منذ اليوم الأول لمغادرة الرئيس السابق ميشال سليمان قصر بعبدا ودخول البلد رحلة الفراغ الرئاسي المتعثرة والتي قاربت أقل بقليل من السنتين والنصف وحزب الله ما فتيء وخصوصا أمينه العام السيد حسن نصرالله يؤكد أن مرشحه المقدس والأوحد لرئاسة الجمهورية أول حرف من إسمه ميشال عون.
ولا تمر مناسبة او احتفال او مهرجان دون أن ينبري أحد من قياديي حزب الله المتمرسين في الترويج الإعلامي إلا ويعلنها على رؤوس الأشهاد وبالفم الملآن أن مرشح الحزب للرئاسة هو العماد ميشال عون. مع الإشارة إلى أن تبني حزب الله لترشيح عون بدأ مع وثيقة التفاهم التي وقعت بينهما في العام 2006 في كنيسة مار مخايل.
فهذا هو الموقف المعلن من حزب الله، أما في الممارسة فإنه لم يكلف نفسه عناء القيام بأي خطوة واحدة داعمة لحشد الأصوات النيابية اللازمة لإزالة العراقيل وتعبيد طريق بعبدا أمام عون لوصوله إلى القصر الجمهوري بإستثناء الوقوف إلى جانبه في تعطيل الجلسات النيابية المخصصة لانتخاب الرئيس والتي بلغت الأربعة والاربعين جلسة محاولا أن يغلف موقفه بحزمة اتهامات لفريق الرابع عشر من آذار بأنه هو المسؤول عن الشغور الرئاسي بترشيحه لرئيس القوات اللبنانية سمير جعجع منافسا لعون.
لكنه حتى وعندما أعلن جعجع سحب ترشيحه وتبنى ترشيح العماد ميشال عون بحيث أصبحت الفرصة مهيأة لفوز الأخير بالرئاسة فإن حزب الله لم يغتنم هذه الفرصة ويبادر لبذل اي مجهود لتجميع الأصوات النيابية اللازمة - مع امكانيته القيام بذلك - لكنه لم يحرك ساكنا بل التزم الصمت ووجه سهام التعطيل حصرا على تيار المستقبل.
فبدا واضحا أنه ما بين الموقف المعلن لحزب الله بحصر الرئاسة بالعماد عون وبين الممارسة الميدانية في أروقة المجلس النيابي مساحة واسعة من التعطيل لمؤسسات الدولة وفي مقدمتها رئاسة الجمهورية بإطالة أمد الشغور الرئاسي وذلك خدمة للمشروع الإيراني في المنطقة ولمصالح طهران التي تفضل الاحتفاظ بورقة الرئاسة اللبنانية للمساومة عليها وطرحها للمقايضة مع الإدارة الأميركية الجديدة في ظل ارتباط الواقع اللبناني بالواقع الإقليمي وخصوصا الوضع السوري المتشابك بين مختلف القوى الدولية والإقليمية المنخرطة في الحروب السورية.
إذ أن إيران التي كانت على الدوام تعلن أن أمر الرئاسة اللبنانية متروك لتقديرات حزب الله فإنها أدلت للمرة الأولى بدلوها علنا عندما أكد مساعد رئيس مجلس الشورى الإيراني حسين امير عبداللهيان أن بلاده تفضل وصول عون إلى الرئاسة باعتباره حليفا وداعما للمقاومة فيما الموقف السعودي ما زال عنوانه المكشوف ترك الأمر للأطراف اللبنانية.
وإنسياقا مع هذه الوقائع الميدانية على الساحة الداخلية جاءت جولة الرئيس سعد الحريري على كافة المرجعيات السياسية باستثناء حزب الله وطالت أيضا بعض الدول المؤثرة في الحدث الإقليمي مثل روسيا والمملكة العربيه السعودية لتعيد الاستحقاق الرئاسي إلى دائرة الضوء ولتحرك المياه الراكدة التي تغمر هذا الملف.
ومن العاصمة الروسية موسكو التي تشارك حزب الله في دعم رئيس النظام السوري بشار الأسد وضع الحريري إصبعه على الجرح وحدد المسبب الأساسي المسؤول عن الشغور الرئاسي عندما قال :"حزب الله معطل رئيسي للانتخابات الرئاسية " فيما أشاد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بالجهود التي يبذلها الحريري في هذا الإطار من دون أن يزكي علنا اي إسم محدد.
واليوم فإن سلة الرئيس نبيه بري التي رفضتها بكركي وكافة القوى المسيحية الأخرى على اختلاف تلاوينها باستثناء النائب سليمان فرنجية وعدم تأييد تيار المستقبل لها وصمت حزب الله عنها ما أجبر العماد ميشال عون على رفضها جاءت لتسحب البساط من تحت قدميه بحيث شكلت حاجزا في طريقه إلى قصر بعبدا يصعب تجاوزه ولتؤكد على أن حزب الله يواصل سعيه لاستمرار شغور كرسي الرئاسة.
وبذلك انكشفت ممارسات حزب الله التي لم تعد تنطلي على أحد بعدم المواءمة بين ما يقوله وما يفعله.