجرائم الفظيعة».
وفي سياق مقارب، أظهر تحليل أجرته «رويترز« لبيانات معلنة أن روسيا عززت قواتها في سوريا منذ انهيار وقف إطلاق النار في أواخر أيلول الماضي حيث أرسلت قوات وطائرات وأنظمة صاروخية متطورة.
وتشير البيانات إلى تضاعف حجم الإمدادات عن طريق الجو والبحر مقارنة مع فترة قاربت الأسبوعين قبل الهدنة.
وهذا أكبر نشر عسكري روسي في سوريا على ما يبدو منذ أن قال الرئيس فلاديمير بوتين في آذار الماضي إنه سيسحب بعضاً من قوات بلاده من هناك.
وقال محللون عسكريون إن القوة البشرية الإضافية ربما تشمل متخصصين لتشغيل نظام إس-300 لصواريخ أرض - جو الذي نشر في الآونة الأخيرة. وأضافوا أن ذلك النظام سيحسن قدرة روسيا على السيطرة على المجال الجوي في سوريا حيث تدعم قوات موسكو بشار الأسد وقد يكون الهدف منه ردع أي تحرك أميركي أكثر صرامة.
وقال الباحث في المعهد الملكي لدراسات الدفاع في لندن جاستين برونك إن «النظام إس-300 يمنح روسيا بالأساس القدرة على إعلان منطقة حظر طيران فوق سوريا. كما يجعل أي محاولة أميركية لفعل ذلك مستحيلة. يمكن لروسيا أن تقول فحسب: سنواصل الطيران وأي شيء يحاول تهديد طائراتنا سيعتبر معادياً وسيدمر«.
ولم ترد وزارة الدفاع الروسية على أسئلة مكتوبة. ورفض مسؤول كبير بسلاح الجو الحديث عن زيادة شحنات الإمدادات. لكن بيانات جمعها مدونون أتراك لمشروعهم الإلكتروني (بوسفور نافال نيوز) وراجعتها «رويترز« تظهر أن إرسال التعزيزات عبر خط «سيريان إكسبريس» الملاحي الروسي من البحر الأسود زاد خلال أيلول الماضي وبلغ ذروته الأسبوع الماضي.
وأوضحت البيانات أن عشراً من سفن البحرية الروسية مرت في البوسفور في طريقها إلى سوريا منذ أواخر أيلول مقارنة مع خمس في الثلاثة عشر يوماً التي سبقت الهدنة (من 27 آب حتى السابع من أيلول).
ويشمل هذا العدد السفينة «ميراج« وهي سفينة صواريخ صغيرة شاهدها مراسل لـ»رويترز« تعبر البوسفور صوب البحر المتوسط. وأرسلت سفينتا صواريخ أخريان إلى المتوسط الأربعاء.
وكانت بعض السفن التي أرسلت إلى سوريا حمولتها كبيرة لدرجة أن خط الغاطس وهو خط يرسم في أسفل جوانب السفن كعلامة لتحديد الارتفاع المسموح للماء الوصول إليه على السفينة، لا يكاد يرى فوق الماء. ورست تلك السفن في القاعدة البحرية الروسية في ميناء طرطوس السوري بمحافظة اللاذقية غرب البلاد.
ولم تتأكد «رويترز« من حمولة هذه السفن.
ونشر موقع «فلايت رادار 24 دوت كوم« الإلكتروني بيانات تفيد بعودة الجنود والعتاد إلى سوريا جواً. وأظهر تحليل للبيانات أن طائرات الشحن العسكرية الروسية توجهت إلى قاعدة حميميم في سوريا ست مرات في الأيام الستة الأولى من تشرين الأول الجاري- مقارنة مع 12 مرة في الشهر في أيلول وآب.
وقال برونك معلقاً على تحليل البيانات «هم (روسيا) من المحتمل أن يخمنوا على نحو صائب أن السياسة الأميركية ستتغير في آخر الأمر. ويدور في ذهنهم أنه سيتعين علينا فعل شيء حيال ذلك.. لذلك من الأفضل أن نجلب مزيداً من الإمدادات الآن.. قبل أن يصبح الوضع حساساً للغاية«.
وتظهر بيانات «فلايت رادار 24 دوت كوم« أن طائرات الشحن من طرازي إليوشن إي.إل-76 وأنتونوف إيه.إن-124 التي يستخدمها الجيش الروسي توجهت إلى سوريا مرات عدة كل شهر. ولم يُعرف ماذا كانت تحمل هذه الطائرات. لكن إليوشن إي.إل-76 وأنتونوف إيه.إن-124 يمكنهما حمل ما يصل إلى 50 و 150 طناً من العتاد على الترتيب وسبق أن استخدمتا لنقل مركبات ثقيلة وطائرات هليكوبتر إلى سوريا.
وصادق مجلس الدوما الروسي على اتفاق مع دمشق لنشر قوات جوية روسية في قاعدة حميميم في غرب سوريا «لفترة غير محددة».
وصادق 446 من أصل 450 نائباً على الاتفاق الموقع في 26 آب 2015 وكشفه الكرملين هذا الصيف.
ويتيح الاتفاق الذي يسري «لفترة غير محددة»، نشر قوات جوية روسية بشكل دائم في قاعدة حميميم التي تخضع للولاية الروسية. ولروسيا قاعدة بحرية في طرطوس في شمال غرب سوريا.
وتدخلت روسيا في 30 أيلول 2015 في سوريا لضرب «أهداف إرهابية» وتقديم الدعم للأسد.
والاتفاق الذي يحتاج لمصادقة مجلس الاتحاد الروسي، الغرفة العليا في البرلمان، ينص على إعفاء القوات الروسية في حميميم من الضرائب والرسوم الجمركية على أن يتمتع العسكريون الروس وعائلاتهم بحصانة ديبلوماسية. وينتشر نحو 4300 عسكري روسي في سوريا غالبيتهم في قاعدة حميميم بالقرب من اللاذقية.
ومع استمرار القصف الروسي - الأسدي للأحياء الشرقية من مدينة حلب، تمكنت الفصائل الثورية من قتل العشرات من عناصر الميليشيات الشيعية وأسر عدد آخر، إثر شن هجوم معاكس على محاور عدة في مدينة حلب.
وأفاد مراسل أورينت.نت عمار جابر أن فصائل «فتح حلب» وجبهة «فتح الشام» شنت هجوماً معاكساً، تمكنت من خلاله استعادة معظم النقاط التي احتلتها ميليشيات إيران في حي الشيخ سعيد بمدينة حلب.
وأكد جابر أن الثوار تمكنوا خلال الهجوم من قتل العشرات من عناصر الميليشيات الشيعية، إلى جانب أسر 5 عناصر آخرين، من حركة «النجباء» العراقية ومرتزقة ميليشيا «فاطميون» الأفغانية.
كما شن الثوار هجوماً موازياً على مواقع الميليشيات الشيعية في حي بستان الباشا، بالتزامن مع التصدي لمحاولة التقدم نحو محور محطة المياه في حي سليمان الحلبي.
وتأتي هذه التطورات بعد ساعات قليلة من إعلان «حركة نور الدين الزنكي» التابعة للجيش السوري الحر، مقتل سبعة عناصر من قوات الأسد خلال اشتباكات في حي صلاح الدين في حلب، في حين أعلنت «الجبهة الشامية» قصفها مواقع قوات النظام في «مناشر البريج» خلال صدها محاولة تقدم.
المستقبل : واشنطن للتحقيق في جرائم حرب وموسكو تحشد عسكرياً
المستقبل : واشنطن للتحقيق في جرائم حرب وموسكو تحشد...لبنان الجديد
NewLebanon
|
عدد القراء:
537
مقالات ذات صلة
الجمهورية : السلطة تحاول التقاط أنفاسها... والموازنة تفقدها...
الاخبار : السفير الروسي: الأميركيّون يهيّئون لفوضى في...
اللواء : باسيل يتوعَّد السياسيِّين.. ورعد...
الجمهورية : مجلس الوزراء للموازنة اليوم وللتعيينات غداً.....
الاخبار : الحريري بدأ جولة...
اللواء : هل يستجيب عون لطلب تأجيل جلسة المادة...
ارسل تعليقك على هذا المقال
إن المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس بـالضرورة سياسة الموقع
© 2018 All Rights Reserved |
Powered & Designed By Asmar Pro